وساطة “سلفا”.. هل تحدث اختراقاً بين الخرطوم وأديس؟
باحث إثيوبي: الخلافات الحدودية تحل بالإرادة السياسية والمفاوضات
محلل سياسي: وساطة جوبا مقبولة ويبقى المحك حول بند ترسيم الحدود
خبير سياسي: الأوضاع الداخلية لإثيوبيا ربما تجعل قيادتها غير متحمسة لحسم الخلاف الحدودي
تقرير: الخواض عبدالفضيل
كشفت جوبا عن قبول كل من الخرطوم وأديس أبابا لوساطتها لحل النزاع الحدودي بين الدولتين، وقالت حكومة الجنوب إنها وضعت خطة وسيط لحل الصراع الحدودي بين السودان وإثيوبيا، مشيرة إلى قبول الدولتين لدور جوبا المحايد، وقال المستشار الرئاسي في جنوب السودان للشؤون الأمنية، توت قلواك بحسب صحيفة نيو فيشن الكينية إن رئيس الجنوب سلفا كير ميارديت ينسق جهوداً مع السودان عبر الاتحاد الأفريقي والإيقاد لتشجيع الجانبين على كبح جماح الصراع كاشفاً عن وضع سلفاكير خطة للتوسط في المحادثات، بدعم من كينيا وأوغندا وتشهد العلاقات السودانية الإثيوبية توترا ًمنذ نوفمبر 2020م بعد أن أعاد الجيش السوداني انتشاره في منطقة الفشقة الحدودية بالإضافة الى أن الدولتين تعانيان أزمات داخلية السودان يعاني من أزمة سياسية تهدده بالانهيار، أما إثيوبيا فتعاني حرباً أهلية وعدة مشاكل في أقاليم أخرى تهدد بتفتت الدولة الإثيوبية .
الخلافات الحدودية تحل بالإرادة السياسية والمفاوضات
وبحسب المحلل والباحث السياسي الإثيوبي عبد الرحمن أحمد محمد، في حديثه لـ(اليوم التالي) فإن العلاقة بين الشعبين (السوداني الإثيوبي) متداخلة ومتشعبة لا يمكن الفصل بينهما، وتابع: “فيما يخص الخلافات التي تحدث ما بين الفينة والأخرى بين الدولتين تحل عبر المفاوضات كما كان في الماضي”، وأشار إلى أنه في الآونة الأخيرة تدخلت بعض الدول الصديقة للوساطة بين الأطراف لحل الأزمة بينها “الإمارات وتركيا” بيد أنه رأى أن هذه والوساطات كانت غير واضحة المعالم حسب قراءته، وأردف الوساطة الجنوب سودانية ربما تكون مقبولة لدى الدولتين خاصة وان جوبا على علاقة طيبة بـ”الخرطوم وأديس” وربما تكون وساطتها مقبولة لدى الطرفين.
وتساءل عبدالرحمن: “هل يمكن أن تحل أزمة الحدود بين الدولتين؟”، في وقت عاد وأجاب قائلاً: يمكن ذلك إذا حسنت النية بين الطرفين وكانا جادين في التفاوض، وأضاف: أعتقد حتى ولو في المدى البعيد مشكلة الحدود لتستقر العلاقة بين الدولتين الشقيقتين ولن تتغير العلاقة بين الدولتين بتغير الأنظمة الحاكمة بين البلدين لأن العلاقة استراتيجية بين القطرين.
المثني عبدالقادر: وساطة دولة جنوب السودان غير محايدة
ويقول الكاتب الصحفي والمختص بملف جنوب السودان، المثني عبدالقادر، في حديثه لـ(اليوم التالي): جاءت مبادرة دولة جنوب السودان للتوسط بين الخرطوم وأديس أبابا للمرة الثانية حول قضية الفشقة بولاية القضارف بعد أقل من أسبوعين من توقيع حكومة جوبا لاتفاق استراتيجي أمني جديد مع حكومة أديس أبابا وهو ما يجعل وساطة جوبا في الملف غير محايدة أولاً بدليل أن جوبا أعلنت رسمياً دعمها لسد النهضة رغم المخاطر التي تهدد الشعبين السوداني والمصري جراء السد، وتابع: ثانياً وساطة جنوب السودان ترمي في نهاية المطاف نحو انسحاب الجيش السوداني من الفشقة لصالح الجيش الإثيوبى، وهذا ما سيجد رفضاً قاطعاً من القيادة السودانية لما فيه من انتهاك وتفريط في سيادة البلاد، ولعله سيلقي بظلال قاتمة على علاقات البلدين خاصة وأن الخرطوم الضامن الرئيس لملف اتفاق السلام المنشط وربما يقود الى أن ترفع الخرطوم يدها من الملف وتسلمه للاتحاد الأفريقي، خاصة وأن أطراف جنوب السودان غير حريصين على تنفيذ الترتيبات الأمنية بسبب التحديات الداخلية، وزاد: المثير للاهتمام أيضاً أن وساطة جنوب السودان تخدم بالدرجة الأولى قومية الأمهرة الحاكمة للبلاد، بينما تعترف بقية القوميات الإثيوبية المختلفة أن أرض الفشقة (سودانية) بما في ذلك قومية الأورومو التي تعد الأضخم من حيث السكان في إثيوبيا، جميعهم يعترفون بسيادة السودان على الفشقة، وأردف: حتى البرلمان الإثيوبي الفيدرالي والرؤساء السابقين للجمهورية الإثيوبية يعترفون بذلك، وهو بالتالي ما يجعل وساطة جنوب السودان لا تخدم مصالح حكومة الخرطوم وإنما مصالح قومية واحدة من ضمن نحو (83) قومية إثيوبية أخرى.
محمد محي الدين: وساطة جوبا مقبولة ويبقى المحك حول بند ترسيم الحدود
ويرى المحلل السياسي محمد محي الدين خلال حديثه لـ(اليوم التالي) أن الوساطة من قبل جنوب السودان مقبولة بحكم علاقته مع السودان ودولة إثيوبيا بحكم أن جوبا لديها حوار قائم أصلاً حول عدد من القضايا ما بين الدولتين بالإضافة إلى الروابط الأخرى، وتابع: “لكن هنالك سؤال على ماذا تقوم الوساطة في ظل عدم وجود خلاف أو تنازع حول الأراضي وفق نص بالاتفاقيات الموقع عليها عام 1903م والتي وقعت عليها الحكومة البريطانية الحاكمة للسودان وقتها والإمبراطور الإثيوبي وقتها”.
ونوه محي الدين إلى أن هنالك علامات على الأرض واتفاقيات موقعة، وأنه من الواضح أن الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية من الجانب الإثيوبي، وأضاف: “الإرادة السياسية هي التي من شأنها إنجاح أو إفشالها”، وأشار أيضاً إلى التفاهمات الموقعة في العام 1973م بين السودان وإثيوبيا على إعادة ترسيم الحدود ووضع العلامات الحدودية التي كانت موجودة على رؤوس وسفوح الجبال بين البلدين والحدود معروفة لذلك تحتاج إرادة سياسية من الجانب الإثيوبي في هذا المنحى حتى تصل الاتفاقيات إلى غاياتها، وشدد على ضرورة أن تكون التحركات والتفاهمات بعيدة عن القضايا الداخلية لدولة إثيوبيا والمصالح الخاصة بالسلطة الفيدرالية هناك وبعيدة أيضاً عن الضغوط لتحقيق أي تسوية داخلية أو خارجية، وإنما تكون التفاهمات حول تثبيت أحقية السودان حول أراضيه وفقاً للاتفاقيات المبرمة مسبقاً، وتابع: “على الدولتين وضع مصالح الشعبين السوداني والإثيوبي في طريق الوصول إلى تسوية تحفظ للسودان سيادته على أراضيه وتفتح آفاق التعاون الاقتصادي والاستثماري في الأراضي السودانية في الفشقة وفق الاتفاقات الدولية التي يعمل بها في كل أنحاء العالم وهذا الجدار الآمن الذي يمكن أن يجعل المصالح الاقتصادية منسابة ويعزز الشراكات بين الشعبين وإلا فعدم الوصول الى تسوية واتفاق سياسي يمكن أن يؤزم المنطقة ويؤثر على المصالح المشتركة للبلدين ويحدث اختلالاً في استقرار منطقة القرن الأفريقي”.
الأوضاع الداخلية لإثيوبيا ربما تجعل قيادتها غير متحمسة لحسم الخلاف
فيما أكد الخبير السياسي د. محجوب عثمان في حديثه لـ(اليوم التالي) على أن دولة جنوب السودان تتمتع بعلاقات طيبة مع كل من السودان وإثيوبيا وقد توصلت قيادة الدولتين إلى تفاهمات أساسية في اجتماع رؤساء الإيقاد عندما زار الرئيس الإثيوبي أبي أحمد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان في مقر إقامته وعقدا اتفاقاً على حل قضية الحدود بين البلدين سلمياً وعندها بات واضحاً أن الحل سيكمن في وساطة دولية بين البلدين طالما أنهما رفضا اللجوء للقوة لحسم الخلاف الحدودي بينهما، وتابع: “عليه فإن قبول الدولتين للوساطة الجنوب سودانية يقرأ في ذات السياق ويعتبر مؤشراً لقوة رغبة الدولتين في تجنب الحرب لكنه لا يعبر بالضرورة عن الرغبة الصادقة في حسم الخلاف الحدودي لأنه ملف شائك وقديم وفيه تعقيدات سببها وجود مصالح للقومية الأمهرية في منطقة الفشقة”، واستطرد بالقول: بما أن إثيوبيا في حالة حرب أهلية حالياً فإن أبي أحمد غير متحمس لحسم الخلاف الحدودي حالياً حتى لا يغضب قومية الأمهرا في الوقت الذي يخوض فيه حرباً ضد قومية التقراي.
الجنوب تنقصة الخبرة والعلاقات والضمانات والصراع قديم متجدد
فيما قال الباحث والمحلل السياسي أحمد عابدين لـ(اليوم التالي): جنوب السودان دولة جارة وشقيقة فصلتنا عنها أطماع ومكر الداخل والخارج والحقيقة حتى في آخر أيام عهد الإنقاذ تمددت حبال الثقة ورعا السودان تفاصيل اتفاق السلام وأتى نائب رئيس مجلس السيادة الحالي وأكمل الاتفاق وبذل جهداً مقدراً حتى في تفاصيله، وتابع: “قامت جوبا بدورها برعاية اتفاق بين حكومة التغيير والفصائل المسلحة ونتج عنه اتفاق جوبا للسلام، ولو تمت مراجعة هذا الاتفاق ستعرف ما ستؤول إليه الوساطة الحالية لحل أزمة الحدود بين السودان وإثيوبيا”، ويرى عابدين أن جوبا تنقصها الخبرة والعلاقات والضمانات، مشيراً إلى أن الصراع الحدودي قديم متجدد عقب تغول المزارعين الإثيوبيين بمساندة من جيش بلادهم الفيدرالي على أراضي السودان، علاوة على أنه يحمل أبعاداً متداخلة (إقليمياً ودولياً) وبالتالي لا تستطيع أي وساطة الوصول إلى حل نهائي إلا باصطحاب جملة من التحديات القائمة، وأردف: “مشكلة سد النهضة جزء وقضية شعب التقراي جزء والتداخل الاجتماعي والأطماع الاقتصادية جزء والأمن المائي للسودان ومصر جزء والموانئ على ساحل البحر الأحمر جزء وإرتريا جزء وكل هذه الجزئيات مجتمعة تمثل عقبات كل مرة يتم القفز فوقها فتحصل تهدئة ثم يعود التصعيد”.
وأشار عابدين في حديثه إلى أن إثيوبيا الآن بحاجة إلى تهدئة حتى تمر قضية سد النهضة وهذا الملف تحديداً مرتبط بقضايا الدول الثلاث “السودان ومصر وإثيوبيا” علاوة على السند الذي تجده كل دولة من الخارج على المستوى الإقليمي والدولي، وأصاف: عليه فإن الجنوب يمكن أن ينجح في التهدئة، ولكنه لن يستطيع حل هذه (التعقيدات) إلا إذا نجح في حلحلة التشابك وهذا لن يحدث قريباً فلا الجنوب مستقر ولا إثيوبيا مستعدة لوضع البيض كله في السلة، أما السودان فالآن من الواضح لا يمتلك قراراً وطنياً داخلياً مجمع عليه، وقال عابدبن: “على العموم الخطوة تدعم أواصر الصداقة والثقة مع الجنوبيين وتمهد لأمل ضعيف يمكن أن يتحقق”.