أسامة عبدالماجد يكتب: البرهان.. (4) أيام مهمة
¤ ربما لم يتوقع الشارع السوداني.. ان الأقدار تخبئ لرئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان زيارة مفاجئة إلى بريطانيا بعد غدا الأحد.. ليشهد يوم الاثنين مراسم تشييع الملكة اليزابيث الثانية.. والأمر الذي كان خارج الحسابات أن تقدم بريطانيا الدعوة رسميا للرئيس ..خاصة وانه صوب لها انتقادات شديدة اللهجة قبل عشرة أيام من اليوم.
¤ صحيح الزيارة ذات طابع اجتماعي ولكن تحمل دلالات سياسية كبيرة.. وكذلك المحطة الثانية للبرهان.. حيث يفترض ان يغادر لندن ذات يوم الاثنين إلى نيويورك .. ليشهد صبيحة الثلاثاء المقبلة افتتاح أعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة ،الاجتماعات رفيعة المستوى في نسختها الـ (77).
¤ يبدو أن تحولاً كبيراً طرأ أو سيطرأ على علاقات لندن بالخرطوم .. رغم مخاشنة البرهان للبريطانيين كما اسلفت بمطالبته لهم، تقديم اعتذار رسمي عما أطلق عليها «جريمة المستعمر»، إبان الحكم البريطاني للسودان، وقال إن «ما قام به جيش المستعمر كان جريمة ضد الإنسانية يستحق مرتكبوها الحساب.. مارسوا القتل والفظائع لمدة أربعة أيام بعد المعركة».
¤ رغم ذلك دعوه لالقاء النظرة الأخيرة على ملكتهم .. لكن الأهم من ذلك ليس مطالبات البرهان لهم بالاعتذار.. وهو ذات مطلب تقدم به الرئيس السابق المشير البشير في 2008.. المهم جدآ ان بريطانيا صنفت الدعوات برؤية سياسية صريحة.. لذلك تكتسب دعوة البرهان أهمية كبيرة.. بحيث أعلنت لندن رسميا عدم دعوة كل من زعماء روسيا، بيلاروسيا، سوريا، افغانستان فنزويلا، واقتصرت دعوة كلا من إيران وكوريا الشمالية على مستوى السفراء.
¤ وكذلك لم تقدم الدعوة لرئيس ميانمار وبررت ذلك ان قائدها دخل القصر الرئاسي على ظهر دبابة (نفذ انقلابه في فبراير 2021) .. وهذا يعني أن لندن لا تعتبر إن النظام الحالي في السودان انقلابيا .. وهذا تطور له مابعده على مستوى مجريات الأحداث.. خاصة إذا مانظرنا إلى أن بريطانيا فاعلة فيما يعرف بالآلية الرباعية (إلى جانبها الولايات المتحدة، السعودية والامارات) لحل المشكل بالبلاد.
¤ أما بالنسبة لزيارة نيويورك .. وكنت قد كتبت الاسبوع الماضي تحت عنوان (البرهان إلى امريكا .. كيف ولماذا ؟).. واقترحت أن يقود وفد السودان وبررت الاسباب.. فإن المشاركة مهمة للغاية خاصة بعد انقطاع السودان عن المشاركات رفيعة المستوى.. وسبق للبشير أن شارك وكذلك نائبه علي عثمان.
¤ وتكمن أهمية مشاركة البرهان ان واشنطن لا تنوي التعامل بفظاظة مع البرهان ولا تنوي عزله.. بمعنى صريح أن الغرب الأوربي أو الامريكي يرى أهمية وجود المؤسسة العسكرية في المشهد.. وان الجيش السوداني هو المانع لاي انهيار لحائط السودان.
¤ وقد يرى البعض في قدوم السفير الامريكي للخرطوم بعد سنوات طويلة من الانقطاع.. خاصة وانه لم يات في حقبة حمدوك وقحت الغابرة .. قد يرون ذلك في مصلحة العسكريين.. لكن بعيدا من الافراط في التفاؤل.. ينبغي النظر لذلك بحذر.
¤ ثبت بما لا يدع مجالا للشك ان محاصرة واشنطن للبشير كانت خاطئة.. حيث جعلته اكثر تعنتا.. وافقدها التواجد في المنطقة مما زاد من النفوذ الصيني والروسي.. لذلك غيروا طريقة التعامل مع البرهان والذي يتمتع بنفوذ افريقي قوي.. وهو الآن رئيس الايقاد وترأس قمة طارئة عقدت في كينيا يوليو الماضي.
¤ لكن يلاحظ أن هناك تطورا في الملف الخارجي.. وهذا يعود للجهد الكبير المبذول من وزارة الخارجية بشكل عام بعد أن استردت عافيتها والعمل الذي انتظم رئاستها والبعثات .. وبشكل خاص من وزير الخارجية السفير علي الصادق والوكيل السفير دفع الله الحاج علي.
¤ وقريبا منهما وصول سفير السودان بواشنطن السفير محمد عبد الله ادريس إلى مقر عمله وتقديمه أوراق اعتماده إلى الخارجية الامريكية وهو صاخب خبرة كبيرة .. ورئيس بعثة السودان الدائمة لدى نيويورك السفير الحارث إدريس ورغم تحفظنا عليه من قبل .. إلا أنه نجح في الترتيب لمشاركة السودان في هذة الدورة المهمة.. وتمكنوا من حجز كلمة السودان في توقيت جيد… كما انه قدم ردا قويا على احاطة رئيس بعثة يونتامس فولكر لمجلس الامن قبل أيام .
¤ يتوقع أن يلقي البرهان كلمته صباح الخميس.. حوالي السابعة مساء بتوقيت الخرطوم.. وهو توقيت مناسب يمكن من المتابعة بارتياح.. ونقل الخطاب مباشرة.. ويتوقع من البرهان أن يغادر إلى واشنطن ذات يوم الخميس ويتوقعة ان يعقد اجتماعات مع الادارة الامريكية الجمعة المقبلة.
¤ ومهما يكن من أمر فانه من المرجح أن تنعكس نتائج الزيارتين على متغيرات الأوضاع بالبلاد .. وهذا لا يتاتى الا بقرارات قوية وجريئة أيا كانت طبيعتها.