الطاهر ساتي يكتب: (6.9 مليون)

:: فيما تتصارع أطراف السياسة على كراسي السلطة، تعلن منظمة رعاية الطفولة العالمية واليونسيف عن دراسة مزعجة، محتواها أن 6.9 مليون طفل وطفلة بالسودان، أي ما نسبته واحد من كل ثلاثة أطفال، لا يذهبون إلى المدرسة.. ليس هذا فحسب، بل إن هناك 12 مليون طفل آخرين تعليمهم غير منتظم بسبب نقص المعلمين وبيئة التعليم وغيرها..!!.
:: فالجدير بالانتباه، لقد تضاعفت الأعداد عما كانت عليه قبل خمس سنوات تقريباً، بحيث أشار تقرير مشترك – منظمة اليونسيف ووزارة التربية والتعليم – بأن أكثر من ثلاثة ملايين طفل لا يتلقون تعليماً بالمدارس، وتتراوح أعمارهم ما بين (5/13 سنة).. وكانت أماكن الرُّحل، ثم المناطق المتأثرة بالحرب والفقر والنزوح تشكل أعلى نسب تسرب الأطفال من المدارس..!!
:: وبعد نشر تقريرها، وصفت اليونسيف – على لسان ممثلها بالسودان كابيليري – سلطات التعليم في بلادنا بالشجاعة، لأنها وافقت على نشر نتائج التقرير وتلك الأرقام المحزنة.. ومخدوع كابيليري هذا، فالسلطات ليست شجاعة ولا يحزنون، ولكنها تُدمن (الشحدة) بمثل هذه التقارير الجاذبة لتمويل المنظمات..!!
:: ومن المآسي، في عام نشر يونسيف لتقريرها عن أطفال السودان، أعلنت رواندا إطلاق قمر صناعي لتزويد مدارس الأرياف بخدمات الإنترنت (مجاناً)، وقالت حكومتها: (كان ضرورياً إنفاق ما يقارب الاثنين مليار دولار لمد مدارس المجتمعات النائية بخدمات الإنترنت).. وبالتزامن مع انطلاقة خدمات القمر الصناعي الرواندي، تحدثت أخبار صحف الخرطوم عن إحدى كوارث التعليم العام، بحيث أكد معتمد البطانة إغلاق ما يزيد عن (60 فصلاً) من فصول الصف الأول بمرحلة الأساس بالمحلية بسبب الجوع والتسرب..!!
:: هكذا كان الفرق، ولا يزال يتواصل.. هناك يصرفون المليارات، ويطلقون الأقمار لتوزيع خدمات الإنترنت مجاناً على مدارس الأرياف، وهنا يغلقون فصول أهم مراحل التعليم بسبب جوع التلاميذ وارتفاع نسب التسرّب.. وكثيراً ما تكتب الصحف وتنشر وسائل التواصل عن أطفال بالمدارس الثانوية والأساس يغسلون السيارات في شوارع المدن، أي يتسربون من أجل جنيهات بالكاد تسد رمقهم وأسرهم..!!
:: مكافحة التسرب وعمالة الأطفال ليست من أولويات السلطات في بلادنا، ومن الطبيعي أن تتضاعف النسب.. وفي الخاطر، قبل الثورة بعام، وهم يناقشون تقرير المجلس الأعلى للبيئة، حذر نواب الخرطوم من كارثة بيئية بسبب انتشار النفايات، ثم انتقدوا ظاهرة استخدام الأطفال في جمع النفايات، بحيث قالوا: (الأطفال لا يعرفون التعامل مع النفايات).. نقدهم كان لاستخدام طفل لا يعرف التعامل مع النفايات، وليس لاستغلال الأطفال في جمع النفايات بدلاً عن تعليمهم..!!
:: ومع الإعلان عن حجم تسرب الأطفال من مراحل التعليم، تحدث المنظمات أيضاً ﻋﻦ ﻣﺨﺎﻃﺮ ﺍﻷﻣﻴﺔ، ﺛُﻢ ﺍﻟﺘﺬﻛﻴﺮ ﺃﻥّ ﺑﺎﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ‏(10 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺃﻣﻲ)، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳُﻌﺎﺩﻝ ثلث السكان ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً، وهذا ما يجب أن يقلق مضاجع من نلقبهم بالمسؤولين.. وليس في الأرقام والنسب عجب، فعندما يصبح ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ – مثل ﺍﻟﺤﺞ – ﻟﻤﻦ اﺳﺘﻄﺎﻉ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺒﻴﻼً، فمن الطبيعي أن تتّسع دوائر الرسوب والتسرُّب وﺍﻷﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮﺓ.. فالتعليم العام يجب أن يصبح مجاناً في الواقع، وليس في الشعارات السياسية والخُطب الثورية، وهذا لن يحدث ما لم نصبح (دولة مؤسسات)..!!

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...