الطاهر ساتي يكتب: إشارة بلا شارع..!!

:: عاد الكسول إلى داره وبيده وتد، وقال لزوجته مباهياً: (أنا خلاص فكّرت أشتري حمار، ح نربطو في الوتد دا)، فصاحت الزوجة بفرح: (يعني ح نطلع مشاويرنا بالحمار بدل الكداري؟)، فضربها بالوتد غاضباً: (إنتِ مجنونة؟، كيف نترادف في حمارة حامل؟).. وفي المحكمة، وجد القاضي أن الدابة التي تعاركا في ركوبها مجرد حلمٍ، وليس في واقع حياتهما غير (الوتد)..!!
:: ومنذ أسابيع لم يتوقّف السِّجال حول مشروع الدستور الانتقالي الذي ترجمته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، وذلك بعد أن صاغتها منظمة أجنبية بلغة إنجليزية رصينة، كما قال الخبير القانوني، القيادي بقوى الحرية والتغيير، نبيل أديب في حوار مع (الحراك السياسي).. وهذا يعني أن لجنة المحامين المحلولة ليس لها غير (أجر الترجمة)، وكنت أظنها اجتهدت في التفكير والصياغة..!!
:: على كل حال، يحتدم السجال حول مشروع الدستور المترجم، ما بين ثلاثة فرق.. هناك فريق رافض، وهم الحزب الشيوعي وآخرون، وهؤلاء لا يعترفون بلجنة النقابة ذاتها، ناهيكم عن مشروع دستورها المترجم.. أما الفريق الآخر، وهم فولكر وأحزابه الأربعة، فمن المؤيدين لمشروع الدستور المترجم بتطرف.. وهناك فريق ثالث، وهم نائب رئيس المجلس السيادي وآخرون، رحبوا بالمسودة المترجمة، دون رفض أو قبول..!!
:: ولو احتكمت الفرق الثلاثة لقاضٍ عادلٍ، لتحكم بينهم بالعدل، لسألهم: أين هي دولتكم لأحكم لكم بدستورها؟.. فالقوم يتصارعون حول (الوتد)، بيد أن حمارهم – التي هم في ركوبها يتصارعون – في علم الغيب.. فالنصوص الدستورية ما هي إلا حزمة مبادئ سياسية، مراد بها تنظيم الدولة، وكذلك هي عقد اجتماعي بين الشعب وحكومته.. فأين هي المبادئ السياسية المتفق عليها، بحيث تكون مشروعاً لدستور..؟؟
:: وعلى سبيل المثال، دستور السودان الصادر العام 2005، وكان مثالياً، شاركت في صياغته كل القوى السياسية والحركة الشعبية، وذلك في نيفاشا، وليس الخرطوم.. بالخرطوم، دخل هذا الدستور البرلمان وخرج دون أي تعديل في أي نص، أي عرضوه لنواب البرلمان للاطلاع فقط لا غير.. كان متفق عليه، من قوى السودان، ذات اليمين وذات اليسار، وكذلك الحاملة للسلاح..!!
:: وليس فقط دساتير السودان، بل كل دساتير العالم، نصوصها مستوحاة من اتفاقيات سياسية.. وهذا يعني أن الدستور آخر ما تفكر فيه النخب السياسية الواعية، وخاصة في حالات الاضطراب السياسي.. فالتفكير في مشروع حوار سياسي بغرض الاتفاق، كان يجب أن يكون مقدماً على التفكير في ترجمة مشاريع المنظمات، بحيث يكون مشروعاً لدستور السودان.. ومن الغباء تركيب إشارات المرور قبل تخطيط الشوارع..!!
:: وبالمناسبة، ليس للمملكة المتحدة دستور مُصاغ، أي هي دولة بلا دستور.. وإسرائيل أيضاً، وكندا، ونيوزيلاندا وغيرها، بلا دستور مكتوب أو (مترجم)، وتعتمد في تنظيم سلطاتها على أعراف وقوانين وأحكام قضائية، ثم وعي نخبها السياسية، وليس على البقرة المقدسة (الدستور).. وعليه، سارعوا إلى مائدة حوار شامل لصياغة المبادئ الأساسية لتنظيم الحياة السياسية.. ولو لم يتم الاتفاق على المبادئ الأساسية لتنظيم الحياة السياسية في السودان، فعلى نقابة المحامين إجازة مشروعها المترجم بحيث يصبح دستوراً ينظم حركة المرور في (محطة باشدار)..!!

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...