سد النهضة يكبح فيضان النيل الأزرق والأمطار تعوض النقص
شهدت بيانات قياس مياه نهر النيل في السودان لهذا العام تضارباً، في ظل تراجع فيضان النهر الأزرق، مقابل تسجيل معدلات مرتفعة للأمطار.
وكشفت لجنة الفيضان بوزارة الري السودانية في بيان، الاثنين، انخفاض إيراد النيل الأزرق عن العام الماضي بنحو 18 مليون متر مكعب.
وأشارت إلى ارتفاع المنسوب في محطة الديم الحدودية مع إثيوبيا التي تسجل مستوى النهر، متأثراً بالارتفاع في خزان الروصيرص، قبل أن تعلن في بيان الثلاثاء عن ارتفاع إيراد النهر عن العام الماضي بـ50 مليون متر مكعب.
وقال مقرر لجنة الفيضان بالوزارة رضوان عبد الرحمن، إن فيضان النيل الأزرق حدث هذا العام متأخراً، وأرجع ذلك لعمليات ملء سد النهضة الإثيوبي.
وأعلنت الحكومة الإثيوبية انتهاء عملية الملء الثالث لسد النهضة في 12 أغسطس الماضي، وأشرف رئيس الحكومة آبي أحمد على إطلاق توليد الكهرباء من السد.
وأضاف عبد الرحمن أن فيضان النيل الأزرق استمر من أواسط أغسطس إلى بداية سبتمبر، قبل أن يبدأ السودان في إعادة ملء خزاناته الاثنين، في سنار والروصيرص، ليكون ذلك عاملاً إضافياً في التخفيف من حدة فيضان النيل الأزرق هذا العام، لافتاً إلى أن معدلات الفيضان كانت أقل من مثيلتها عام 2020.
وأكد ذلك وزير الري السوداني السابق ياسر عباس، خلال ندوة صحافية بشأن السيول في البلاد، قائلاً: “النيل الأزرق لم يشهد فيضاناً هذا العام”، مشيراً إلى أن التغير المناخي يؤثر بشكل كبير على الأمطار والسيول في السودان.
الروافد الأخرى
وفي المقابل كشف المسؤول الوزاري أن إيراد أنهار عطبرة، الدندر والرهد كان مرتفعاً هذا العام، وتسبب ارتفاع منسوب نهر عطبرة في زيادة الفيضان بالمدينة الواقعة شمال السودان، عند التقاء الرافد النابع من الشمال الإثيوبي مع نهر النيل الرئيسي.
كذلك، يستمر فيضان نهري الدندر والرهد، اللذان يصبان في النيل الأزرق، ولكن ذلك لم يؤد إلى فيضان كبير للنهر. كما بين عبد الرحمن أن النيل الأزرق فاض بشكل طفيف في الخرطوم.
الحصص المائية لم تتأثر
خبير السدود أبوبكر المصطفى، أكد أن ملء سد النهضة أثر في بداية موسم فيضان النيل الأزرق، لكنه استدرك، قائلاً إن ذلك لم يؤثر على المستويات الكلية للنيل خلال الموسم الحالي.
وأضاف أن تراجع النيل الأزرق ساعد في تصريف السيول التي تسببت بها الأمطار الغزيرة هذا العام، وبين أن هذا التراجع لا يعني عدم حدوث زيادة نهائياً، إذ يبلغ متوسط إيراد النهر عادة ما بين 45 إلى 55 مليار مكعب، وبلغ المعدل خلال فترة الفيضان نحو 65 ملياراً.
ويكشف المصطفى أن الارتفاع في نهري الدندر والرهد كان كبيراً مقارنة بالأعوام الماضية. أما نهر عطبرة، فيبلغ معدله ما بين 300 إلى 400 مليون متر مكعب يومياً في أيام الفيضان، أما هذا العام فقد وصل إلى نحو 600 مليون متر مكعب خلال أيام. وهذا ما تؤكده بيانات وزارة الري بين أيام 28 أغسطس و9 سبتمبر.
ويشير خبير السدود إلى أن معدلات النيل الأزرق ستكون مرتفعة عن المتوقع طوال العام، بعد إعلان إثيوبيا بدء توليد الكهرباء من سد النهضة، لأن تشغيل التوربينات يلزمها بفتح بوابات السد بشكل أكبر.
ويمتد النيل الأزرق على طول 1500 كيلومتر داخل السودان، وتصب فيه مجاري سيول موسمية عدة، إضافة إلى عدد من الروافد، هي الدندر والرهد وعطبرة والسوباط.
أما النيل الأبيض فيبلغ متوسط إيراده اليومي ما بين 70 إلى 80 مليون متر مكعب، وبلغ هذا العام في أعلى معدلاته 180 مليون متر مكعب، في 15 و19 سبتمبر حسب بيانات وزارة الري السودانية.
ويشرح الخبير أن لهذه الأسباب مجتمعة، فإن الحصص المائية لم تتأثر بالملء الثالث لسد النهضة هذا العام.
سد النهضة
وأظهرت الأقمار الصناعية صوراً، حصلت عليها “الشرق” من خدمة Digital Earth Africa، توسع بحيرة سد النهضة بشكل كبير هذا العام عن الأعوام السابقة.
وتظهر الصور الملتقطة في يونيو وسبتمبر من كل عام، في عامي 2020، 2022، توسع البحيرة سنوياً، واختلاف المستوى بعد أشهر الملء.
وأعلنت الحكومة الإثيوبية وصول المياه هذا العام إلى مستوى 600 متر فوق سطح البحر في البحيرة خلف سد النهضة، وهو أعلى بـ25 متراً عن العام الماضي.
وحسب بيان هيئة الكهرباء الإثيوبية، فإن مستويات المياه كانت عند 500 متر فوق سطح البحر قبل بناء السد.
سيول خاطفة
وأوضح الخبير بالمكتب الإفريقي التابع للمنظمة الدولية للأرصاد أبوبكر صالح بابكر، أن معدلات الأمطار المرتفعة والسيول الناتجة عنها هذا العام في السودان كانت متأثرة بظاهرة “النينا”، التي تعني انخفاض درجات الحرارة دون المتوسط في شرق المحيط الهادي، وهو ما يسبب في المقابل زيادة معدلات الأمطار في السودان وإثيوبيا.
وحسب خبير الأرصاد فقد شهدت البلاد ظاهرة السيول المفاجئة أو الخاطفة، نتيجة الظاهرة المناخية المستمرة منذ 3 سنوات إضافة إلى عوامل أخرى.
والسيول الخاطفة التي حذر منها رضوان عبد الرحمن أنها تمثل خطراً حقيقياً على السكان، بينما يمثل فيضان النيل خطراً أقل.
وأكد صالح أن ارتفاع معدلات الأمطار سبب عدم حدوث نقص في المياه في النيل، رغم ملء سد النهضة في إثيوبيا، إلا أنه أشار إلى أن الظاهرة المستمرة منذ عام 2020 قد تتراجع الأعوام المقبلة، ويتراجع معها معدل الأمطار.
وطمأن أن ظاهرة “النينا” لا تنتقل إلى الظاهرة المقابلة لها “النينو” مباشرة، بل تمر بمرحلة انتقالية تكون معدلات الأمطار حينها متوسطة في البلاد.
وظاهرة “النينو” تعني ارتفاع درجات الحرارة دون المتوسط في شرق المحيط الهادي، وهو ما يسبب في المقابل انخفاضاً في معدلات الأمطار في السودان وإثيوبيا.
آثار مدمرةوحسب تقارير دولية، فقد أثرت السيول على 16 ولاية من أصل 18 في أنحاء السودان، فيما تضرر نحو 300 ألف شخص نتيجتها.
ولم تنحصر الأمطار والسيول في المناطق المطلة على حوض النيل فقط، فقد شهدت مناطق واسعة من دارفور وكردفان سيولاً.
وكشف المجلس القومي للدفاع المدني السوداني عن وصول أعداد الضحايا إلى 144 في آخر إحصائية له الاثنين، فيما تضرر أكثر من 166 ألف فدان من الأراضي الزراعية حسب إحصائيات سابقة، وانهار نحو 72 ألف منزل بشكل كامل، فيما انهار نحو 74 ألف منزل بشكل جزئي حسب بيان المجلس.
ويشير تقرير شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة “FEWS” إلى أن مناطق في جنوب وشرق السودان، إضافة إلى شمال وغرب إثيوبيا شهدت خلال الشهر الماضي أمطاراً موسمية غزيرة، فاقت متوسط معدلات الهطول في المنطقة.
و”FEWS” موقع مختص بمتابعة المعلومات والتحليلات بشأن انعدام الأمن الغذائي، تديره الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وحذر مركز المناخ الإقليمي التابع لمنظمة “إيقاد” في تقرير له من آثار السيول في السودان. ودعا المركز السلطات إلى تجهيز الإسعافات الصحية الملائمة، تحسباً لانتشار وباء الكوليرا بعد السيول.
كما أشار في تقريره إلى أن السلطات السودانية يجب أن تراقب معدلات النيل لوضع الاحتياطات المناسبة.هضة يكبح فيضان النيل الأزرق والأمطار تعوض النقص