الإضرابات المطلبية… حقوق أم ضغط سياسي؟
الشيوعي: الإضرابات ناتجة عن السياسات الاقتصادية التي لم تتغير
التغيير: الإضراب دليل على قشل الانقلاب ولن يستطيع الاستمرار طويلاً
محلل سياسي: الإضراب تعبير عن مطالب حقوقية عادلة للعمال والمهنيين
قانوني: السودان يكفل حق القطاعات المهنية والفئوية والعمالية في الإضراب
—
ما أن تحل أزمة في البلاد إلا تَطْفُو أخرى على السطح، ومع وصول التضخم إلى 117% بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، اتسعت ظاهرة الإضراب عن العمل في قطاعات صناعية وإنتاجية وخدمية لأسباب متباينة، منها الاقتصادي احتجاجاً على ضعف الأجور وتدهور المعيشة، والسعي إلى إسقاط الانقلاب، مما قد يمهد الطريق لإضرابات سياسية وعصيان شامل، وبذلك أعلنت القطاعات انطلاق رحلة البحث عن زيادة الأجور، والأمان الوظيفي، ويظل السؤال: هل ستكون الإضرابات بداية نهاية انقلاب أكتوبر؟ لم يستبعد ذلك متحدثون لـ(اليوم التالي) قالوا إنها خطوة لتجميع القوى المعارضة للانقلاب والتحضير للعصيان المدني الشامل، سيما وأنها انعكاس للأوضاع الاقتصادية المتردية على حياة المواطنين، وفشل السياسات التي تنتهجها السلطة الحاكمة، وأكدوا أنها تستطيع الوصول إلى أهدافها واسترداد حقوقها، لأن القطاعات التي نفذت الإضراب تمثل جزءاً معتبراً من الشعب السوداني.
حق مكفول
يؤكد القيادي بحزب الأمة القومي والقانوني عروة الصادق كفالة السودان حق القطاعات المهنية والفئوية والعمالية في الإضراب بموجب نصوص الوثيقة الدستورية التي حذف الانقلاب بعض فقراتها وعطل العمل بأحكام بعض بنودها، وتحميه الاتفاقيات الدولية أو الإقليمية التي صادقت عليها البلاد، والصكوك الأممية، واعتبر عروة في إفادة لـ(اليوم التالي) الإضراب أنجع وسائل رفض الأوضاع المهنية المهينة، وأهم طرق الاعتراض على تردي أوضاع بيئة العمل وتدني الأجور والمرتبات، وأنسب سبل الاحتجاج على سوء الخدمات، فضلاً عن أنه أقوى وسائل المقاومة السلمية والاحتجاج والاعتراض على عسف الأنظمة الدكتاتورية، وأضاف أن أقوى عمليات الإضراب هي تلك الإضرابات الفئوية والقطاعية والمهنية، وأن المعلمون والأطباء والقضاة هم رأس الرمح في عمليات الإضراب التي تؤثر بصورة مباشرة على سير العمل في دولاب الدولة، فتتأثر قطاعات كبيرة بذلك الإضراب وتختل موازين الحياة الطبيعية، وتتعطل الكثير من المرافق والمؤسسات، الأمر الذي يقود إلى شلل كامل في الدولة، وتابع: هناك مستوى آخر من الإضرابات ويعد أخطرها إضراب قطاع النقل البري والبحري والجوي والذي يؤثر في عمليات السفر والتنقل لمئات الآلاف ويشل الأنشطة التجارية والاقتصادية والاجتماعية والأكاديمة.. الخ، وزاد: هو ما سيكون حدوثه قريباً، حال استمرت السلطات في تحميل المواطن فواتير باهظة الثمن في الوقود والمحروقات والسلع.
قمة رأس الجليد
وبحسب القانوني في حال استمر الانقلاب لن تتوقف الإضرابات الاحتجاجية ووصف إغلاق أسواق مدن سنار وتمبول والحصاحيصا بأنه قمة رأس الجليد، احتجاجاً من قطاع واسع كالتجار على ارتفاع قيمة الضرائب المفروضة عليهم، وتدني خدمات الكهرباء والصحة، وما تكرر من إضراب لموظفي وزارات اتحادية وولائية لن ينته، وليس أمام السلطة إلا احترام الحق في الإضراب، وأشار إلى استعانة السلطة الانقلابية بكتائب ظل النظام البائد، وتشغيلهم لسد النقص في عدد من المجالات، الأمر الذي ثمنه إرجاعهم للخدمة وإلقاء قرارات الفصل في مواجهتهم وتمكينهم من مفاصل الحكومة ومؤسسات الدولة، الأمر الذي يصطدم بجدر المقاومة السلمية في تلك المؤسسات ويجعل من الفلول أدوات عنف وانتهاكات كما شهدنا ذلك إبان عهد المخلوع، وقطع الصادق بعجز السلطة عن إنهاء الإضراب المتصاعد، وإيقاف سلسلة الإضرابات القادمة لأنها تملك شيء تقدمه، وذكر أن والوضع الاقتصادي والإنساني والسياسي والأمني وغوص البلاد في دماء الضحايا والغرق في الأزمات التي خلفها البرهان وزمرته، يحفز النقابات واللجان التسييرية والتجمعات المهنية للتصعيد وصولاً للعصيان المدني الشامل وإضراب السياسي العام.
تعبير عن المطالب
ولم يذهب بعيداً المحلل السياسي عبد القادر محمود ويقول إن الإضراب وفق العلوم السياسية تعبير عن المطالب الحقوقية العادلة لفئات العمال ويتم بأشكال مختلفة، أشهرها التوقف عن العمل بشكل فردي أو جماعي للفئات العمالية في بلد معين، وأكد محمود لـ(اليوم التالي) أنه حق يكفله القانون والدستور في البلدان المحترمة التي تحكمها المؤسسات وفق الديمقراطية والأطر المدنية للدولة، لجهة أنه وسيلة قديمة وجديدة استخدمها الشعب للمطالبة بالحقوق المدنية والاجتماعية وانتصر في ذلك عدة مرات، وأضاف أن الإضرابات العمالية التي بدأت تنتظم بوتيرة متزايدة انعكاس للأوضاع الاقتصادية المتردية والتي كانت لها آثار مباشرة على حياة المواطنين بشكل عام والعمال على وجه التحديد، سيما وأن أوضاعهم المعيشية تعقدت بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني مقابل مرتبات لا تفي بأبسط مقومات حياتهم اليومية، الأمر الذي قاد كثيراً من اللجان التسيرية للفئات المهنية المختلفة تعمل على تنظيم صفوفها لمواجهة التحديات الاقتصادية من خلال الدعوة للإضراب الفئوي وصولاً إلى إضراب سياسي شامل الذي بدوره يعمل على إسقاط السلطة الراهنة التي فشلت في إدارة الدولة على كافة الأصعدة، وطبقاً لأستاذ العلوم السياسية، بعد ثورة ديسمبر زاد منسوب الوعي النقابي في السودان ويتمثل ذلك بالبدء في تشكيل اللجان التسيرية للنقابات الفئوية الذي بدوره زاد من درجة الوعي بالحقوق والمطالبة في ظل هامش الحرية الذي وفرته حكومة ما بعد الثورة، وأشار إلى أن الشعب السوداني كان المعلم وما زال إلى هذه اللحظة في تبنيه وسائل سلمية لمواجهة الديكتاتوريات، وأكد أن الإضرابات العمالية الراهنة تستطيع الوصول إلى أهدافها واسترداد حقوقها، وتابع أن آثارها وتداعياتها على الوضع المعيشي للمواطنين لا يقل عن وطأتها على العمال أنفسهم، لأن العمال يمثلون جزءاً معتبراً من الشعب السوداني.
رفض سياسات اقتصادية
فيما يرى الحزب الشيوعي أن الإضرابات عمالية مطلبية ترتبط برفض مطلق للسياسات الاقتصادية التي يتبعها السودان، ولم تتغير منذ نظام البشير حتى الآن، ويقول الناطق الرسمي للحزب الشيوعي فتحي الفضل: هناك انفراج عقب إزاحة البشير والتفاهم بين الحكومة الانتقالية والمجتمع الدولي الآن انقلاب أكتوبر أعاد الأوضاع إلى مصير واضح وهو رفض المجتمع الدول للانقلاب والتعبير عنه اقتصادياً من خلال وقف الدعم والمساعدات الدولية، وأرجع فضل في حديثه لـ(اليوم التالي) الإضرابات إلى السياسة الاقتصادية المستمر وتعميق الأزمة بتولي رئيس حركة العدل والمساوة جبريل إبراهيم وزارة المالية ومحاولة تقديم السياسية الاقتصادية لخدمة الجبريل ومنظماته الناتج عن اتفاق المحاصصة بجوبا وفق تعبيره، بالإضافة إلى غياب نقابات العمل، وقال إن الإضرابات المطلبية خطوة كبيرة لقيام النقابات تساعد في تجميع القوى العاملة وتوحيدها في إطار نقاباتها، علاوة على أنها تسير في طريق التحضير والتصعيد الجاري من قبل القوى السياسية التي ترفع اللاءات الثلاث وتسعى لإسقاط الانقلاب، وشدد على ضرورة ربطها بما يجري في الساحة وتصعيد مواكب لجان المقاومة واعتبر ذلك التشابك الطريق الأساسي لوحدة القوى المعادية للقوى العسكرية والطريق الذي يقود إلى الإضراب السياسي العام والعصيان المدني، وذكر الفضل أن الإضرابات المطلبية لها تداعيات على حيات الناس خصوصاً إضرابات القطاعات الخدمية، كالكهرباء وغيرها، وأضاف أن المواطن يفهم حقيقة الإضرابات المطلبية باعتبار أنها تساعد في تغيير الوضع الراهن بشكل جذري وتقود لإقامة سلطة مدنية كاملة.
فشل انقلاب
وبدوره اعتبر القيادي بالحرية والتغيير المجلس المركزي وعضو مكتب السياسي في حزب المؤتمر السوداني نور الدين صلاح الدين، تنامي الإضرابات داخل الخدمة المدنية وأسواق بعض مدن البلاد دلالة على تأثير انقلاب 25 أكتوبر على مجريات الحياة المواطن والتذمر من سياساته فضلاً عن أنها دليل على فشل الانقلاب وأنه ولن يستطيع الاستمرار طويلاً وأضاف: “وهذا ما سنعمل له في مقبل الأيام” وقال لـ(اليوم التالي) إن المطالب المشروعة إضرار لمنتسبي القطاع العام أو القطاع الخاص بجانب التأثيرات سالبة تؤكد غياب الظهير السياسية والحاضنة الشعبية التي تقف مع الانقلاب في أحلك الظروف، وأشار إلى أن الانقلاب من الأدوات السلمية للمقاومة التي تضيق الخناق بالانقلاب.
إضرابات واسعة
ومن أبرز الإضرابات التي تمت أخيراً إضراب أطباء الامتياز في البلاد عن العمل بالمستشفيات الحكومية، لمدة ثلاثة أيام، احتجاجاً على تأخر استحقاقاتهم المالية لأكثر من ثمانية أشهر، وأكدت لجنة أطباء الامتياز في السودان – مهنية مطلبية، أنه في حال عدم تنفيذ المطالب التي رفعتها اللجنة سيستمر الإضراب حتى تحقيق أهدافه، وكذلك أضرب مئات العمال في 6 سدود احتجاجاً على نقلهم من العمل بشركة التوليد المائي لوزارة الري والموارد المائية والتي كانت السدود إحدى إداراتها، ومطالبتهم بإعادة تبعيتهم للشركة مرة ثانية وبالامتيازات المالية السابقة التي حرموا منها، كما نفذ أكثر من 4 آلاف عامل بشركة السكر السودانية إضراباً مفتوحاً عن العمل منذ أول من أمس مع التلويح بإغلاق الشركة وإعلان العصيان في حالة عدم تنفيذ مطالبهم بصرف متأخرات مرتبات يونيو، ويوليو، المعدلة ومتأخرات شهري يناير، وفبراير الماضيين، وكذلك دخل في السياق نفسه العاملون في وقاية النباتات التي تتبع لوزارة الزراعة ببورتسودان في إضراب عن العمل منذ أيام، مطالبين بحقوقهم الوظيفية، ما تسبب في أضرار بالغة بالصادر والوارد والتزامات المصدرين والموردين الخارجية لكونها الجهة المختصة بتنفيذ الإجراءات الصحية والفنية للصادرات الزراعية وواردات السلع والمنتجات الغذائية بالبلاد، ولوح اتحاد الغرف الصناعية السودانية بالدخول في إضراب عن العمل وإيقاف الإنتاج، تنديدا بزيادة الدولار الجمركي من 445 جنيهاً إلى 564 جنيهاً أي بنسبة 26.8%، ولم تكن تلك الإضرابات الأولى ففي مايو 2019 دعا تجمع المهنيين السودانيين إلى إضراب شامل لمدة يومين احتجاجاً على ما يصفونه بتلكؤ المجلس العسكري الانتقالي في تسليم السلطة للمدنيين، وشارك في الإضراب موظفون وأصحاب أعمال في القطاعين العام والخاص، موظفون في مطار الخرطوم، والبنك المركزي، وشركة الكهرباء، والنيابة العامة.