عزمي عبد الرازق يكتب: بعد أن تجاوز “حميدتي” هل سيصبح “أسامة داؤود” وكيل الإمارات الحصري في السودان؟

انخرط رجل الأعمال ورئيس مجلس إدارة مجموعة “دال” أسامة داوود عبد اللطيف مؤخراً في أنشطة اقتصادية، تجاوزت طريقة عمله السابقة في التوسع والتطوير الاستثماري المحلي، وذلك بالبحث عن شركاء من خارج السودان هذه المرة. وملء الفراغ الذي كان يشغله نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، بتحالفه الإستراتيجي مع الإمارات، الذي ظهر تحت الأضواء الكاشفة بعد سقوط نظام الإنقاذ في أبريل 2019، حتى أنه كان بمثابة الوكيل الحصري، أي دقلو، مما أدخله في اصطفاف المحاور، لكن اليوم، وبصورة غير مُعتادة، تقدم أسامة داؤود وتراجع حميدتي، فما هى خلفيات ذلك التكتل الاقتصادي الأخذ في النمو؟
يوم الخميس الماضي أعلنت “مجموعة دال” و”العربية للطيران”، عن مشروع مشترك لإطلاق “العربية السودان”، وهى شركة طيران جديدة تتخذ من مطار الخرطوم الدولي مقراً لها، دون أن تحدد موعد الإطلاق وتفاصيل وأسطول الشركة وخارطة وجهاتها، في بيان مشترك.
العربية السودان سوف تعتمد على خدمات القيمة المضافة ذاتها التي تقدمها مجموعة العربية للطيران، وسيوفر نموذج تسعير التذاكر، لجميع فئات الداخل الاستفادة منه، مما يمكّن المسافرين من التوفير عبر الدفع مقابل الخدمات التي يريدونها فقط، وفقاً لما أوردته صيغة العقد الأولية. فيما وصف الشيخ عبدالله بن محمد آل ثاني، رئيس مجلس إدارة “العربية للطيران” الخطوة بأنها تهدف لاطلاق شركة الطيران الاقتصادي الجديدة في السودان، والمساهمة بشكل مباشر في نمو الاقتصاد المحلي وتطوير قطاع السياحة والسفر. بينما عزى أسامة داوود قرارهم بالشراكة مع العربية إلى التزامهم الدائم بالمساهمة في تحقيق النمو البشري والاقتصادي المستدام في السودان.
وستشغل “العربية السودان” أسطول طائرات من طراز إيرباص A320، وستعتمد الشركة الجديدة على تطبيقات الهاتف المحمول عبر الإنترنت التابعة للعربية للطيران، من خلال توفير تجربة عملاء سريعة بدءاً من شراء التذاكر إلى الوصول في الموعد المحدد إلى وجهة السفر، وسيبدأ في وقت قريب العمل على إصدار شهادة المشغل الجوي التي تسمح للناقلة الجديدة بالشروع بمزاولة عملياتها.
في ديسمبر 2021 أوردت وسائل إعلام محلية معلومات عن نية شركة دال شراء أسهم زين السودان من مجموعة بدر الخرافي الكويتية بقيمة (1.3) مليار دولار، في تطور يحدث في قطاع الاتصالات في السودان لأول مرة منذ عقود، كما وصفه المراقبون، ونقلت وكالة رويترز عن زين قولها إن شركة دال عرضت عبر شركة مملوكة لها متخصصة في التكنولوجيا والاتصالات نحو (1.3) مليار دولار، لشراء أسهم زين السودان من مجموعة بدر الخرافي. لكن عملية الشراء لم تكتمل، وربما تم تأجيلها أو إلغاء الصفقة بالمرة، بيد أنها كشفت عن رغبة أسامة داؤود في الاستحواذ على أكبر شركة اتصالات تعمل في السودان، ليحصل بذلك على أكبر رقعة استثمارية في الأرض والفضاء السوداني، لكن لم تتكشف معلومات عن شريك داؤود الذي سيوفر المبلغ الدولاري، هل هو رجل الأعمال والملياردير السوداني مو إبراهيم، أم أبوظبي؟
في يونيو 2022 رشحت معلومات عن شروع دولة الإمارات العربية في بناء ميناء جديد يطل على ساحل البحر الأحمر في السودان، بمشاركة أسامة داؤود، وقد أثار ذلك الخبر ردود أفعال هائلة في الأوساط السياسية والشعبية، ليس فقط نظراً لوجود الميناء الرئيسي في بورتسودان، ولكن طبيعة تلك الصفقة الغامضة، بين دولة ثرية ورجل أعمال مثير للجدل، قرر فجأة أن يخرج للأضواء ويسوّق لمشروع إستراتيجي، وهو لا يحمل أدنى صفة رسمية.!
ميزانية الميناء الجديد قُدرت بستة مليارات دولار، فضلاً على أن الاستثمار سيحوي منطقة تجارة حرة ومشروعًا زراعيًا ضخمًا، كما سيدخل وديعة سنوية لبنك السودان المركزي تُقدر بما يقارب الـ(300) مليون دولار، وفقاً للخبر الذي أوردته وكالة رويترز. وقد ذكر وزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم، أن الحكومة تدرس بشكل جدي هذا العرض. وقال إن رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان شكّل لجنة خاصة تضم عدداً من الولاة والوزراء والجيش والجمارك وجهات أخرى للنظر في العرض الإماراتي، ببناء ميناء على ساحل البحر الأحمر في منطقة أبو عمامة، على بعد 230 كيلومتراً من ميناء بورتسودان.
لعل ما هو مدهش حقاً أن أسامة داؤود اختار وكالة عالمية للكشف عن المشروع، وتحول الأمر كله إلى سبق صحفي، بينما كانت أمام رجل الأعمال فرصة تاريخية للخروج للشعب السوداني بصحبة وزير المالية والاقتصاد، في مؤتمر صحفي مشهود بالداخل، يكشف فيه عن الدوافع والتفاصيل المهمة لهذه الصفقة، ومن ثم يجيب على الإستفهامات، ويضع النقاط فوق الحروف. وهنا أيضاً يبرز سؤال لماذا أسامة داؤود تحديداً دون غيره من رجال الأعمال؟ ربما تكمن الإجابة في أن هذه الصفقة أقرب إلى عرض استثمار الإمارات لأراضي الفشقة الذي حمله أسامة داؤود نفسه قبل أكثر من عام بنسبة 75% للسودان وإثيوبيا، و 25% للإمارات، ورفضها الجيش حينها، لأنه لم يراعي سيادة السودان على أراضي الفشقة.
الغبار العالق والجدل المحتدم بسبب تلك الصفقة، التي لا يعلم أحد أصلها من فصلها، أخرج الإمارات عن صمتها، حد أن شركة موانئ أبوظبي ذكرت في تعميم صحفي لسوق أبوظبي للأوراق المالية، أن الخبر المتداول في وسائل الإعلام حول إبرامها اتفاقيات للدخول في مشروع مشترك لبناء ميناء في السودان غير صحيح، وأوضحت أنها بصدد مناقشات مبدئية مع الجهات المعنية في السودان، وذلك في ظل سعيها المستمر لدراسة وتقييم مشاريع جديدة، وأكدت بأنها ستقوم بالإفصاح للسوق حال تم الموافقة أو اعتماد أي مشروع واستثمار جديد لها وفق الأنظمة المتبعة. لكن موانئ أبوظبي في هذا التعميم أكدت الخبر حين أرادت نفيه، وأبانت كيف أن الصفقة بالفعل دخلت مرحلة المشاورات، لدرجة تحديد الميزانية، والشريك والمقاول أيضاً، وبالتالي فإن النفي يتعلق بإجراءات إدارية خاصة بسوق أبوظبي للأوراق المالية المعني بالأسهم، وهى مسألة وقت لا أكثر، لأن توقيع العقود يلزمهم بالإفصاح، تجنباً للغرامات المالية، والملاحظة الجديرة بالإلتقاط كذلك، أن الإمارات لم تنف وإنما جاء النفي من الشركة، وهذا يعني أن الصفقة برمتها حقيقية وتتحرك في ظلال من السرية التامة.
في مايو من العام الجاري ظهر أسامة داؤود بصحبة رئيس مجلس الوزراء السابق الدكتور عبد الله حمدوك في عزاء الشيخ خليفة بن زايد في أبوظبي، وهو يرتدي قميص كتاني نصف كم، تغطي نصف وجهه كمامة بسبب إجراءات كورونا، كما أن وجود حمدوك إلى جانبه ليس من قبيل الصدفة، وإنما تجمع الرجلين صداقة، عبرت عن نفسها مؤخراً، وأخذت منحى سياسياً عقب مشاركة أسامة داؤود في تمويل اعتصام القيادة الذي أطاح نظام البشير، والراجح أنهما وصلا بطائرة واحدة لتقديم واجب العزاء، بشكل يوحي كذلك، بأن حمدوك حاضر ضمنياً في تلك الشراكة، وداعم لها، ولعل ذهابه إلى الإمارات بعد استقالته من منصبه عقب إجراءات 25 أكتوبر، تعني أنه الأقرب لمنصب المستشار في المشروعات المُقترحة، رغم أن الإمارات لم تدعم حكومة حمدوك بالطريقة التي دعمت بها حكومة عبد الفتاح السيسي في مصر، مع الفارق بالطبع، مما تسبب في حالة من الاختناق الاقتصادي عانى منه السودانيين، طوال سنوات الفترة الانتقالية التي تكابد إلى اليوم، وربما يمكن تفسير ذلك إلى أن الإمارات تريد أن تتبنى شراكات اقتصادية مع رجل أعمال تثق فيه، ولا يخرج عن طوعها، دون أن ترمي كل أموالها على حكومة برافعة سياسية مُعقدة، لا تعرف كيف تتعامل معها، وهنا نجح أسامة داؤود في شراء العرض الإماراتي بسعر الولاء المطلق تقريبًا، أو بثمن آخر غير مُعلن، ليصبح هو الوكيل الحصري للإمارات في السودان عوض الفريق دقلو، وإن كان الأمر أيضاً تُخالطه دوافع سياسية، من هنا أو من هنالك، فبهذه القوة الاقتصادية الهائلة يستطيع أسامة داؤود أن يخضع أي حكومة سودانية، ويرغمها على فعل ما يريد.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...