ابراهيم احمد الحسن يكتب: محايات نووية .. صناعة فكي عبده
العالم مهدد بحرب نووية ، كان هذا محور حديث عبدالمعين لمجموعة من اصدقائه وقد جلسوا غير بعيد من شجرة الحراز الضخمة في طرف الحي العريق . نهاية فصل الخريف واشتات نسائم من فصل الشتاء تلوح في الافق ، فصل الشتاء لا يحمل معه عند عبدالمعين ورهطه معانٍ أُخر فلا ملابس شتوية يحتاجون ولا برد عاصف يغشى ديارهم ، بل بضع هبات رياح وشي من هواء امشير بزوبعاته واعاصيره، وصفات متعكرة في شهر التقويم الاشهر بما له وعليه.
جلس عبدالمعين واصدقائه يتداولون في امر الحرب النووية القادمة وصار كلٍ منهم يستعرض ثقافته ومعلومات اكتسبوها من نشرات الاخبار والتقارير الاخبارية المبتورة والتي تقدم المعلومة ناقصة لا تشفي الغليل ولا تسد الرمق او تروي عطش التوق الي المعرفة . التقط عبد المعين طرف الحديث ليقول لهم ان علاج الاشعاع النووي الذي تنفث سمه الاسلحة النووية وتملأ به الفضاء العريض لا علاج له سوى تناول حبوب اليود . أي يود ؟ انبرى احد اصدقاء عبدالمعين متسائلاً . اليود الذي نستعمله لمداواة الجروح ويصبغ المنطقة حول الجرح بلون البنفسج الفاقع ، ام يود آخر ؟ ضحك عبدالمعين وهو يتخيل صديقه وقد تناول ملعقة من محلول اليود الذي يداوي الجروح وقد علقت باطراف فمه بقايا المحلول وصبغت خيال شاربه النابت تواً باللون البنفسج فصار شكله وهو بشنب كث من صبغة اليود مضحكاً . لا ، ابدا ليس ذلك النوع من اليود اعني الا اذا كنت تريد الانتحار ، فهذا المحلول من اليود تم اعداده للاستخدام الخارجي ولا يتم شرابه لان اثاره الجانبية وهو علي هذه الحالة او الهيئة لا يفعل شئ سوى انه يأخذ من يتناوله رأساً الي المقابر القريبة دون حوجة لاي سلاح نووي . كيف تداوي وتعالج حبوب اليود التسرب الاشعاعي النووي ؟ وما ينبئك مثل خبير انبرى عبدالمعين للاجابة : الم تسمع بالشاعر الذي قال داوني بالتي هي الداء فاليود هنا داء ودواء . كيف ذلك سؤال جاء عبدالمعين طائراً من مُنْصتٍ باهتمام . اجاب عبدالمعين اليود داء كونه هو ذاته مشع بمعنى ان اليود المشع واحد من كثير من المواد التي ينشرها اي حادث نووي سواء كان ذلك تسريباً من مفاعل او بفعل حربٍ نووية تتقاتل فيها الافيال وتموت تحتها
الحشائش .فاليود المشع يحمل نظائر بالارقام ١٣١ و ١٣٢ وتتسبب هذه النظائر وحال تعرض الجسم لها في اضرار بالغة تؤثر علي الغدة الدرقية للانسان ،نعم الغدة الدرقية تحديداً وبقية اجزاء الجسم بصورة عامة.لكي نعرف العلاقة والصلة بين تلك الحبوب والتسرب الإشعاعي النووي يقول عبدالمعين يجب ان نستمع للعلماء والخبراء الذين يقولون إن اليود المشع هو أحد المواد الأساسية التي تنتشر بعد أي حادث نووي،. وهذا الإسقاط الإشعاعي المرتفع والمركز يتسبب حتماً في أمراض الغدة الدرقية وعلى رأسها السرطان . يتساءل صديق عبدالمعين بعد ان ازاح طاقيته الي الوراء في قلق بائن . وكيف يستطيع الانسان وقاية نفسه من هذا السرطان القاتل ؟ ، سرطان الغدة الدرقية يقول عبدالمعين مجاوباً علي السؤال الخطير والذي اخذ تفاصيل معلوماته من مصادر عدة: يُعتقد انه اذا تناول الانسان اليود الطبيعي في شكل اقراص محضرة طبياً وتباع في الصيدليات فان ذلك يشكل له وقاية جيدة من اثر الاشعاع النووي ، لان في هذا اليود الطبي عناصر معادلة للعناصر المضرة في اليود المشع ، ففي حالة تعرض الانسان لليود المشع فإن اليود المفيد يمنع تراكم اليود المشع في الغدة الدرقية ومن ثم يتجمع ويتم طرحه مع البول . ولكن وهذا هو المهم تعتمد فعالية العلاج بحبوب اليود اتقاءً للإشعاع النووي تعتمد علي كمية الاشعاع وزمن تناول هذه الاقراص.
اقراص اليود يستطرد عبدالمعين ربما يكون لها فوائد اخرى ويقول الاطباء ان هذه الاقراص تساعد الغدة الدرقية وتنشطها لانتاج هرمونات المناط بهذه الغدة انتاجها بصورة طبيعية وسلسة مما يقيها شرور الاشعاع وأثاره المدمرة . اذاً هناك امل في العلاج يقول صديق عبدالمعين متنفساً الصُعداء ، ليس تماما يرد عبدالمعين فعلى سبيل المثال لا تجدي اقراص اليود فتيلاً اذا كان الاشعاع قوياً فان ابتلاع اقراص اليود لن يفيد بل قد يتسبب في اعراض وخيمة تحيق بالغدة الدرقية جراء تناوله وذلك في حال وجود اشعاع نووى قوي . سأل احد الاصدقاء عبدالمعين ، لقد سمعنا ان اقراص اليود قد نفذت من الصيدليات العالمية حال التلويح باستخدام الاسلحة النووية. ثم وهذا هو المهم هل نقع نحن كجغرافيا في نطاق ومدى الاسلحة المتصارعة ونموت سمبلة او كحشائش صراع الافيال أم ان بعدنا الجغرافي قد يجعلنا في مأمن من شرور هذه الاسلحة ؟ اجاب عبدالمعين ليس هناك بقعة جغرافية نستطيع ان تقول انها في مأمن حال نشوب حرب نووية فان عوامل كثيرة تساعد في انتشار وتمدد الاشعاعات الناجمة من الاسلحة النووية مثل الهواء وسرعة انتقال الرياح وغيرها من العوامل . يقول صديق عبدالمعين معلقاً طالما الحبوب نفذت عالمياً فلا سبيل آخر سوى التفكير في الطب البديل فسوف اتصل بشقيقي الصيدلي ليعاونني في انشاء صيدلية للمداوة بالاعشاب الطبيعية وسوف ابحث عن اليود في نباتات الحرجل والقرض والمحريب والطندب والعرديب والقنقليز والشبت واوراق العفوص وصفق النيم وعيدان الملوخية وقشور البرتقال وسيقان الذرة وثمار الجنزبيل والغرنجال والدوم وفي لحى الأشجار (كتبتو) .. وأنقب في صُم حجارة العطرون وفي الشيح وبخور التيمان وعسل النحل والصمغ . اما عبدالمعين فقد قال لرهطه: اما انا فسوف افتح محل للتطبيب من آثار الاشعاعات النووية وذلك ببيع محايات اليود لتمسح بها الغدة الدرقية من الخارج واسمي هذا المحل : الفكي عبده للتداوي بالمحايات من خطر الاشعاع النووي وقد اضيف منتجات ومحايات اخرى تعالج البهق وتساقط الشعر وتفتح الشهية . وكلها من مشتقات صبغة اليود وفي جوار المحل سافتح محل آخر ابيع فيه السمك والذي يتوفر فيه اليود الطبيعي ثم طاحونة لبيع الملح الغني باليود ثم اقوم بتصدير محايات اليود المحلي الي كافة ارجاء العالم وبالتالي اساهم في اقالة عثرة اقتصاد بلادي .وعليه تصبح مصائب قوم افيال الصراع النووي فوائد لنا .
في هذه اللحظة يسمع دوي لانفجار قوي ينفض سامر القوم ويلتمس كل من اصدقاء عبدالمعين منجى وملجأ يختبئ فيه ، الا عبدالمعين فقد وجد نفسه وحده امام صديق واحد. الصديق كان يعلم ان هذا الانفجار هو لإطار شاحنة كانت تمر بثقل حملها علي شارع الاسفلت القريب ، أما عبدالمعين فما كان يأبه للانفجار تقليدياً كان ام نووياً فالموت عنده واحد ومن لم يمت بالاشعاع النووي مات بغيره . وعندما رأى اصحابه يهربون في كل الاتجاهات صاح الصديق في وجه عبدالمعين ضاحكاً : فكي عبده مافي حتى محاية واحدة بيها نصبر هؤلاء الشباب شوية والوعد بيناتنا انك كل يوم (تكتب) اليَّ؟ ويرد عبدالمعين بسخرية وهو يضحك وين محاياتك وين ( كتاباتك) اليَّ ؟.