سد النهضة.. تحركات مصرية “لكسر الجمود”
جددت مصر مؤخرًا دعوتها لاستئناف المفاوضات مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، الذي أثار جدلا بين إثيوبيا ودول المصب مصر والسودان، حيث توقفت المحادثات منذ أكثر من عام ونصف.
مشاورات مكثفة.. العودة من جديد
فيما أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال لقائه وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 سبتمبر، على ضرورة استئناف المفاوضات الثلاثية بشأن سد النهضة بأسرع ما يمكن. بهدف التوصل إلى اتفاق قانوني وملزم لملء السد وتشغيله بما يخدم مصالح جميع الأطراف ويحافظ على حقوق مصر في مياه النيل.
في ذات الإطار تناولت المشاورات بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي زار القاهرة، مؤخرا، قادما من نيويورك، عقب المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. تطورات ملف سد النهضة، حيث جرى التوافق حول استمرار التشاور المكثف والتنسيق المتبادل في هذا السياق خلال الفترة المقبلة لما فيه المصلحة المشتركة للبلدين.
وفي لقاء آخر مع المبعوث الأممي الخاص للقرن الأفريقي حنا تيتيه في القاهرة في 12 سبتمبر، حذر شكري من الوضع الراهن بشأن السد المتنازع عليه، قائلا إنه عامل عدم استقرار يهدد مصالح شعوب المنطقة.
تحركات أحادية.. الملء الثالث يعمق الازمة
في الثاني عشر من أغسطس الماضي، أعلنت إثيوبيا اكتمال الملء الثالث لخزان سد النهضة بـ 22 مليار متر مكعب من المياه. وعمقت الخطوة الأزمة مع مصر والسودان اللتين تواصلان رفض أي تحرك أحادي دون التوصل إلى اتفاق بشأن السد.
وكانت مصر قد قدمت في أواخر شهر يوليو الماضي رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، أعربت فيها عن رفضها القاطع لخطط إثيوبيا لمواصلة ملء السد من جانب واحد خلال موسم الأمطار منذ يوليو 2020، في ظل عدم وجود اتفاق ينظم ملء وتشغيل السد.
مخاوف وتحذيرات.. شبح الصراع العسكري
دخلت مصر والسودان وإثيوبيا في نزاع مرير منذ عقد من الزمان بشأن سد النهضة، وسط مخاوف في القاهرة والخرطوم من أن يتسبب السد في تقليص إمداداتها المائية من نهر النيل. ومع ذلك، وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود وسط مخاوف متزايدة من اندلاع صراع عسكري في المنطقة المضطربة بالفعل.
من جانبه قال ديفيد شين، السفير الأمريكي السابق لدى إثيوبيا، لموقع “المونيتور” الإخباري الذي يتخذ من واشنطن مقرا له “إنه لم يحدث صدام حتى الآن بين دول المصب وإثيوبيا لأن ملء خزان السد على مدى ثلاث سنوات تزامن مع هطول أمطار موسمية غزيرة، وبالتالي لم تتضرر مصر والسودان”.
ويرى الدبلوماسي الأمريكي إنه “ما دامت الأمطار طبيعية أو أفضل من المعتاد في حوض النيل، فلا ضرر على دول المصب خلال عمليات التعبئة المستقبلية للخزان. معتبرا إنه في هذه الحالة، سيكون من الجيد أن يكون هناك تفاهم بين البلدان الثلاثة، لكنه ليس ضروريًا “.
وكانت إثيوبيا قد أعلنت في 19 يوليو 2021 ، أنها انتهت من ملء خزان السد للعام الثاني على التوالي، بطاقة 13.5 مليار متر مكعب من المياه، يضاف إليها 4.9 مليار متر مكعب من المياه. تم التخزين خلال مرحلة الملء الأولى في يوليو 2020. ورفضت مصر والسودان هذه الخطوات أحادية الجانب في غياب اتفاق.
في فبراير، أعلنت إثيوبيا أيضًا عن التشغيل الجزئي للسد من خلال توليد الكهرباء المحدود لأول مرة، وهي خطوة استنكرتها دولتا المصب أيضًا واعتبرتها انتهاكًا لإعلان المبادئ الذي وقعته الدول الثلاث في عام 2015 ، والذي نص على عدم اتخاذ اي منها لإجراءات أحادية الجانب فيما يتعلق باستخدام مياه النيل.
ومع ذلك، قلل شين من فرضية حدوث أزمة معتبرا أنها لم تبلغ ذروتها بعد. ويرى أنه قد تحدث مشكلة في حال حدث شح للمياه لعدة سنوات متتالية، كما حدث في منتصف الثمانينيات. وأضاف “بعد ذلك سيكون من المهم التوصل إلى نوع من الاتفاق أو التفاهم بين إثيوبيا ومصر والسودان بشأن كمية المياه التي تطلقها إثيوبيا من الخزان “.
رفض إثيوبي.. البحث عن آلية بالقانون
على مدى سنوات، فشلت مصر والسودان في إقناع إثيوبيا بالموافقة على اتفاقية قانونية تنظم عملية ملء السد وتشغيله خلال سنوات الجفاف، كما تطالب الدول بآلية فعالة وملزمة لتسوية النزاعات المستقبلية، بينما تصر إثيوبيا على اتفاق يتضمن مبادئ توجيهية غير ملزمة.
وبحسب “المونيتور” فقد فشلت جهود الاتحاد الإفريقي منذ يونيو 2020 للتوسط في اتفاق من أجل إنهاء الجمود بين الدول الثلاث. حيث عقدت الجولة الأخيرة من المفاوضات حول سد النهضة في كينشاسا في إبريل 2021 ، لكنها لم تصل إلى اتفاق بشأن استئناف المفاوضات مع اتهام كل جانب للطرف الآخر بعرقلة المحادثات.
أعربت الدول الثلاث مرارا عن عزمها استئناف المفاوضات في محاولة لتسوية النزاع، ولكن لم تكن هناك إرادة سياسية كافية على ما يبدو للتغلب على الخلافات والعودة إلى طاولة المفاوضات، وفقًاللتقرير. كما نشطت الإمارات دبلوماسيا لتسوية الخلاف. حيث تقيم أبوظبي علاقات وثيقة مع الدول الثلاث.
في غضون ذلك، تراجعت المساعي الدولية لتسوية الخلاف بشكل ملحوظ، في ظل انشغال الغرب بالحرب الروسية على أوكرانيا. إلا أن التصريحات الدبلوماسية المتبادلة بين مصر وإثيوبيا تشير إلى أن الصراع قد ينفجر في أي لحظة، وقد يكون له تداعيات على المنطقة بأسرها.
فيما قال ريكاردو فابياني، مدير البرامج في شمال إفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية، لـ “المونيتور” إنه “لم نشهد بعد أي تقدم كبير في استئناف المفاوضات أو إعادة بناء الثقة بين الأطراف المعنية. لافتا إلى أن “مصر محبطة من عدم إحراز تقدم في هذا الملف وتحاول جذب اهتمام المجتمع الدولي بهذا الخلاف”.
جهود أممية.. الدخول إلى مجلس الأمن
في صيف عام 2021، تمكنت القاهرة والخرطوم من إدراج نزاع سد النهضة إلى جدول أعمال مجلس الأمن الدولي للمرة الثانية، على الرغم من رفض إثيوبيا. دعا المجلس في ذلك الوقت، الدول الثلاث إلى العمل تحت رعاية الاتحاد الإفريقي بشأن القضايا العالقة. ومنذ ذلك الحين، يسعى الاتحاد الإفريقي إلى استئناف المفاوضات، لكن دون جدوى.
ويرى فابياني أنه “من الصعب تخيل كيف يمكن لمصر والسودان حاليا إيقاف إثيوبيا، بالنظر إلى مدى تقدم أعمال البناء. “لكن هذا لا يعني أن سد النهضة حقيقة واقعة”.
وأشار إلى أن الضغط الدولي على أديس أبابا لا يزال قويا للغاية، والمضي قدما دون تقديم أي تنازلات للقاهرة والخرطوم قد يكون مكلفا للغاية من الناحية الدبلوماسية بالنسبة لإثيوبيا.
دعم أمريكي.. واشنطون تنحاز للقاهرة
في ذات السياق، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أعرب خلال اجتماع مشترك مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في يوليو الماضي، عن دعم واشنطن للأمن المائي لمصر، وشدد على أهمية اتخاذ قرار دبلوماسي يحقق مصالح جميع الأطراف المشاركة في سد النهضة.
من جانبها تعتقد إثيوبيا وفقًا للتقرير أن سد النهضة، الذي يعتبر أكبر سد في إفريقيا، والذي اكتمل تشييده بنسبة 80٪ بتكلفة 5 مليارات دولار، مهم لتطورها الاقتصادي ولتوفير الطاقة. ومع ذلك، تعتبر مصر السد تهديدًا خطيرًا لإمداداتها من مياه النيل، والتي تعتمد عليها بالكامل تقريبًا لتلبية احتياجاتها من المياه العذبة.
فيما، يسعى السودان الذي يستفيد من السد في تنظيم مياه النيل الأزرق الى جانب الكهرباء المولدة منه، يسعى إلى ضمانات بشأن تشغيله بشكل آمن ومناسب حفاظًا على سدوده، خاصة خزان الروصيرص، أكبر السدود السودانية.
ويعتقد الدبلوماسي الأمريكي أن الفرصة سانحة حاليا لاستئناف المفاوضات ويجب على الدول الثلاث استغلالها، معتبرا أن التهديد الذي يمثله النزاع في حد ذاته أقل إلحاحا من ذي قبل، نظرًا للتأثير المحدود المسجل حتى الآن على الأمن المائي لمصر والسودان ورد فعلهما الخافت نسبيًا تجاه الملء الثالث للخزان. لذا فإن هذه الفرصة السانحة للمفاوضات لن تدوم إلى الأبد ويجب استخدامها لاستئناف محادثات مجدية “.
ومع ذلك، لا يرى شين عودة مبكرة للمفاوضات. وعزا ذلك لانشغال “إثيوبيا والسودان بقضاياهما الداخلية”. فالسودان يعاني من عدم استقرار سياسي، وفي إثيوبيا، يواجه رئيس الوزراء آبي أحمد أزمة داخلية عميقة في ظل حرب تيغراي التي تشكل تهديدًا لبقاء نظامه، وفقًا للتقرير.
سابقة خطيرة.. سياسات المياه الإقليمية على المحك
من جانبه حذر مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأمريكي “ستراتفور” من تداعيات الإجراءات الأحادية التي تقوم بها إثيوبيا، معتبرا ان ملء إثيوبيا، أحادي الجانب، لخزان السد سيؤدي إلى تفاقم ندرة المياه في مصر والسودان، مما يهدد بوضع سابقة خطيرة لسياسات المياه الإقليمية إذا لم تستأنف الدول الثلاث المفاوضات. مشيرا إلى أن إثيوبيا أكملت ملء سد النهضة الإثيوبي للمرة الثالثة في أوائل أغسطس، متجاهلة اعتراضات مصر والسودان القاطعة على زيادة كمية المياه في خزان السد إلى ما يقرب من ثلث طاقته الإجمالية البالغة 74 مليار متر مكعب. ويقرّب هذا الملء إثيوبيا من هدفها المشاع بالوصول إلى السعة الكاملة للخزان بحلول عام 2027، وهو أحدث جولة من العمل الأحادي في نزاع دام عقدًا من الزمن. يقع سد النهضة في مرتفعات منطقة بني شنقول-جوموز في شمال غرب إثيوبيا ، وستعمل عمليات الملء السنوية والعمليات الجارية لسد النهضة على تغيير تدفق نهر النيل، الذي يحتوي على أكثر من 85 ٪ من المياه التي تمر عبر السودان ومصر.