الطاهر ساتي يكتب: وكذلك الاستقبال..!!
:: بالأمس، عند مراجعة بروفايل أعده القسم السياسي بمهنية عالية تحت عنوان: (طاهر أيلا – رسائل العودة الجهيرة)، لقراءة ما وراء العودة بعيون وعقول مختلفة، استوقفتني إفادة الأستاذ أحمد موسى عمر لأسباب كثيرة، منها معرفتي بحجم الوعي السياسي الذي يتمتع به عمر، وكذلك لاستقلالياته، ولوقوفه دائماً على مسافة واحدة من كل مكونات الشرق بلا عصبية، ثم الإفادة في حد ذاتها جديرة بالوقوف عندها..!!
:: يقول أحمد عمر، محللاً العودة الجهيرة والاستقبال العريض، بالنص: (عودة أيلا علامة فارقة في المشهد السياسي القومي، ومحاولة حصره شرقاً تغبيش لتأثير عودته، وهذا الاستقبال الجهير وغير المسبوق رسالة واضحة بأن للشرق خصوصية لا تهتم بما خطته قوى الحرية بحبرها على صحائفها الخاصة، فالشرق لا ينظر لانتماءات قياداته، بقدر ما ينظر لعطاء تلك القيادات)..!!
:: وفي تقديري، تلك قراءة صادقة لحدث لن يكون عابراً.. ولكن ليس فقط شرق السودان، بل كل أقاليم السودان لم تعد تنظر لأحزاب قياداتها، ولم تعد تهتم بانتماءاتهم السياسية والفكرية، بقدر ما تنظر لما قدموه من عطاء ومواقف منحازة لقضاياهم.. فالخصوصية التي نسبها أحمد عمر للشرق، لم تعد للشرق فقط، بل لكل أقاليم السودان معايير خاصة لتقييم رموزها السياسية، وهي تختلف تماماً عن معايير نخب الخرطوم.. كل نخب الخرطوم، وليست فقط (شُلة أوزون)..!!
:: بمعنى، اختلف مع أحمد عمر في اختزاله للصحائف الخاصة – والتي لم تعد تصلح لنيل قبول الأقاليم – في نخب وبرامج ومشاريع ومعايير قوى الحربة والتغيير.. نعم، اختزال التمرد على الصحائف في الشرق وقوى الحرية (اختزال مخل)، فالتمرد الراهن تمرد على كل صحائف نخب الخرطوم، وقد شمل كل أقاليم السودان.. فالاستقبال الهادر الذي وجده أيلا بالأمس، سيجده كل من غرس – ويغرس – شجرة يستظل بها أهله، أو هذا هو معنى العطاء..!!
:: على سبيل المثال، لو خرج أحمد هارون من سجون الخرطوم وغادر إلى الأبيض، لن تسع أرض كردفان المستقبلين هناك، وما يحدث في ملاعب كردفان مؤشر لذلك، لأن لكردفان معايير خاصة لتقييم رموزها السياسية، وهي ليست معايير (أنت كوز، أنت شيوعي)، وغيره من ترف نخب الظل.. وبالتأكيد، ليس كل الساسة (أيلا)، ولا كل الولاة (هارون)، ولكن كل من غرس شجرة ليأكل أهله من ثمارها، لن يجد غير هذا الاستقبال الفصيح..!!
:: ليس الشرق فحسب، بل كل أقاليم السودان، تحررت من قيود نخب الخرطوم وأكاذيب أحزابها، وذلك بالانحياز لمن يعطيها، وليس لمن يتاجر بها.. وطاهر أيلا الذي يستقبلونه بالسيول البشرية، لم يكن يذهب إلى البحر الأحمر مُحملاً بمال قارون وذهب المعز، ولا متأبطاً عصا موسى، ولا بالشعارات الكذوبة، ولكنه كان يذهب إلى تلك الديار مثقلاً بقضايا أهلها، ولذلك نجح في كسب قلوبهم.. كسب قلوبهم، حتى ولو لم ينجح في تحقيق كل آمالهم.. فالأعمال بالنيات، وكذلك الاستقبال..!!