كيف انتهت أخطر أزمات العراق بلمح البصر؟
فاز عبد اللطيف رشيد بمنصب الرئيس في العراق، بعد تسوية صادمة بين زعيم الحزب «الديمقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني، ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي يبدو أنه لا يزال يحتفظ بقدرة صلبة على المناورة.
السؤال الذي يطرحه القلقون من هذا الاتفاق، بوصفه ضامناً أكبر للنفوذ الإيراني، هو: لماذا لم يتمكن التيار الصدري بمقاعده السبعين من إقناع الكرد، قبل شهور، بالتوافق على مرشح ما؟ ولماذا لم يكن مقتدى الصدر، وليس المالكي، هو الطرف الثاني على الطاولة أمام بارزاني؟
أحد من الذين طرحوا هذه الأسئلة، هو مايكل نايتس، الباحث في معهد واشنطن، الذي كتب على «تويتر»، بعد ساعات قليلة من جلسة الخميس: «ماذا لو تمكن الصدر من إنجاز هذه الوساطة، بين الحزبين الكرديين؟».
في الحقيقة، لا تبدو المقارنة واقعية لأسباب كثيرة. فالتيار الصدري حوصر بالممانعة الإيرانية ومخاوف حلفائها على نفوذهم، فيما ارتكب هو نفسه تكتيكات متقلبة وخطوات ارتجالية، دفعته أخيراً إلى الانسحاب من العملية السياسية.
ونتيجة لهذه الظروف، ثمة شعور عام بالإنهاك. فالقوى السياسية العراقية، القريبة والبعيدة عن الصدر، كانت طوال شهور لا تعرف شكل التسوية المطلوبة لإنهاء الشلل وتشكيل الحكومة، وهي عالقة في فضاء سياسي محكوم بالعداوة الشخصية بين الفاعلين.
وما إن تحققت هذه التسوية، متمثلة بجلسة سهلة الانعقاد، يسيرة النصاب، كان الجميع يترقب موقفاً ما من زعيم التيارالصدري. لكن شيئاً لم يحدث على الإطلاق. فلماذا مضت التسوية بهذه البساطة؟ بساطة أن يعود الإطار التنسيقي «منتصراً» في معركة طويلة وشاقة.
عدا الإنهاك، فإن الفاعل الإقليمي ضغط كثيراً لحسم أمر الحكومة. فالإيرانيون دفعوا باتجاه تشكيلها بصلاحيات كاملة ولدورة كاملة، بإغفال شرط الصدر في إجراء انتخابات مبكرة. كذلك الأميركيون الذين سئموا من «عراق عالق»، كما يصفه دبلوماسي غربي لـ«الشرق الأوسط»، بينما كان النواب العراقيون ينتخبون الرئيس الجديد، عبد اللطيف رشيد.
والحال، أن كل شروط الصدر اختفت من معادلة تشكيل الحكومة، وبات طريق المكلف محمد شياع السوداني معبداً، باستثناء عوائق التفاوض التقليدية، أي حصص المشاركين في الحكومة وتوازن النفوذ بينهم.
ولا يزال «اختفاء» الصدر من المشهد يثير التكهنات. ويقول قيادي صدري، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن «هذه الصيغة التي تحققت الخميس، هي أفضل ما بيد الجميع (…) ومشروع التيار لم يصادف ظروفاً وعوامل لنجاحه».
وتتحفظ مكاتب الأحزاب الشيعية على تفسير ما حدث مع الصدر، وهذا التحفظ شجع مراقبين على التدقيق في مسار الأحداث، بحثاً عن تسوية بين الصدر من جهة، والإطار وإيران من جهة أخرى.
ومن الصعب التحقق من تسوية كهذه، على غرار الصفقة التي حسمت الأزمة بين المالكي وبارزاني، لكن مهمة المكلف محمد شياع السوداني، وخريطة الوزارات والأحزاب التي ستوزع عليها الحقائب، ستكشف ما إذا كانت هناك بالفعل صفقة مع الصدر، أم لا.
لكن، أين تدخل الإيرانيون في صفقة انتخاب الرئيس؟
تقول المصادر إن المالكي قرر الانقلاب على زعيم «الاتحاد الوطني الكردستاني» بالتخلي عن مرشحه برهم صالح. وكان محيط المالكي يردد خلال الأيام التي سبقت الجلسة، أنه «من غير المعقول أن يبقى الإطار رهينة لمعارك كسر الإرادة بين الحزبين الكرديين».
في المقابل، سربت مصادر كردية معلومات عن تدخل إيراني مكثف طيلة يوم الأربعاء، للضغط على «الاتحاد الوطني الكردستاني» بالمرشح عبد اللطيف رشيد، وفي حينه، كان الاتحاد منقسماً بشأن «جدوى الاستمرار في دعم صالح».
صحيفة الشرق الاوسط