الشباب و العمل.. ترك الوظيفة والبحث عن الأعمال الحرفية!
شدة وصعوبة لا زالت تواجه قبيلة الموظفين؛ خاصة من شريحة الشباب في البلاد، و هذا نتيجة للتغيرات التي طرأت على الساحة السياسية والاقتصادية معاً مما تصاعد على إثرها معدل التضخم الذي أثر على حياة الموظفين بصورة مباشرة، على مستوى تردي أوضاعهم الاقتصادية أكثر من غيرهم، ونجد أن في الآونة الأخيرة ظهرت هجرة الشباب من الوظيفة تاركين بعدها ومركزها الاجتماعي لقلة ما يتقاضون من راتب شهري، ولجأوا إلى العمل الحرفي والتجارة من أجل الحفاظ على الحق في الحياة الكريمة، خاصة أن الوظيفة أصبحت لا تساعد في تحقيق ما ينشده ويطمح لتحقيقه الشباب نحو مستقبلهم، طالما في حوزتهم شهادات من الدرجات العلمية التي يبحثون بها عن فرص عمل أفضل في غير موطنهم، ووفقاً لارتفاع أعداد الخريجين سنوياً؛ ربما تكمن الصدمة في عدم قدرة الحكومة لتهيئة سوق العمل المناسبة لشريحة الشباب، وتعتبر هذه إحدى أكبر التحديات التي تواجه الدولة منذ وقت مبكر وإلى الآن، ولعل هذا ما دعا إلى فرض بعض التساؤلات، ولنرى كيف تمت الإجابة عليها، لماذا الوظيفة أصبحت طاردة للشباب، هل ما زال الشباب يطمح ويتطلع إلى مستقبل أفضل في ظل هذا التحول من الوظيفة إلى الأعمال الأخرى؟، ما الذي ينبغي على الدولة فعله لمعالجة هذا التحدي الماثل في ظل الاضطراب السياسي والاقتصادي الذي يعكسه الواقع..؟
الرعاية الاجتماعية
يقول أحد الشباب محمد سيد، وهو موظف عام، إن الوظيفة لا تلبي طموحات الشباب وآمالهم خاصة مع التضخم و انهيار العملة وضعف المرتبات، منوهاً إلى صعوبة تلبية رغبات الشباب في ظل ذلك، مشيراً إلى تحقيق ذلك بعد الهجرة إلى الخارج، لذلك نجد معظم الشباب هاجروا والغالبية يتطلعون للهجرة، وأكد أن رتابة العمل الوظيفي وغياب التفكير الإبداعي وتسلط الإدارات وضغطهم على الموظفين، وبرر في ظل هذه السياسات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة من الصعب تأسيس عمل تجاري، نسبة للارتفاع المتصاعد للأسعار والجبايات التي تتضاعف على كاهل أصحاب الأعمال، ويرى في حديثه ل(اليوم التالي) أنه لابد من تطبيق نموذج دولة الرعاية الاجتماعية التي توفر الدعم للمواطن وتحسين المرتبات بحيث تكون متقاربة للمتطلبات وسوق العمل، ويعتبر أن دور الدولة ليس فقط توفير وظائف للشباب، بل العمل على تهيئة بيئة العمل والتدريب والتأهيل حتى لا تكون الوظيفة طاردة، ونادى بضرورة تحسين الأجور والتأمين الصحي ضد إصابات العمل؛ حتى يتمكن الموظف من أداء عمله في جو معافى.
التجديد والتطوير
فيما ترى الباحثة الاجتماعية، سمية البصير، أن تحول الشباب من الوظيفة إلى العمل الحرفي أو التجارة هذه ليست في الأصل من ضمن أهدافهم أو طموحاتهم نسبة لكونهم نهلوا من العلم وتحصلوا على الدرجات العليا من التعليم، وتعتقد أن هؤلاء هدفهم تسخير علمهم وخبراتهم وإمكاناتهم في التجديد والتطوير كل حسب مجاله وتخصصه، وتابعت عبر حديثها ل(اليوم التالي) إن الوظيفة أصبحت لا تحقق الطموح المادي أو الخبرة و هذا النموذج للأسف راهن العمل في السودان، وأضافت.. لذلك هرب الشباب وغيرهم تاركين الوظيفة لأنها مضيعة للزمن ومن دون جدوى، وبالتالي أصبح همهم البحث عن أي عمل يوفر لهم المستوى العادي جداً للعيش.
دولة المؤسسات
وقالت: لو وجدت دولة مؤسسات سيتغير الوضع؛ لأن الدولة تحتاج لكل صاحب خبرة بالتركيز على التدريب المهني في كافة المجالات، حتى يصبحوا فاعلين في مجالات التنمية، متمنية عودة دولة المؤسسات حتى لا نفقد ما تبقى لنا من دولة، وشددت على ضرورة التركيز في المجالات التي حددتها بحسب قولها، وهي جودة التعليم و التدريب المهني والحرف، بجانب التركيز على المجال الزراعي بشقيه وما يحتوي من غابات وري ومراعٍ، بالإضافة إلى التصنيع وإيقاف تصدير المواد الخام لتصدر منتجات، وأشارت إلى أن تحقيق هذه الأهداف؛ على الدولة أن تركز كل الجهود وبنود الصرف عليها.
فرصة للإبداع
وناشدت د. سامية بالعمل على تلك الأهداف، وبالتالي يمكن بعدها نكون قد أوصدنا الباب في وجه التسول والبطالة، ونضمن لكل الشباب الحائزين على شهادات علمية وصقلوها بالتدريب في مجالات العمل سيجدون فرصة للإبداع، وبالتالي يفيدون بلدهم وكل من ترك السودان بحثاً عن العيش الكريم سيعود ليفيد بخبراته، وتعتقد بأن الشباب السوداني يستطيع أن يجعل من دولته مثالاً لكل الدول التي خاضت حروب أهلية ودمرتها، وأكدت فقط السودان يحتاج لحكومة وطنية مستقلة ذات كفاءات تعمل من أجل البلد وتعمل من أجل استقراره.
أسباب عديدة
قالت المختصة الاجتماعية، ثريا إبراهيم، إن الشباب لم يلجأوا إلى الوظيفة أو الاستمرار فيها كثيراً، وأرجعت الأمر لأسباب عديدة منها: الأجر غير المرضي، خاصة في الخدمة المدنية وخصوصاً حتى تاريخه المرتبات ضعيفة جداً، وتفتكر أنها لحد كبير يمكن أن تؤثر على الشباب، الموظف أن يستمر في الوظيفة أو لا، وتابعت: ليس مقصوراً على الشباب؛ بل كثيرون تركوا الخدمة المدنية واتجهوا إلى العمل الخاص أو الحرفي اليدوي، ولفتت إلى أن الموظف في الخدمة المدنية بأجر شهري زهيد لم يلتزم بالوظيفة والعمل، ولا يداوم بشكل مستمر، وهذا مؤشر خطير – على حد وصفها، مضيفة: أن المرتب لايكفي الموظف، فاتورة المواصلات الشهرية ووجبة الفطور، على حسب قولها، وأوضحت أن من الأسباب تردي بيئة العمل خاصة في المؤسسات الحكومية، فهي لا تتناسب مع الموظفين من ناحية حمامات وعدم توفر وجبة الفطور، مشيرة إلى أن كثيراً من الموظفين يبحثون عن الوجبات وكافة الاحتياجات خارج دور العمل، ونوهت كذلك إلى محدودية معينات العمل سواء داخل المكاتب أو في العمل الميداني، وقالت ينبغى أن تتوفر بالضرورة كافة معينات العمل التي يحتاجها الشباب للعمل، وأفتكر أنها مسألة مهمة جداً جداً، وهذه لحد كبير جداً تتسبب في عدم مواصلة الشباب في مسألة الوظيفة، وربطت عدم توفر البيئة الجاذبة للعمل نحو هؤلاء الشباب الطموح ومتملكين تقنية المعلومات وكافة المسائل الإلكترونية.
الاستقرار السياسي
منوهة.. نحن كدولة غير قادرين على الاستفادة من التقنية الحاصلة بشكل خرافي، لافتة إلى أن الدول العربية بعد كورونا أصبحت تستخدم التقنيات بشكل كبير، وقالت.. هناك وظائف تتحمل استخدام التكنلوجيا وبالتالي يمكن التعويل عليها، وأردفت قائلة: لدينا مشكلة في الإنترنت خصوصًا أن النت ضعيف جداً بغض النظر عن توفره، وغال جداً، وبالتالي هذا يتطلب حلاَ عاجلاً من قبل الدولة، وترى ثريا عبر حديثها ل(اليوم التالي)، أن عدم الاستقرار السياسي يفرز أيضاً عدم الاستقرار على مستوى الوظائف والمهن، وقالت حتى المهن الحرفية والقطاع الخاص مرتبط إلى حد كبير بعدم الاستقرار السياسي في البلاد، ومن خلال ذلك تعتقد أن الشباب حلمهم أن يهاجروا بطريقة غير سليمة وغير شرعية عكس المفروض، بأن تكون بطريقة آمنة تحفظ حقهم وكرامتهم في الحياة.
سوق العمل
ويرى المحلل الاقتصادي، الحسين أبو جنة، أن بالأمس القريب كانت مؤسسات الدولة مؤهلة تماماً لعملية التنسيق والتخطيط المدروس لاحتياجات سوق العمل على ضوء مخرجات التعليم العالي، بيد أن ثورة التعليم العالي التي في عهدها اختلط الحابل بالنابل، وقال.. ارتفع منحنى بطالة الشباب في سن العمل وخاصة الخريجين الذين تاهت بهم الدروب، بل ألقت بهم في أعماق بطون الحوت بالبحار والمحيطات، وهم يبحثون عن لقمة العيش والحياة الكريمة في بلاد الصقيع، حيث فرص العمل والعمالة والارتزاق بشتى أنواعه، وإن كان أيسرها حمل السلاح والتمرد على منفستو الدولة الوطنية، وأكد في حديثه ل(اليوم التالي) أن مع قلة فرص العمل بالداخل أصبح الراتب الشهري لا يفي بالغرض الحياتي، وبمتطلبات الحياة الكريمة نتيجة للتضخم المتصاعد، الذي بلغ نقطة اللا عودة، الذي قال عنه.. خرج تماماً عن السيطرة، مخلفاً وراءه حزمة من الإشكالات والتعقيدات في كافة الاتجاهات بلا استثناء.
مغامرات الشباب
وذكر مع تلك المتغيرات السالبة و الخطيرة في منظومة الاقتصاد القومي، دخل قطار الحياة في السودان نفقاً مظلماً بلا نهاية تلوح في الأفق البعيد، واصفاً الأمر بأنه زاد من ارتفاع منحنى مغامرات الشباب في سبيل البحث عن مصادر دخل أخرى بخلاف الوظيفة العامة محدودة الدخل والفرص، منوهاً إلى هجرة الشباب والبحث عن فرص عمل في القطاع الخاص المحاصر بفوضى الضرائب وعشوائية الرسوم والمعوقات الإدارية، وحث الدولة على أن تسعى في معالجة هذه الاختلالات المتناسلة في سوق العمل، من خلال مبادرات مدروسة عبر آلية التخطيط الاستراتيجي في إطار إدارة مؤسسات الاقتصاد القومي بواسطة متخصصين وليس سياسيين، كما هو متبع الآن وملاحظ في غالبية الواجهات الاقتصادية العامة – على حد تعبيره.