عبد الله مكي يكتب: الترابي هل تنبا بخلافات الاسلاميين

باكتمال شهر مايو 2020، تكون خطة الحركة الإسلامية لـ(30 عاماً) قد أكملت أيامها، والتي وضع ملامحها الشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي في مايو 1990.
ففي أول زيارة له لبلد المليون شهيد- الجزائر- قام د. حسن عبد الله الترابي بتقديم ورقة لـ(ندوة مركز دراسات المستقبل الاسلامي) والتي عقدت هناك في مايو 1990.. تلك الندوة أمّها أبرز العلماء والمفكرين من التيارين الإسلامي والعربي.. وتم فيها استعراض رؤى المستقبل، والذي ينتظر أمتنا الإسلامية والعربية. مساهمة د. الترابي كانت بعنوان:
(أولويات التيار الإسلامي لثلاث عقود قادمات)
أي ملامح خطة مستقبلية للتيار الإسلامي في الفترة من(مايو 1990م وحتى مايو 2020م).
وقد قام بنشرها مركز متابعات للخدمات الإعلامية، تحت عنوان:
(التيار الإسلامي وأولويات المرحلة)
وذلك في يونيو من العام 2000، أي بعد مفاصلة الإسلاميين الشهيرة، ولكن لم تجد حظها من القراءة – دعك من فهمها وتطبيقها وتنفيذها على أرض الواقع.
الترابي والتخطيط للمستقبل

والشيخ حسن الترابي كما وصفه الأستاذ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية في مناظرة بقناة الجزيرة مع الأستاذ محمد أركون حول كتاب(السياسة والحكم .. النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع) معلقاً على فكر وعلم الترابي قائلاً:(الترابي ينحت من صخر وينهل من بحر) وذلك دلالة على غزارة علمه والرسوخ فيه.
بين(المثال المطلق والواقع النسبي) وبين أصول (الدين الثابت والتدين المتغير) تتحرك مسيرة الفكر الإسلامي والعمل الإسلامي الحركي، وبين هذين الإطارين يتحرك رائد التجديد في الفكر والعمل والقائد الروحي والفكري للتيارات الإسلامية المتجددة، الشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي، وعندما يُلقى هذا الكلام على وجهه يقول عبارته الشهيرة:
”هذا شرف لا أدّعيه وتهمة لا أنكرها”.

ويقول الشيخ الترابي معلقاً على مسألة قراءة المستقبل بالقول: “قد يكون من أعسر اقتفاء الغيب واستشراف المستقبل أن نحاول الرؤية الدقيقة لمستقبل التاريخ الإسلامي، لأمد نعينه، فالعامل الديني في الحياة من المطلق الذي يستعصي على السبر والضبط الدقيقين”.
وعلى الرغم من هذه الصعوبة التي يتحدث عنها دكتور الترابي، إلا أنه بدأ مبكراً في مسألة التخطيط الإستراتيجي، وهذه الطريقة في التخطيط لا تعرفها الحركات الإسلامية المعاصرة له.يقول الأستاذ المحبوب عبد السلام في ورقة له بعنوان:(المدرسة الترابية):”فقد دعى الترابي إلى إقتحام الأبواب على المجتمع حيثما إتفق، فإذ تنفسح الحرية وينشط المجتمع أحزاب ونقابات مهنية وإتحادات طلابية وجمعيات تتفاعل معها عضوية الحركة الإسلامية ومؤسساتها، فتخوض المنافسات مع الخصوم وتشارك في الإنتخابات وما يستدعي ذلك من بسط العلاقات وعقد التحالفات، وهذا الأمر مهّد لمرحلة العمل الجبهوي الذي إنخرطت فيه حركة الإخوان المسلمين السودانية بعد ثورة أكتوبر 1964، وذلك قبل أن تبلور رؤيتها النظرية لمنهجها في العمل تحت عنوان:(التفاعل مع المجتمع)وفقاً لمصطلح حسن الترابي”.
وعندما جاءت مايو 1969 كان الترابي من أول المعتقلين في سجونها، يقول المحبوب:”إذن أتاحت فترة السجن للترابي وبعض قادة الحركة أن يولوا إطلاعهم على الفكر الإستراتيجي الحديث وأن يديروا مداولاتهم في زمنه الممتد، فتكاملت لديهم رؤية لمسار حركتهم في مسار مستقبل السودان، إنبثقت عنها خطة إستراتيجية عبر مراحل نحو التمكين الأتم”.

والكتابة الفكرية الرصينة في مختلف القضايا الأصولية والسياسية والعالمية من الصعوبة بمكان، ولكن الأصعب منها هو قراءة الواقع بدقة ورسم ملامح واستشراف مستقبل منشود لفئة اجتماعية أو تيار سياسي، وذلك نسبة للتغيرات الكبيرة في المجتمعات وتفاعلاتها وتوتراتها وضغوطاتها وإكراهاتها، ومما هو معروف فإنّ القياس والتقييم والتقويم في العلوم المتعلقة بالمجتمعات تختلف عن تلك التي في العلوم التجريبية.
والدكتور الترابي من الذين تخصصوا في قراءة الواقع والنظر صوب المستقبل، وكذلك كسبه النظري الأمر الذي ميزه عن باقي القيادات السياسية كما يقول الدكتور محمود ممداني، وكذلك جعل حركته الإسلامية تتفوق على رصيفاتها ممن سبقنها في العمل والكسب والتجريب.
منشورات وحوارات حول المستقبل

لدكتور الترابي عدد من المنشورات المهمة تستشرف المستقبل ما بين كتاب وورقة في مؤتمر وحوار ومائدة مستديرة وهي على سبيل المثال لا الحصر:
1\ كتاب الأمة(فقه الدعوة آفاق وملامح)حوار تحت عنوان:(فــقــــه المـــرحلة والانتقال مـن المبادئ إلى البرامـج)ديسمبر 1984 ويناير 1985.
2\ كتاب الحركة الإسلامية في السودان: المنهج ..التطور..الكسب : فبراير 1989
3\ أولويات التيار الإسلامي لثلاث عقود قادمات: مايو 1990
4\ حوارات الإسلام والديمقراطية والدولة والغرب: مائدة مستديرة بجامعة جنوب فلوريدا مايو 1992
5\ حوار الصحفي الفرنسي (الاسلام مستقبل العالم) 1995
6\ ورقة مستقبل الإسلاميين في مؤتمر(الإسلاميون وتجارب الحكم 2012 الدوحة)
7\ ورقة محتملات التغيير في السودان.
8\ المنظومة الخالفة المتجددة 2015
9/ ورقة الحريات(5 مارس 2016)قبل ساعات من وفاته.
أهم ملامح خطة الـ(30 عاماً)

يقول محمد مختار الشنقيطي في كتابه:
(آراء الترابي من غير تكفير ولا تشهير) :
”ليس من السهل على شباب الصحوة الإسلامية غير المتمكنين من ناصية اللغة العربية، المتمرسين بالمفاهيم الفلسفية والأصولية، أن يستوعبوا جميع كتابات الترابي بعمق، وهي كتابات تجمع بين تجريدات(هيجلْ)الفلسفية ولغة الشاطبي الأصولية”.

لقد بدأ الشيخ الترابي ملامح خطة الـ(30 عاماً)بذكر وتفصيل أحوال ومراحل التيار الإسلامي، ثم بدأ بذكر أولويات ذلك التيار في الخطاب والعمل التنظيمي الجماعي والتجديد الفكري والتزكية العقدية والمنهج الحركي والبناء الحضاري والعمل والبناء السياسي ثم العلاقات الدولية. متطرقاً في ثنايا ذلك لقضية المرأة والإقتصاد والجهاد والحوار مع الآخر سواء أكان يسارياً أو علمانياً.

أحوال التيار الإسلامي

ويبدأ الترابي بوصف شامل ومسح عام لأحوال التيار الإسلامي ومراحله المختلفة، وحددها بوصف دقيق:”ولئن كان التيار الإسلامي كله إنما يتصوب إلى هدف واحد زلفى إلى مثالات الدين، ويتمثل في حركة مندفعة نحو إحياء الدين وتجديد فقه الشرع وتمكين الإسلام في الواقع، فإنّ مسير ذلك التيار أحوال ومراحل مختلفة حسب ظروف بيئته وعهود نشأته في مختلف المواقع، وأن مصيره حظوظ وآجال شتى مرهونة بعد مشيئة الله بمدى قوة التيار وحكمته ويسر ظروفه أوعسرها في كل حال معين”.
وكذلك جعل لكل بلد تقدير ظرفها السياسي والإجتماعي ويسرها وعسرها، وهو الأمر الذي جعله يرفض الإنضمام للتنظيم الدولي تحت القيادة المصرية، لاعتبار الخصوصية لكل بلد، وقدّم رؤيته(التنسيق المتطور بديلاً للبيعة المباشرة)وذلك في مرافعة فكرية متكاملة صدرت في كتاب تحت عنوان:(الأصول الفكرية والعملية لوحدة العمل الإسلامي) وفي ورقة المستقبل هذه يقول بخصوص ظرفيات البلاد المختلفة:” فأهل كل بلد أدرى بشعابها وأولى بشأنها وأبصر بتكييف القراءة العامة للمستقبل الإسلامي لخصوص الحال التي تليهم”.
ولكن رغم ذلك هناك مشتركات وأساسيات جوهرية بين كل أهل ملة الإسلام مهما اختلفت بلدانهم وظروفهم وأحوالهم، كما يؤكد ذلك الدكتور الترابي بقوله:”لكن الدين مثال واحد ينبغي أن تتجلى معانيه ومغازيه الجوهرية من خلال صور الظروف كافة، بل بعض أشكال التدين قطعيات يلتزمها المتدين مهما كانت أحوال الواقع، والمجتمعات الإنسانية فطرة وسنة واحدة مهما تنوعت أعيان الأشخاص أو تباينت أحوال المجتمعات”.
اختلاف الأحوال هذا والأعراف والبيئات جعلت الناس – خاصة المراقبين الغربيين – يظنون انه لا يمكن لأمة الإسلام أن تتوحد أو أن تجمع على كلمة سواء، فصنفوا الإسلام(لإسلامات مختلفة)وسرت هذه التصنيفات والمسميات في مجتمعات المسلمين، وأكبر قسمة – تاريخية – هي الإسلام السني والإسلام الشيعي، ثم جاء التصنيف بالمواصفات – خاصة في العصر الحديث – فنسمع عن الإسلام السلفي والجهادي والسياسي والصوفي والحركي والرسمي والشعبي، ثم كان التقسيم بالبلاد والأماكن فكان الإسلام التركي والماليزي والإفريقي والأمريكي والأوروبي وغيرها.

ولدكتور الترابي تفسير لهذه الظاهرة حيث يقول:”ولا عجب إن انتهى بعض المراقبين الغربيين لتاريخ الإسلام إلى تقرير إسلامات شتى يردونها إلى شتات الظروف والأعراف ويكادون ينكرون وحدتها بأي وجه، وربما يعود ذلك إلى العمى الذي غشيهم عن رؤية البعد الروحي عامة والهوى الذي يراودهم ألا تقوم للإسلام قائمة موحدة “.
والترابي بوصفه لأحوال ومراحل التيار الإسلامي لا يصف صور الإسلام التاريخي الجامد المتنوع، وإنما يُدير القول حول التيار الإسلامي الحي الفاعل الذي تتجلى فيه وبه عالمية الإسلام والذي يتقدم نحو عالمية الإنسان، فدعا الإسلاميين في كل بلد:” أن يراعوا خصوصياتهم الظرفية دون افتتان بتقليد عالمي يقطعهم عن أصول التحديات الفعلية وألا يقعوا فرائس للعصبية التي تفتنهم بخصوصياتهم الظرفية والمحلية “.
ولخّص كل هذا الأمر في نظرية يُمكن أن تعبر بالمسلمين فتنة الزمان وابتلاء المكان فجعلها كلمات خالدة تُعين في التخطيط الإستراتيجي وذلك بالقول:”ففي دين التوحيد يلزم التوازن بين المرحلية الزمانية والاتصال الأبدي وبين المحلية المكانية والإمتداد الأرضي، أو بين النسبية حسب ظروف الزمان والمكان والمطلقية خلوداً ووجوداً “.

وميز الترابي الأحوال التالية للتيار الإسلامي: فأولها : حال التيار الإسلامي المغترب : غربة الملة لا غربة الدعوة، وقد يكون اغتراب الملة مركباً مع غربة الوطن كما هو شأن التيارات الإسلامية التي نشطت بين المهاجرين المسلمين بالغرب، ومهما كان كسب هؤلاء أحياناً في إيقاظ وعي إسلامي في دار غربتهم، فإنّ غالبهم لا سيما بين الطلاب قد ظل مشدوداً إلى وطنه الأم، ولا معنى لدراسة شأنه إلا إذا وصل بالشأن هناك. ولكن التيار الجدير بالنظر: وذا الخطر في تكييف مستقبل الإسلام في محيطه هو ذلك المتوطن في دار الهجرة: ويمكن أن نفصل حاله ونعين حاجته، وأن ندعي مثلاً ان أولوياته هي في بسط الدعوة وفي الحرية من الفتنة وفي الدفاع عن قضايا العالم الإسلامي بين قومه، إذ يبعد أن يكون هم التمكين السياسي لديه مثلاً أملاً قريباً وهماً ماثلاً. والحال الآخر: هو حال التيار المستوطن في دار الإسلام التاريخية :
لكنه هنا قد يكون على بضع صور حسب أقدار مولده هو وأحوال البلد الوطن والمجتمع المحيط والسلطان القائم، فالتيار الإسلامي قد ينشأ قدراً في أحضان قطاع اجتماعي معين فينطبع لأول عهده بطبيعة ذلك القطاع، ويكون من حاجاته الأولى أن يباشر التحديات الفاشية فيه خاصة ثم أن يتجاوزه إلى سائر المجتمع، وقد ولدت غالب التيارات الإسلامية الحديثة بين أوساط المثقفين العصريين، وبعضها بين العلماء وبعضها في الأوساط الشعبية.

وقد يولد التيار لعهد ينشغل بهموم بلاده عامة: في التحرر الوطني أو لآخر تسود فيه هموم التوحد والبناء الوطني، وقد يكون موطن التيار المعين موصولاً بجيرانه صلة ثقافة أو مصلحة أو نزاع، فتصبح قضايا الوحدة أو الصراع من هموم التيار كما هي من هموم من حوله.

أما المجتمع فقد يكون مجاله الإقتصادي الغني الميسور: موحياً للتيار الإسلامي أن يستغني أو يغفل عن الإطروحات الإقتصادية، أو يكون بأزماته مذكراً بالقضايا المعاشية ومسائل التنمية والعدالة حسبما يكون هو الألح بين القضايا القائمة.
وقد يكون المجتمع بأوضاعه الثقافية مثقلاً: بقيادات دينية تقليدية وولاءات عرفية تشكل للتيار الإسلامي المتجدد قضايا وأولويات حساسة، أو يكون مستخفاً لقيادات عصرية لا دينية يكون الحوار معها أو الجهاد ضدها هو الهم الأكبر، وقد يكون المجتمع على انتمائه للملة فاسداً في عقيدته أو عبادته أو خلقه من جراء نقص أصلي في بنائه الديني أو طاريء أدخل عليه العلة والإنحراف، وعندئذٍ يكون الخطاب الفكري العقدي والتربية الخلقية والإصلاح الإجتماع حاجات ملحة أو يكون المجتمع محافظاً في خاصة حياته لا يكاد ينقصه إلا النظام الإسلامي العام والشريعة الحاكمة أو يكون المجتمع قائماً بعاطفة دينية جياشة بالطاقات لم يواكبها علم أو فكر يرسم لها قنوات المسير الحكيم ويعوزها انتظام أو قياد ة تحفظها من التبدد شتاتاً والشقاق شيعاً.

وقد تكون السلطة السياسية في بلد التيار قائمة بمشروعية منتسبة إلى الدين الإسلامي: تجامل التيار الإسلامي صدقاً أو سماحة من حيث هو دعوة وخلق، ثم تتحامل عليه غيرة وفزعاً من حيث هو مشروع للتغيير السياسي وفق الأحكام الإسلامية السلطانية، أو تكون السلطة ليبرالية غافلة عن الدين أو مجانبة لمقتضاه، لكنها بحكم الواقع الدستوري والسياسي لا تملك إلا إباحة حرية القول والعمل للتيار وقليلاً ما يكون ذلك كذلك فيوفر على التيار هم الحرية لأول العهد، لأنّ التيار حينما يشتد يتبين مذهباً آخر خارجاً عن أصول النظام ويتهدد أركانه، وليس بوقف آخر في إطار التعددية اللبرالية، والأغلب أن لا تتسع الديمقراطية التقليدية للتيار الإسلامي في آخرة المطاف، لأن الحرية والشورى فيها رهن باستصحابات فلسفية ودولية معلومة، بل ربما يكون النظام لا دينيا ولا ديمقراطياً يضيق ذرعاً بالمنافسة ويطير فزعا من البديل الديني.

ويختم دكتور الترابي الحديث عن أحوال التيار الإسلامي قائلاً: “وفي كل ما قدمنا من أحوال تاريخية أو وطنية أو اجتماعية أو سياسية ما يوميء إلى ابتلاء معين يجابه التيار الإسلامي تنشأ عنه حاجة معينة لما يجاوب التحدي، وتشكل تلك الحاجة أولوية تشغل التيار حتى يوفيها، ثم يتقدم لاستكمال كمالات الإسلام الشاملة حسب أولوياتها اللازمة والميسورة”.

مراحل التيار الإسلامي

ويوضح دكتور الترابي أنّ وصفه لمراحل التيار الإسلامي ووصفه لمقتضيات كل مرحلة ربما لا يقع(وقع الحافر على الحافر)وذلك حسب الظروف الداخلية لكل حركة والبيئة الخارجية المتفاعلة معها، ونقاط القوة والضعف والفرص المتاحة والمهددات والمخاطر المتوقعة، يقول الترابي:
“والذي سنرسمه من مراحل حركة الإسلام في تيارها المندفع نحو المثال إنما هو نموذج قياسي مرتب لخط الحركة عبر عهود الزمان المتعاقبة، وقد يبطيء واقع السير بتجربة إسلامية معينة وقد يتسارع، وقد تختزل بعض التجارب الطريق لما يتوافر لها من حسن الإعتبار وحكمة التدبير أو من السانحات المواتية بفضل الله، وقد تنبت بعض التجارب فيقعد بها كسبها أو قدرها عن استكمال مراحل التطور، ومهما كان فإنّا على سبيل التجريد والمثال يمكن أن نصف في نموذجنا المراحل التالية لنرى فيما بعد ما يوازيها من اقتضاء حاجات وأولويات معينة”.

مرحلة الدعوة

وهي المرحلة الأولى”حينما يكون البعث الإسلامي محض تيار بلا نظام تعاقد عضوي أو تواثق حركي، ويمكن أن نسمي تلك مرحلة الدعوة حين ينبعث بالهوية الإسلامية والحرص على تحقيقها وبسطها في الوجود تعبيراً عنها وتركيزاً لها. والظاهرة عندئذٍ تتمثل في أفذاذ أو ثلل من حملة الوعي المتجدد يتحركون به في بيئة غربة وإنكار. وأول ما يليهم من مهام هو نشر الدعوة إلى تلك المعاني المنبعثة وتوافر الحرية لتلك الدعوة ومجادلة المنكرين، من الدفاع عن الإسلام لدرء الشبهات إلى بيانه بغير اعتذار ومن الإسرار إلى الإعلان بغير تقية”.

مرحلة الجماعة

وهي المرحلة التالية فحينها”يتجسد التيار في جماعة تنتظم للتعاون على تعلم الإسلام والتزكي برشده ولتتناصر على الدعوة وتتشاطر همومها وتتواصى بالصبر فيها. فالجماعة الأولى هي أول عهد التيار بالموالاة والقيادة والصف والهدف المشترك المرسوم، وهي أول نموذج لمجتمع الوعد الذي تبشر به كأنها الجنين في رحم المجتمع التقليدي، ومهامها عندئذٍ لا تتعدى من بعد الدعوة كما سبق هموم البناء الجماعي تبايعاً على الولاء وترتيباً للأشكال التأسيسية واندياحاً بعضويتها في المجتمع أو هموم العلاقة بما حولها معالجة لسياسات الخطاب والمعاملة وصبراً على ظروف الذلة والقلة”.

مرحلة الحركة الفاعلة

وهي المرحلة الثالثة فحينها”تستوي الجماعة فتصبح حركة فاعلة في المجتمع ذات وقع في حياته العامة تأثيراً ومشاركة، حينئذٍ تبرز لها حاجات وأولويات اصلاحية وسياسية في النصح العام صدعاً بشعارات الحق المجملة ثم صوغا لمناهجه المفصلة، وفي التعبئة لقوى المجتمع دفعاً للمنكرات وتعزيزاً لمشروعات الخير والمعروف وضغطاً على السلطان، وفي المجاهدة معارضة ومقاومة لقوى الباطل في المجتمع أو في السلطة ومصابرة لتكاليف الجهاد من تضييق واضطهاد أو فتنة وقتال”.

مرحلة التمكن السياسي

وهي المرحلة الرابعة “اذ يكمل الأمر السياسي للتيار الإسلامي ويستخلف في الأرض ويتولى قيادة المجتمع وينتصب في مواقع السلطان، ويحق عليه عندئذٍ أن يستكمل مهمات العمل العام الصالح انفاذاً لمشروعات التطهير والتحرير والتغيير نحو التي هي أقوم ديناً وأصلح دنيا، واختطاطاً لخطط الحياة الإسلامية الشاملة في الحكم والإقتصاد والإجتماع والثقافة ما يرعاه الوجدان الفردي المزكّى وما يتولاه العرفان الإجتماعي المعبء وما يباشره السلطان الرسمي، وتصدياً لواجبات التفاعل مع البعد العالمي نحو الأمة الأجمع ونحو العالم الأوسع”.

أولويات الخطاب

بالرغم من ممارسة التيار الإسلامي- حيثما كان- الدعوة الجديدة إلى الإسلام، فبلّغ الرسالة إلى كثير من الناس واكتسب جانباً من فنون الخطاب، لكن دكتور الترابي يرى أنّه – أي الخطاب – “لما يبلغ بالهداية المتجددة غالب مجتمع الخطاب، ولما يجمع كل أساليب الدعوة”، وكذلك الخطاب الإسلامي يواجه ابتلاءاً جديداً، وهو كما يوضح الترابي:”ظروف الإنحسار الكبير في الدعوات اللبرالية واليسارية والقومية والوطنية وما خلفت من خواء يتيح فرصاً سانحة لدفع حركة الدعوة ويشكل خطراً على المجتمعات إلا أن تتداركها طمأنينة الهداية”.

كذلك يُؤكد الترابي أنّ من الأولويات المتعينة على التيار الإسلامي:”أن يستعجل استكمال مدى الدعوة ويطور وسائل الخطاب حتى يوحد وجهة مجتمعه وأن يستهدف استيعاب القطاع التقليدي من المجتمع الذي ما انفك معتصماً بأصل التدين عاكفاً على اعتقادات وعادات وولاءات دينية تقليدية لم تمسسها روح الدعوة الحية المتجددة”. لأنّ – حسب قول الترابي – “من سنن التطور الديني ان تنشأ فجوة بل جفوة في مراحل الانتقال من التقليد إلى التجديد، فالأوضاع التقليدية ركام من تصورات متقادمة وعصبيات جامدة وأهواء مستقرة وأوضاع موروثة وحق تاريخي وشرعية عرفية، لكن في الدعوة الجديدة ما قد يقعد بها عن استيعاب ذلك القديم”.

ووجد الترابي لهم العذر لأنهم حسب وصف الترابي لهم:”فحملتها – أي الدعوة الجديدة – في الغالب من أبناء الشرائح العصرية المعتزلة لمجتمعها التقليدي وهم أشد انشغالاً بداخلات الكفر الحديث الصريح منهم بالشائبات القديمة”. ويُشدد الترابي على التوحيد بين كيانات المجتمع التقليدي والمتجدد:”لأنّ التباين بين
القدماء والجدد أمر يشوش على دعوة الإسلام ويفتح ثغرة في جبهته يستغلها الكائدون، فلابد من التوجه نحو توحيد الصوت والصف الإسلامي”.

ومن الأولويات كذلك يرى الترابي:”ضرورة الانتقال بالدعوة الإسلامية من مجال الصفوة أو النخبة إلى الشعب أو الجمهور، لأنّ تعاليم الدين تفرض إباحة الدعوة واتاحتها لسواد العالمين، كما أنّ تطورات ثورة العلم والاتصال وظاهرة التحضر الكثيف قد عظمت شأن الجماهير”. ونادى بضرورة: “تطور أساليب الدعوة من الكتاب الذي لا يبلغ إلا القارئين والخطاب المباشر المحدود إلى الوسائل الجماعية في الإتصال الحديث التي تبلغ السواد الأعظم”على الرغم من “أنّ وسائل الخطاب العام قد ظلت محجوبة عن الدعاة لعهد طويل بفعل المحاصرة السياسية والثقافية، ولكن ينبغي على التيار الاسلامي اليوم وغداً أن يرتاد هذه الوسائل الدعوية ليبلغ الجمهور كافة ويستوعب المجتمع بأسره”.

خطاب الآخر

وجعل الترابي خطابا خاصاً لـ(الآخر) في أولويات خطاب التيار الإسلامي: “ومن مهام مد الدعوة لتوحيد المجتمع أن يحاول الدعاة إعادة خطاب الشرائح الإجتماعية التي جانبت بفكرها أصول التدين وتراث المجتمع وجمدت في عدائها لحملة الدعوة الإسلامية وقد كسب التيار الإسلامي جانباً مقدراً من القطاع الحديث، ولكن يلزمه أن يجتهد لاستقطاب البقية المستعصمة دون الإسلام، وقد كادت تدور دورة الغربانية الوطنية العلمانية ثم اليسارية القومية الأممية، فالمناخ مهيأ لأن يتولى التيار الإسلامي زمام المبادرة ليتطور الحوار الذي بدأ بحياء والمصالحة التي تستوجبها الظروف الوطنية والعالمية والتوحد المأمول بإذن الله، وفي المجتمع فئات اجتماعية استهوتها الإباحية السلوكية وأخرى اقتصادية فتنتها منافعها في الرأسمالية الربوية الإستغلالية، وأخري مهنية رهنتها الأهواء والتقاليد القانونية والمدنية والعسكرية اللا دينية، وأخرى سياسية اخذتها الغيرة في منافسة الشرعية الإسلامية الثائرة والغضبة من أن ترمى بالجاهلية والكفر، وكل هذه الفئات اليوم في ذمة التيار الإسلامي المستغلب، أن يطور لخاطرها خطابا دعوياً معتدلاً سمحا رفيقاً يبشرها ولا ينفرها وينفذ إلى فطرة الإيمان المركوزة المكبوتة فيها، ويهدي إلى حياة مستقيمة، فيها طيب متاع ومعاش، وحسن مهنة سياسية، يدخل بها الناس في السلم كافة، ويتوحد بها المجتمع، ويطمئن بعد الذي كاد يدمره من التنازع الثقافي والتنافر الخلقي والتعصب الفئوي والشقاق السياسي”.

*أولويات التنظيم الجماعي
*
وتحدث الترابي عن أهمية التنظيم للتيار الإسلامي:”لأنّ مدى انحطاط المسلمين الحاضر ما كان له أن يستدرك إلا بمنهج من الجماعة التي تنظم حركة الدعوة والإصلاح ولكن الذي ينتظر الصحوة الإسلامية في العقود المستقبلة هو أن تطور نظام جماعتها حتى تمثل كل سمات الجماعة الإسلامية المثلى حتى توفي بأهداف العمل الإسلامي الشامل جميعاً”.

ووجه الترابي نقداً كثيفاً للفقه التنظيمي لتيارات الصحوة الإسلامية:” فالفقه التنظيمي لجماعات الصحوة ما ينفك ضئيلاً لأنه ينبني على بؤس في التراث الفكري في هذا الباب، ومهما كانت دواعي الإجتماع والنظام قوية وإرشاداته بينة في دين التوحيد، فإنّ المسلمين في واقع أمرهم قد قصروا كثيراً في تطوير مناهج التنظيم الذي يبني كيان الجماعة المحدودة فالمجتمع الواسع فالأمة قاطبة”. وقال إنّ بعض الجماعات الإسلامية الحديثة تدعي أن لها منهجاً تنظيمياً، ولكن – كما يقول الترابي – ظل النمط التقليدي هو السائد، فيُفصّل في هذا المجال بالقول:” ومهما راج المنهج التنظيمي بين الجماعات الإسلامية الحديثة فما يزال النمط التقليدي الساذج سائداً بين كثير منها، إذ تتمحور بالاتّباع حول شيخ تستغني به عن التراتيب التأسيسية المركبة وتنحصر بحدوده البشرية عن المدى الشامل لوظائف جماعة تريد الانتهاض بأمر الاسلام كله ولابعاد جماعة شأنها الامتداد في الناس والتطور في الزمان”.

ويضع الترابي خطة متكاملة للعمل التنظيمي كأولوية للتيار الإسلامي:”فالحاجة القائمة اليوم وغداً أن تتركب الجماعات الإسلامية في أشكالها التنظيمية لتوثق التوالي في التآخي بين أعضائها وتيسر التشاور والتفاعل وتضم أغراض العمل الإسلامي كافة، وأن تنبسط في مداها فتسري في المجتمع بكل شعابه وتمتد في المكان بكل أقاليمه وتحيط بالحياة بكل همومها، ولا تنقبض في محورية مركزية نمطية محصورة بل تتسع للتنوع مع الوحدة والتخصص مع الشمول، وأن يكون شأن النظام فيها من بعد الحاجة العملية العفوية فقها ومنهجاً قوامه التأصيل والإجتهاد والتخطيط والتدريب والتقويم والتطوير”.

هل تنبأ الترابي بخلافات الإسلاميين ؟

وتنشأ تنظيمات لأسباب عدة، وقد تنشأ مشاكل كثيرة داخل التنظيم الواحد لا يتحسب لها القائمون على الأمر، وذلك لعدة أسباب كما فصلها الشيخ الترابي: “وتتأكد الحاجة إلى التنظيم الجامع الضابط بالخطر الذي يتهدد التيار الإسلامي من تلقاء ضعف وحدته فالجماعات قد تنشأ متفرقة لاعتبارات تاريخية أو شخصية محضة أو لتقديرات منهجية فرعية، وقد تتفرق بعد وحدتها لضآلة في توافر الحرية وسطها أو الشورى بينها أو لما يلقى
الشيطان في نفوسها أو بوضع الماكرين خلالها، ولم يكن أشدّ على المسلمين قديماً من فتنة التفرق والشقاق، وما أعجزهم شيء قديماً وحديثاً مثل التوقي من الشقاق واحتوائه إنّ واقع وساحة التيار الإسلامي عامرة بل خربة بحالات التفرق المستعصي على الجمع، ولا يعوزها الوعاظ المذكرون بضرورة الوحدة قيمة وحاجة ويبقى بعد اجاشة عاطفة الإخاء والوحدة الدينية أن يتدبر التيار الإسلامي كيف يمكّن التربية والتدريب ويطور الإجراءات والتراتيب بما يعدل ويوازن بين حقوق الحرية والشورى وحقوق الإمارة والطاعة وبما يحكم تدابير تسوية الخلاف قبل أن يستفحل وبما يكفل الرضا السمح بأقصى التعاون متى ما وقع الفصال وصار أمراً مقضيا ومتى ابتلى التيار الإسلامي بتعددية أصيلة أعجزه تجاوزها”.

أولويات المنهج الحركي

وراجت فكرة العمل الشامل لكل أوجه الحياة كهدف للتيار الإسلامي، ودكتور الترابي يُعمق هذه الفكرة بصورة أوضح بقوله”لئن كان دين التوحيد منهجاً شاملاً يسلم الحياة جميعاً أهدافاً ووسائل لله الواحد، فإن مدى كسب أي حركة اسلامية إصلاحية أو مدى أي علة في مجتمع مسلم يستدعي الإصلاح قد لا يبلغ الشمول، ولكن كثافة وجوه الإنحطاط بالمسلمين وتمكين التطور الحضري الراهن وتراكم تجارب الإصلاح الإسلامي وتكامل روافده القديمة والحديثة، كل ذلك أدى إلى أن يروج المنهج الشمولي في أهداف التيار الإسلامي المعاصر وأن يتجدد أصل الكمال في الدين والوحدة في الحياة المتدينة”.

ورغم ذلك يرى الترابي أنّ جانباً كبيراً من التيار الإسلامي قد”جمد عند قضايا تربية الأفراد وإصلاح المجتمع وترشيد الحكم، ولم يتم منهجه الإصلاحي بالتعرض لسائر شئون الحياة التي وقع فيها الخلل والمخالفة لمنهج الإسلام، وربما يتطرق التيار لقضايا إقتصادية أو ثقافية أو عالمية، ولكنه غالباً ما يفعل بوجه ناقص”. ويُؤكد الترابي أنه يلزم التيار الإسلامي فيما يستقبل من أيام وسنوات:”أن يستأنف السعي حتى يكمل الله الدين وتتم النعمة وتسلم كل أهداف الحياة لغاية عبادة الله، وذلك بتأصيل قضية التوحيد في الفلسفة في وجه الانسانوية اللا ربانية، وفي الإقتصاد في وجه المتاع الدنيوي، وفي العلم والثقافة في وجه الظاهرية المادية، وفي الفن في وجه الجمالية الفاتنة وفي المجتمع في وجه العرفية والوجودية، وفي العالم في وجه الطاغوتية الظالمة وهكذا”.

ويمضي الترابي في تأكيده على العمل في كافة مناحي الحياة وشعابها في أنه:” ومهما اجتهد التيار الإسلامي في الدعوة إلى شعار الإسلام عامة وبث شعائره وأخلاقه أو جاهد لتطويع الحكم بشريعة الله، فإنه لن يبلغ المثال الكامل للإسلام ما أهمل الحياة الإقتصادية بأهوائها ومظالمها، وما غفل عن مكانة الثقافة الأدبية والفنية وفتنتها، وما حسر نظره دون العلاقات العالمية وطغواها، لذا فإن على سائر التيار اليوم أن يبلغ الشمول بالتخطيط الواعي الذي يرسم كل المقاصد ويستهدفها بالسير القاصد”. ويُشدد الشيخ الترابي على مواصلة التيار الإسلامي لبرامجه كافة:”فعلى التيار الإسلامي أن يرعي ما أحياه من سنن الأذكار والشعائر والعبادات الخالصة وأن يؤذن بنشر الأعراف والأخلاق الفاضلة، وأن يصلح ببسط مشروعات الخير ونماذج الصلاح ومكافحة الآفات التي تحل المجتمع أو تفسده، وعليه من بعد أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر ويبذل النصيحة العامة ويعبيء الصفوف ليأطر أهل القوة والسلطان على الحق أطرا”.

ونبه الترابي إلى أنّ كل ذلك سيجعل التيار الإسلامي في مواجهة مع الأنظمة اللادينية التي تُناصبه العداء وربما تعمد إلى إيقاف مسيرته ولو بالقوة، فيقول منبهاً:”ولكن تقدم المسير بذلك التيار يجعل خطره متعاظماً ويستثير الأوضاع المتمكنة إلى مدافعته بالقوة، وما من قوم رأوا باطلهم ينمحق بزحف الحق اللطيف إلا ضاقوا ذرعاً ففزعوا إلى منهج عنيف يفتن أهل الحق ويسد أبوابه بالقوة”. لذا وضع الشيخ الترابي منهجا واضحا في مدافعة الذين يُواجهون التيار الإسلامي بالقوة، فقام بتطوير فكرة(الجهاد)في العصر الحديث، وذلك برؤية متكاملة وشاملة:

تطوير منهج الجهاد

وفي فكرة تطوير الجهاد يقول الترابي وبكل وضوح:”فما ينبغي لتيار دعوة دينية للتغيير الجذري الشامل إلا أن يستعد في بعض مراحل الطريق لجهاد كبير لئلا تكون فتنة ويستبين الحق، وتطوير منهج الجهاد مهمة تلزم التيار الإسلامي وتنتظره في المرحلة القادمة من تاريخ المجتمعات المسلمة، ولا يكفي في ذلك بعض من إجاشة عاطفة المجانبة والبغض في الله أو تعزيز مواقف العزة والصبر والتوكل، ولا يجدي في شيء بسط الأيدي على شخص أو شيء من رموز الباطل والفساد، ولا يغني الإستمرار في تقاليد الرفض والثورية والوافدة من المجتمعات اللادينية، ولا يحسن الصدام العشوائي الأهوج، بل لابد من التأصيل الايماني الفكري الدقيق والتأسيس الواقعي الوثيق والتدبير الفني الحكيم لمنهج جهادي فعال عادل إيجابي شامل يحمل التيار الإسلامي عبر جبهة الفتنة والبغي التي تتداعى عليه وتتناصر محلياً وعالمياً حتى يجوز إلى التمكين المطمئن في الأرض خلال عقد أو عقدين”.
*
أولويات التزكية العقدية*

وتحدث الترابي عن أهمية القاعدة العقدية الصلبة، وكيف استفاد التيار الإسلامي من تراث المسلمين،فقال:”لقد أدرك التيار الإسلامي ضرورة تأسيس مسيرة على قاعدة عقدية صلبة ينعقد فيها الإيمان من وراء القناعة الفطرية وتركز شعابه في الوجدان الفردي دوافع وموانع من وراء حوافز الجماعة وضوابطها، وقد استفاد التيار من تراث المسلمين الصوفي والسلفي في تربية الإيمان وشذبه من الشوائب البدعية وأضاف إليه من وسائل التزكية الإيمانية المسنونة والمقبولة.”

ويُقرر الترابي بكل ثقة وعرفان:”إنّ قضية الإيمان الصادق بالله والرسالات والغيب واليوم الآخر وبسائر أصول العبودية والمسئولية في الدين قد أصبحت قضية أكثر الحاحاً في الحاضر،خاصة وأنّ مجتمع المسلمين المتدين بفطرته والذي يتخذ الدين أحياناً طقوساً ظاهرة وأعرافاً اجتماعية ينفتح على المجتمع الغربي المنبسط عالمياً بقوته الحضارية الجانح نحو اللادينية المطلقة حيث الدين أوهام ورموز روحية والعبادة طقوس وتراث والملة انتماء وثقافة، والسياسة عكوف علماني على السلطة، والاقتصاد تطلب لمتاع الدنيا، والعلم تطلع للظاهر المادي في البشر والأشياء، والفن تلذذ بالجمال، والحياة وجود دهري وطموح انسانوي”.

وفي ظل هذا الإلتحام الوثيق بين مجتمع المسلمين التقليدي والمجتمع الغربي، يتنبأ الترابي بأنّ:”التيار الإسلامي سيزداد غربة إذا تجاوز مجتمعه التقليدي لمواجهة مجتمع المادية الطاغي للعقود التالية التي ستشهد التحام العالم الوثيق، وسيجد التيار أن ذاته متهمة بكون نشاطه ظاهرة مادية من بنات التطور الحضري وتوتراته وسيجد أنه يكاد يقوم وحده يمثل أصل الدين في عالم يهجر الدين ويميت العقيدة”. ففي ظل هذه الظروف ماذا يكون على التيار الإسلامي فعله؟

يقول الترابي:” من أولويات البرنامج الإسلامي المستقبلي المجاهدة لتركيز الإيمان وتقرير الأصولية العقدية، وقد كان التيار أمس يستغني بالكلام لدرء الشبهات، وبالشعائر الخالصة لتربية روح التعبير وآداب السلوك ولكنه فيما يستقبل يحتاج إلى أن يتوسل إلى تزكية العنصر الإيجابي الأخلاقي بتكييف بيئة الوجود الإجتماعي كله بما يغذي التدين ويكثف التعبير عنه ويحيل الحياة إلى عبادة خالصة هكذا تكون مضامين الشعائر خشوعاً وتذكرا ومغازي الشرع نيات قاصدة ويكون العمران الإقتصادي والسياسي إعمارا للنفوس بالشكر المتكاثر مع تكاثر الطيبات وبالخوف من مغبة الظلم واستشعارا لأمانة الاستخلاف على المال والسلطان، ويكون الرقي بالعلوم والفنون ارتقاءا في مزيد من المعرفة بالله وإدراك كماله وجماله”.

ومثلما تنبأ الترابي للإسلاميين في السودان باستخراج البترول وتصديره خلال عقد من الزمان، وسألهم في لقاء كبير جمع كل القيادات من جميع أنحاء السودان: هل ستستخدمونه في نشر الدعوة والعدل والحرية وبسط الخير للجوار، أم ستلبسونه عقالات ويتحول لعمارات وسيارات(في إشارة لدول الخليج)؟ كذلك تنبأ الترابي لبلاد العالم الإسلامي بالنهضة والعمران، وأوضح مهمة التيار الإسلامي في هذه الحالة، حيث يقول:”إن البلاد الإسلامية مقبلة في سياق العالم كافة على النهضة والعمران المادي، ومهمة التيار الإسلامي أن يحرص ألا يكون ذلك خرابا دينيا، بل أن يكون ذلك التطور والنهوض موصولاً بالدين مدفوعا ببواعث الإيمان دافعاً لشعابه إلى مقامات أعلى من الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة وهذه أولوية ذات خطر في برنامج التيار الإسلامي، إن ضيعها عرّض المسلمين لفتنة ساحقة وإن رعاها حق رعايتها خرج على العالم كافة بنموذج حضاري رائد”.

أولويات التجديد الفكري

والترابي بعد(تجديد أصول الفقه) و(تجديد الفكر الإسلامي)بدأ مشغولاً بالانتقال من المربع النظري إلى الواقع العملي، وأسماه في بعض الكتابات بـ(الإنتقال من المبادئ إلى البرامج) داعياً إلى إنزال شعار (الإسلام هو الحل) إلى حيز التطبيق، ضارباً مثلاً بطريقته المعهودة : (هي مثل أن يقول الطبيب للمريض الدواء هو الحل، لكن المريض يحتاج لتحديد الدواء عيناً للمرض المخصوص) فيقول في ذلك: “فمن الأولويات المتممة له أن يستدرك أمره بنهضة فكرية تتنزل بدين الحق في أصول الشريعة الخالدة إلى دين الكسب في عمل الناس التاريخي كما تنزل من عالم السماء إلى دنيا الابتلاء، فالمشروع الفكري القادم هو اجتهاد ينتقل من المذاهب والاصول إلى البرامج والفروع لمقابلة حاجة الدعوة والتطبيق في الحياة العامة”.

*أولويات البناء الحضاري
*
ويُركز الترابي في أولويات البناء الحضاري على التعليم وما يتبعه من آداب ورياضة وفنون، فيقول:”وانفرط المفهوم التوحيدي للعلم والعمل، فالتعليم فترة متميزة عن فترة العمل، والتعليم الأكاديمي متميز ومتعال عن التعليم التدريبي التقني، والعلوم الطبيعية انفصمت عن العلوم الشرعية، ونظام الفنون والآداب والرياضة في العالم الحديث يقوم على منشط دنيوي غايته اللهو المحض بالاداء والمشاهدة والافتتان بجمال الشكل والصوت عما وراءه والتنافس على الابداع والمتاع، فالأزمة في هذه النظم الثقافية لا تقتصر على وجوه ممارسة محرمة أو مكروهة، وإنما هي في أصولها ومغازيها المنقطعة عن الله ونهجه، والتيار الاسلامي هو المسؤول عن ريادة ثورة حضارية في هذا المجال.”
دوره في المجتمع

ويُوضح الترابي “أنّ التيار الاسلامي قد نشط في اصلاح مجتمع المسلمين ولكن غالب كسبه ظل محصوراً في تطهيره من الآفات الاجتماعية العرفية والدخيلة” وربما تكون هذه ضرورة أملتها المراحل الأولى، ولكن دكتور الترابي يؤكد على أنّ “التيار الاسلامي مدعو لأن يستأنف دوره الاجتماعي، فيوحّد المجتمع الذي فرقته الأشكال والعصبيات التقليدية قبلية ودينية، وفرقته الأهواء والأوضاع الجديدة أحزاباً سياسية وطبقات اقتصادية، بل الذي شطره التطور شطرين قديما وحديثا بينهما مجانبة كبيرة بين الانشداد إلى الماضي والاتباع لأوروبا، وذلك يقتضي على التيار بسط أطر تنظيم توحيدية جديدة تهييء المجتمع لمختلف شئون حياته الدينية الشاملة بما يتقاسم وظائفه المتباينة ويحفظ الاتساق والشمول.”

قضية المرأة

دكتور الترابي معروف دوره في قضية تحرير المرأة منذ كتابه صغير الحجم كبير المعنى(المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع)والذي صدر في سبعينيات القرن العشرين، وكان له أثر كبير – خاصة في المنطقة العربية وعلى رأسها تونس – كما أقر بذلك قادة حركة النهضة فيها، يقول الترابي: “ولعل أخطر قضية اجتماعية تولاها التيار ويلزم أن يمضي في توليها قدماً، هي قضية المرأة، فقد تجاوز التيار في الخطاب الدفاع عن وضع المرأة في الإسلام إلى البيان الموجب، كما تجاوز في الدعوة التصويب على الذكور وإهمال النساء، فدخلت النساء أفواجاً في تيار الإسلام الجديد واتجه الأمر إلى أن ينهار النمط العرفي الظالم وتنفضح شرعيته المنتسبة عرفا إلى شرع الله، كما اتجه الأمر إلى سقوط النمط الاباحي الغربي وانقشاع فتنته الطاغية”.

ويعتبر الترابي أنّ أولى أولويات التيار الإسلامي:”أن يطور النهضة بالمرأة ليكون أخذها للدّين وعودتها لحياة المسلمين العامة ودورها في الدعوة والجهاد وفي سبيل البناء الحضاري الإسلامي الجديد مسئولية لا أمر جواز ورخصة وحق”كما ويُؤكد الترابي أنّ التيار الإسلامي: “إذا أولى شأن المرأة أولوية وأخذ يُمتن حركة تحرير المرأة وترشيد دورها وعلاقاتها ورسالتها، فسيُحدث ثورة ذات بال في حياة المسلمين، وربما يهدي إلى تاريخهم المستقبل أقيم وأجلّ هبة إجتماعية”.

مسألة الإقتصاد

ومعروف أنّ مسألة الإقتصاد لا تلقى اهتماما في مخيلة الإسلاميين كما السياسة والثقافة والتزكية والإصلاح الإجتماعي، ولكن لابد من أن تكون مسألة الإقتصاد من أولويات التيار الإسلامي، كما يقول الترابي: “ولن يتم البناء الحضاري الاسلامي إلا بأن يولي التيار الإسلامي اهتماما أكبر بشأن الاقتصاد، فمازال جانب كبير من الإسلاميين يتخذون الثقافة ثم الإصلاح الإجتماعي والسياسة وسائل كافية لقيام الإسلام وتمكينه في الحياة، ويغفلون عن الاقتصاد المادي الحديث ضلالا وفتنة للتدين وظلما ومجانبة للشرع وقوة لا دينية يستنصر بها الباطل ويكاد يستبد بها لتوجيه المجتمع وحكمه، ويرجي في مدى العقود التالية أن يتمكن الاقتصاد شغلا للتيار الاسلامي ووظيفة في حركته وركنا في خطته”.

ويُعول الترابي كثيراً على تصدي التيار الاسلامي لمسألة تخلف المسلمين الاقتصادي،لما يراه من دفع الإيمان وطاقته في السير في الأرض وإعمارها، وقد طرح هذه الأفكار موسعة في كتاب(الإيمان وأثره في حياة الإنسان)تحديداً في باب (الإيمان والأوضاع الإقتصادية) وتعويل الترابي على التيار الإسلامي نابع من أنه “وحده من يملك أن يقوم منهجا لتجنيد حوافز الدين الجليلة كلها لدفع النهضة الاقتصادية تعزيزا لحوافز الربح والأجر والمصلحة، وهو وحده الذي يمكن بأصالته العقدية والثقافية أن يقترح نهج التنمية المؤسس على قاعدة أصيلة من الأهداف والوسائل والروح الإسلامية المركوزة في المجتمع، المستقل عن التقليد والاتّباع الذي يرهن مشروع تنميتنا لنماذج كالرأسمالية خائبة لأنها مبتوتة عن جذورها مزروعة في غير تربتها، أو كالاشتراكية معروضة بقوة التضليل المذهبي العالمي نركن إليها دهرا فإذا هي زاهقة كأن لم تغن بالأمس، والتيار الاسلامي وحده يملك إهداء الحل الإقتصادي الذي يُنمّي الدّين والدّنيا معا ويصل المتاع العاجل بالسعادة الأخروية الخالدة ويوازن بين التنمية والعدالة ويعدل للإنسان والبيئة ويوفق ما بين أغراض المعاش وقيم الأخلاق والعلم والجمال وسائر مقاصد الحياة التوحيدية المتكاملة”.

أولويات العمل والبناء السياسي

ويرى الترابي في المجال السياسي:”إنّ أولى الأولويات السياسية للتيار الإسلامي أن يجاهد لتغيير النظم اللادينية الظالمة السائدة في حكم المجتمعات الإسلامية، وذلك يقتضيه أن يطور أساليب الكفاح السياسي لتكون أكثر كثافة وأصالة وفعالية”.ولكن الترابي يؤكد حقيقة ماثلة للعيان:”أنّ التيار الإسلامي ما انفك قوة معارضة، وإن كانت في أغلب الأحيان فعالة تهدد استمرار الشرعية اللادينية الحاكمة وتعسر عليها تطويع الشعب وتعوق اضطراد بناء الدولة اللادينية بالحملة الدعائية والتعبئة الشعبية، بل تقف في كثير من الحالات بديلا لا سواه لخلافة النظام الراهن”.

وفي حالة لا تكون فتنة كبيرة ولا يكون النظام السياسي بالغا في مجانبته للإسلام أو قمعه للتيار الاسلامي، يرى الترابي:”أن يطور التيار الإسلامي أسلوبا أرفق في مقابلة الحكومات، فإن حق التشدد لأول الأمر لشق الطريق واثبات الوجود فإنّ الاعتدال هو الأحكم في المرحلة الراهنة، فذلك أحفظ للبلاد من الصراع المدمر الذي ينهزم فيه فريق، والقول اللين أقرب إلى أن يتذكر النظام ويتوب إلى ما يجمع الأمة ويرضي الله”.

ويُواصل الترابي محدداً أولويات التيار الإسلامي في العمل والبناء السياسي، بالقول:”إنّ حاجة تطوير النظام السياسي النموذج هم ماثل لأغراض الدعوة الحاضرة والبرنامج القادم القريب، وإذا كان الفقه السياسي الإسلامي خاصة يعاني من البؤس النسبي، فإنّ الفقه السياسي لمجتمعاتنا بل للعالم في مرحلة تحول كبير، فغالب نظمنا السياسية انتهت إلى خيبة أو سقوط نزعت الثقة من كل عناصر تجربتها، وغالب النظم السياسية في العالم تعاني من إنهيار الإطار القطري الذي كان وعاءها، ومن قدوم عصر الجماهير الذي كاد يتجاوز الأحزاب تعددا وتوحدا ومن تدهور الأنظمة العدلية من حيث عدلها ونجازتها ومن جنوح الحريات الفردية – حيث تتوافر – نحو غلبة الإجرام والفساد”.

ومما يُصعّب المهمة على التيار الإسلامي أنّه:”لا يملك نموذجاً تاريخياً ليكون به مقلدا ولا يبتغي نموذجا عصريا يحاكيه بحذافيره، وأنّ المسائل دقيقة وكثيرة”. وهنا يطرح دكتور الترابي عدداً من الأسئلة يحتاج التيار الإسلامي الإجابة عليها في غضون(الثلاثة عقود القادمة) وهي:”كيف تكفل سيادة الشريعة؟ وكيف يقام نظام قضائي متجرد وناجز؟ وكيف نحمي الحرمات والحقوق، بينما نحفظ الواجبات والتكاليف والطهارة من الفساد؟ وكيف نبسط الشورى ، فلا تقتصر على شكليات رسمية ولا تحتكر لفئة دون سائر الناس؟ وكيف تعاد صياغة نظم الحكم والسياسة في مجتمع مستقبلي بتطوره واتصالاته وعلاقاته؟

ويُخبر الترابي أهل التيار الإسلامي عن البيئة الإجتماعية التي سيتم فيها الإجابة على الأسئلة التي طرحها آنفاً فيقول:”كل ذلك في مجتمع انتقالي مختلط تتنازعه توجهات شتى في السلوك السياسي، وضعيف تدخل عليه مؤثرات أجنبية ماكرة من نظم الاستكبار العالمي، ومتخلف تسود فيه الأمية والتبعية وتضطرب به أزمات المعاش والأمن”.

أولويات العلاقة الدولية

ويرى الترابي أنّ أهم أولوية – وتكاد توازي كل الأولويات السابقة – هي استكمال عملية التحرر والإستقلال:”لربما يقدر المرء أنّ كل ما قدمنا من أولويات ملحة لا تعني كثيرا في جنب أولوية استكمال التحرر والاستقلال التي يقع عبئها الآن على التيار الإسلامي بعد أن مهد له التيار الوطني السابق شكلا من الاستقلال الرسمي”. وكذلك يعتقد دكتور الترابي:”أنّ التيار الاسلامي مدعو لإقامة شهادة نفي التعبد لغير الله والتحرر له تعالى وحده والتخلص إلا من منهاجه وشرعته”.

وأيضاً يرى أنّ التيار الإسلامي: “هو الذي يمكن أن يعلن عقيدة التوحيد لا في وجه شرك التصورات والشعائر والسلطان والهوى وحسب بل في وجه شرك الطاغوت العالمي”. ويضع الترابي للتيار الإسلامي خطة عملية لمواجهة الإستكبار العالمي”يلزم التيار الإسلامي أن يعلن عقيدة التوكل والعزة والثقة بالله، وإرادة التحرر والقوة والاستقلال ولن يكون ذلك بالتعليم والتربية ولكنه يتعزز أيضا ببناء القوة الإقتصادية والإعلامية والعسكرية في عالم ذرائعي لا يعرف الحق إلا بالقوة ويرى حجة المذهب أو الموقف في واقع النجاح”.

ودعا الشيخ الترابي التيار الإسلامي لتطوير خطاب للعالم بقوله:”ثم على التيار الإسلامي أيضا أن يطور خطاب الدعوة نحو العالم، فهو يتصل بالخطاب المحلي اتصالا وثيقا من جراء وسائل الاتصال والنشر ولابد وقد أخرجنا للناس من أن نخرج عليهم بوجه جديد لا يذل ولا يخجل وصوت غير متعذر ولا منهزم”.
وبعد قراءة متأنية للخارطة العالمية حدد دكتور الترابي قارتي افريقيا وآسيا كأولوية للتيار الإسلامي: وفي افريقيا وآسيا حيث تسود فيها ملل تائهة وتستبد لها أحوال من التبعية الامبريالية والعصبية العرقية والقطرية والبؤس الإقتصادي والأخلاقي والحروب الأهلية وتستدعي لذلك أن نوليها أولوية عاجلة”.

وشدد الترابي على ضرورة التعاون والتفاعل مع العالم وتطوير نموذجه العادل:” إنّ الهموم العالمية في التحرر والدعوة لا ينبغي أن تشغل التيار الإسلامي عن الاستعداد للقيام بتمام الخروج على العالمين تعاونا وتفاعلا، فعالمنا العام واقع اتصال لا مجال فيه للقطيعة، وإسلامنا الخاص منهج بلاغ وقدوة وسلام ورحمة للعالمين، ونحن أدعى بأن نطور النموذج العادل الرشيد لنظام عالمي جديد”.

وتحدث دكتور الترابي عن ضرورة وحدة التيار الإسلامي كمقدمة لوحدة الأمة: “فمن الأولويات المستحقة على التيار الإسلامي أن يرفع توجهات الوحدة في الأمة من حلقاتها الدنيا بين الجيران والأقوام المنشقين إلى إطارها الكلي الجامع، وأن يكون هو للمستقبل قائد حركتها الشعبية الموحدة إلا حيث يتمكن وتحق عليه مسئولية السعي الرسمي لتحقيق الوحدة.

وقد يكون أول الطريق أن ينظر في توثيق وحدته هو ليتخذها مثالا للوحدة الاكبر”.

ثم ختم موضوع الوحدة ومنهجها بقوله:”ولكن على التيار أن يمضي في ضوء منهج التوحيد الحركي وتحقيقه، وأن يطور أيضا منهج التوحيد القطري توازنا بين المحلية والعالمية ولو إدراجا للانتماء في الولاء الأصغر في سياق الانتماء في الولاء الأكبر”.

خاتمة المطاف

ويظل السؤال حاضراً ماذا نفذت الحركة الإسلامية من هذه الخطة ؟ وهل هناك من يُراجع ويُقيّم ويُقوّم ويُصوّب ويُسدد ويُقارب ؟ والسؤال الأولى والأهم: من سيضع خطة الثلاثين عاماً القادمة ؟ أم قُبر الفقه والفكر واستشراف المستقبل والتخطيط الإستراتيجي وصناعة الأفق مع صاحبه ؟ وأخيراً فقد وصف الأستاذ فتح العليم عبد الحي(الباحث في الفكر والتراث الإسلامي)، وصف الشيخ الترابي بما قاله الفيلسوف ميشيل فوكو في كتابه (نظام الخطاب) حيث قال: الترابي مثل ” النصوص التأسيسية الكبرى، تتكلم بصمتها وبنطقها “.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...