ارتفاع صوت القبلية… هل يحمي المناصب الدستورية؟
عبدالله أوبشار: التصريحات القبلية مرتبطة بالجانب الاجتماعي أكثر من السياسي
محمد محي الدين: ارتفاع صوت القبيلة تعبير عن إحساس بعدم الاستقرار السياسي
أزهري بشير: خطاب الكراهية، وعدم قبول الآخر ظواهر دخيلة على السودان
في غضون أيام حذرت قيادات أهلية من المساس بالفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بحمدتي واعتبرته خط أحمر لا يجب المساس به حيث لم يمضِ على هذا الحديث أيام خرجت أيضاً قبيلة النوبة محذرة من المساس بأبنائها التي ينحدرون منها الفريق أول شمس الدين كباشي ومبارك أردول الأمين العام للحرية والتغيير التوافق الوطني، ووصفت تلك التصريحات بأنها تهدد الأمن القومي السوداني وتغلب القبلية علي القومية السودانية ويرى مراقبون أن هذه التصريحات تشكل بالخطورة بمكان في تولي المناصب الدستورية التي من واجب من أن يتولاها خلع ثوب القبيلة ويرتدي ثوب القومية السودانية، لكن ما برز من تصريحات من القيادات وجد استهجاناً واسعاً من جميع ألوان الطيف السوداني إذ يمثل ذلك مدعاة للفتن بين مكونات الشعب السوداني في حماية أبناء المناطق أو القبائل الذين يتولون مناصب قيادية قومية وتجعل المناصب بدلاً أن يحميها القانون والدولة تحميها القبيلة.
تصريحات خطيرة
وصفت القيادية والناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية جناح جلاب كفاح تيراب، لـ(اليوم التالي) تصريحات القيادات القبلية وزعماء الإدارات الأهلية بحماية أبنائهم بأنها خطيرة في ظل عمل الجميع من أجل سودان موحد يسع الجميع ويسند بآراء تنصب في مصلحة الشعب السوداني بصفة عامة.
وقالت إن هذه التصريحات مرفوضة جملة وتفصيلاً، بغض النظر عن الأسباب التي أدت للتصريحات، مؤكدة تأثيراتها على الوضع الانتقالي، فضلاً عن أنها تزيد من التعقيدات السياسية بتعقيدات قبلية وجهوية في ظل سعي الجميع للخروج من النفق المظلم، وزادت: إذا تقوقعنا في الجهوية والقبلية وأي شخص سعى لتكوين جيش ومنظومة تحميه، سيضيع السودان من بين أيدينا في ظل هذا الاصطفاف وسنظل في وضع كارثي تماماً، وأردفت أن مثل هذه التصريحات تجعل لكل شخص يتولى منصباً قومياً تكون لديه بطانة يشد بها ظهره، مشددة على أن يتمتع كل من يتولى منصباً عاماً بالقومية ولابد أن يقف على مسافة وسطية واحدة من جميع الإثنيات والقبائل السودانية بحكم المنصب العام، وأنه لا يمثل قبيلة بعينها، بل يمثل السودان أجمع وذهبت إلى أنهم في الحركة الشعبية يكرسون للقومية وسودان يسع الجميع.
شعارات سياسية
من جانبه قال الأمين العام للمجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، عبدالله أوبشار لـ(اليوم التالي) إن التصريحات القبلية التي انتشرت مؤخراً مرتبطة، بالجانب الاجتماعي أكثر من الوضع السياسي الراهن، خاصة وأن القادة السياسيين هم من تبنوا قضايا الشعوب وتصدروا المشهد، وأن قيادتهم للمشهد ليست حصرياً على بني جلدتهم أو أهلهم أو شخصهم وفق تعبيره، وأضاف: وإذا كان هنالك ضرر سيشمل كل السودان وهذه المسألة لا تنضوي في قبيلة أو مكون حتى يصرح بالحماية وزاد: ليس هنالك من يظن في شخص لانتمائه لقبيلته أو إثنيته والموضوع مرتبط بخلافات وآراء سياسية لحدٍ كبير.
واعتبر أوبشار أن التصريحات شعارات سياسية فقط، ولن يكون لها أي تأثير على الوضع في السودان ومضى إلى أن الشعب السوداني حكيم ولديه تجارب أفادت كثيراً حتى لو كانت هنالك أخطاء ربما زعماء الإدارات الأهلية هم الذين يتصدرون المشهد ويسعون إلى حل المشاكل، وتابع: وإذا صدرت بعض التصريحات القبلية بشكل صارخ قد تؤدي إلى إشارات سالبة، وفيها خطأ كبير من الإدارات الأهلية وقال أوبشار: نتمنى أن هذه القضية لا تتجاوز الرؤية الأهلية ولكنها لا تعدو أكثر من أنها شعارات سياسية، ونوه الى أنه إذا أخذت التصريحات من الأشخاص في إطار سياسي على الدولة معالجة هذه القضية بشكل شفاف بعيداً عن أخطاء التشفي على أي شخص وتابع أن المسألة لا تؤخذ في إطار القبلية على حساب القومية وأن الشعب السوداني واعٍ وقومي.
ومن جهته يرى الباحث والمحلل السياسي محمد محي الدين في حديثه لـ(اليوم التالي) أن ارتفاع صوت القبيلة تعبير عن إحساس بعدم الاستقرار السياسي وأن هذه سانحة لتحصيل مكاسب سياسية لصالح القبائل بدوافع مختلفة واصفاً ما تقوم به القبائل بالأمر الخطير ويؤثر على الاستقرار بشكل كبير وتابع: من ناحية أخرى هذه الدعوات القبلية تدلل على أن المنظومات السياسية والأحزاب غير قادرة على التعبير عن احتياجيات المواطنين في المناطق الطرفية الذين شعروا بأن إسناد أبنائهم سيحقق لهم مصالح أكثر من إسناد برنامج لأحزاب سياسية لا تمتلك رؤية لتقديمها في معادلة الحكم خلال الفترة الانتقالية، وزاد: بالطبع هذه التصريحات الأهلية لديها خطورة لأن ذلك سينمي دعوات القبلية لمناصرة العاملين في مؤسسات الدولة المختلفة سواء أن كانت أجهزة نظامية أو الخدمة المدنية الأمر الذي يقود إلى تسييس المؤسسات والذهاب بها في اتجاه المناصرة والاصطفاف القبلي الذي سيفقدها قوميتها وهذا أخطر ما في القضية، وتابع محي الدين قائلاً: المهم أن يفرق الناس بين الانتماء القبلي وبين الصبغة القومية لمؤسسات الدولة المختلفة لأن من حازوا على المناصب حازوها بالترقي الطبيعي للعمل إذا كان عسكرياً أو في الخدمة المدنية، بالتالي لا يجب أن يذهب الناس في اتجاه الدعم المكشوف القبيلة لهذا الشخص أو ذاك لأن هذا الأمر لديه تأثيراته خاصة على الفترة الانتقالية ويجب على الجميع أن يعمل على إسكات هذه الدعوات العنصرية البغيضة.
الصراع السياسي
وأكد الباحث والمحلل السياسي أحمد عابدين لـ(اليوم التالي) على أن الاصطفاف مرفوض لأن نتائجه وخيمة حتى على مستوى ذات القبائل التي اصطفت أو التي ستصطف في مقبل الأيام ويشكل مدخلاً خطيراً لتفكيك اللحمة الوطنية وتشجيع لأي أطماع خارجية وهذا أيضاً يعكس هشاشة التكوين السياسي للقوي المدنية ومدى فشلها في توحيد الحس الوطني وجعله الخط الأحمر وأيضاً يشكك الاصطفاف في مدى تأثير الصراع السياسي الحزبي في تراجع قادة الدولة نحو حواضنهم الاجتماعية وهي في نظرهم الملاذ الذي يمكن أن يحفظ عملية التوازن. وتابع عابدين:
البيئة الحالية ساهمت في تراجع الحس الوطني القومي فحين ترى القبائل هذا العبث من الأفندية (الخرطوميين) حسب تعبيره طيلة أربعة سنوات وهم من قادوا أبناءهم للسلطة من الهامش المحروم تاريخياً من كافة المزايا فإنهم بحسهم المحلي يعبرون عن تضامنهم وتمسكهم بهذا الكسب بلغتهم أو تعبيرهم الذي يراه أبناء المركز باعثتُ للقبيلة، ولكن ماذا لو أفشت الأقدار ما يدور سراً من مشاريع إقصائية عنصرية يظهرها أصحابها للعامة بكياسة ونعومة يلبسونها ثوباً قومياً وطنياً لتظهر مقبولة. وزاد: مع ذلك فإن ما يحدث الآن من اصطفاف قبلي هو فقط أسلوب خشن لتوصيل رسائل تحذيرية أننا لن نقبل مرة أخرى بالعزل أو الاستعلاء، فزعماء هذه القبائل هم قادة خرجوا من بيوت ساهمت في تشكيل الوجدان الوطني القومي وأن ذات هذه القبائل لديها عقلاء لن يتركوا الأمر ينزلق وفي المقابل فإن النازية (الخرطومية) مطالبة باستيعاب هذه الرسائل وتعديل منهجها القديم أو سيغشاها الطوفان الوطني ويزيلها، وأردف: كذلك فإن أبناء الهامش مطالبين بالتواضع واستيعاب الفرصة لصالح عملية البناء الوطني المنشود وليس ابتزاز الآخرين وممارسة ذات أدوات القمع التي استخدمت ضدهم سابقاً، لأن ذلك ستنتج عنه مقاومة ضدك وبأدوات متقدمة عليك وبهذا ستثبت للآخرين حقيقة أنك لا تصلح لحكم البلد.
فيما يرى القيادي بحزب الغد الديمقراطي دكتور أزهري بشير في حديثه لـ(اليوم التالي) أن ما حدث من خطاب كراهية برز خلال السنوات الأربع الماضية من عمر الحكومة الانتقالية، وبرزت ظواهر دخيلة على المجتمع السوداني، واستمرار التهميش ما يزال قائماً، ومن هذه الظواهر انتشار المخدرات، وخطاب الكراهية، وعدم قبول الآخر، وأن ثورة ديسمبر لها أهداف نبيلة، ولكن هنالك أعداء للنجاح، استطاعوا شق الصف السوداني، والفتنة وبروز ظاهرة العنصرية والقبلية، مما أدى إلى خلافات ونزاعات قبلية في الشرق ودارفور وكردفان وكان قبل أيام في لقاوة، كل ذلك بسبب ضعف الدولة، التي سمحت بالتدخلات الأجنبية في الشأن الداخلي وزاد: وعليه لابد من المخرج الأمن لسلامة الإنسان في السودان وذلك لابد من قيام الانتخابات بأسرع ما يمكن، السودان يحتاج إلى حكومة شرعية منتخبة لمعالجة الأزمات المتلاحقة والصراعات القبلية والسياسية، لتحقيق السلام الشامل والتنمية المستدامة، ووضع دستور دائم متفق عليه وأردف أزهري: إذا تكاملت كل الأهداف السابقة من المؤكد ستنتهي القبلية ويكون الولاء للقومية السودانية في جميع مؤسسات الدولة التي يكون عنوانها المساواة والعدالة في كل مستويات الحكم.