ما بين (شروني) و(الستين)… القوى السياسية تسعي لترجيح ميزان القوة
حزب الأمة: نتيجة الانتخابات المقياس الحقيقي للقوى السياسية
الحرية والتغيير: الشارع مقياس لخط مطالب الشعب السوداني
محلل سياسي: الشارع المقياس الأمثل لقياس قوة وقدرة الأحزاب في التأثير الخرطوم: محجوب عيسى
تسعى القوى السياسية لترجيح ميزان القوة لصالحها، حيث استمرت قوى الثورة على الحشد المستمر للشارع في منطقتي باشدار وشروني، أشهر نقاط تجمع قوى الثورة، فيما اتخذت القوى المضادة للثورة، شارع الستين شرق الخرطوم منصة انطلاق لحشد مؤيديها ومناصريها، واختلف متحدون لـ(اليوم التالي) حول مقياس القوى السياسية من خلال الشارع، إذ يرى البعض أن الشارع مقياس حقيقي ومثالي لقياس القوة السياسية وآخرون يعتبرون الشارع مقياس لخط مطالب الشعب السوداني، وليس القوة، فيما اعتبر تيار ثالث نتيجة الانتخابات مقياس القوة السياسية.
ميزان السياسة
يقول المحلل السياسي عبد القادر محمود: لا يختلف اثنان حول فكرة أن إرادة الجماهير هي الغالبة في ميزان السياسة المتأرجح بين القبول والرفض والسلطة والمعارضة، واعتبر محمود في إفادة لـ(اليوم التالي) الشارع المقياس الأمثل لقياس قوة وقدرة القوى السياسية في التأثير على مسار العملية السياسية، مستشهداً بثورات الربيع العربي التي من خلال الشارع استطاعت أن تسقط أعتى الديكتاتوريات المدنية والعسكرية التي حكمت بلدانها بالحديد والنار.
وأضاف أن الشارع يشكل المقياس الحقيقي لمدى قدرة وقوة وإرادة الجماهير في إحداث الفارق النوعي في عملية التغيير السياسي والعملية السياسية بشكل عام، وأن شعار (الشارع بس) الذي هتف الثوار وما زالوا يهتفون به في مواكبهم المستمرة وقد أخاف السلطة الحاكمة لدرجة إغلاق الجسور واستخدام الساتر بالأكياس المعبأة بالتراب.
وأشار إلى أن الشارع السوداني لم يقتصر فقط في الستين وشروني وأوماك، بل على العكس شمل مساحات واسعة باتساع أرض السودان وفرقانه وقراه ومدنه، فضلاً عن أن احتجاجات المواكب ومليونياتها التي خرجت في الأيام الماضية، اتسعت رقعتها لتشمل العديد من المدن السودانية، واستدرك: لكن لم تحظ بمستوى الاهتمام الذي حظيت به شوارع الخرطوم التي أقرب إلى دائرة الضوء ومراكز التغطية الإعلامية المسموعة والمرئية والمقروءة.
اختلاف جوهري
وبحسب محمود أن شارع الستين ومحطة شروني وباشدار والأربعين والمؤسسة ومحطة سبعة هي الأكثر حضوراً في وسائل الإعلام فإن ذلك يمكن فهمه في سياق حيوية وقوة إرادة الشباب وتنسيقيات لجان المقاومة بولاية الخرطوم في المضي قدماً نحو تحقيق أهداف الثورة والوصول بالدولة إلى مرمى المدنية والديمقراطية، وأنه سعي حثيث لقوى الثورة يدفعه الوعي والاستنارة لشباب الثورة الذين يتفاوتون في التحصيل الأكاديمي والدرجات العلمية والإيمان بمبادئ الدولة المدنية.
وطبقاً لمحمود إن الاختلاف الجوهري بين شوارع الثورة وشوارع القوى المضادة للثورة هو أن الشارع الثوري قوامه القوى الشبابية الفاعلة التي لن يهدأ لها بال إلا عند بلوغ الأهداف الكبرى للثورة السودانية، بينما الشارع المضاد للثورة الذي يتشكل ويتلون بالمبادرات والدعوة للتوافق الوطني قوامه فلول النظام البائد وموظفي البيروقراطيات الممسكة بزمام المؤسسات المدنية والعسكرية في الدولة والمستفيدين والمنتفعيين من بقاء الانقلاب العسكري، معظمهم من المتقدمين والطاعنين في السن، وقوة هؤلاء لن تستطيع أن تؤثر في المشهد السياسي بمقدار تأثير قوى الثورة المستمر دون ملل.
وتابع: لا أعتقد أن قوى الثورة المضادة (نداء السودان) تستطيع أن تستمر في تحريك الشارع بشكل منتظم ودائم كما يفعل ثوار الشوارع في شوارع الحضر والريف.
مقياس القوة
يؤكد القيادي بالحرية والتغيير المجلس المركزي المعز حضرة في تصريح لـ(اليوم التالي) أن الشارع يظل مقياس القوة، وقال إن قوى الثورة تخرج في شوارع الخرطوم والولايات الدمازين زالنجي، نيالا، النيل الأزرق، وأن فلول النظام السابق قبل انقلاب أكتوبر كانوا مختبئين، وخرجوا بعد أن نالوا الضوء الأخضر، من السلطة لجهة أن الجبهة الإسلامية في تاريخها لا تخرج مظاهراتها في ظل سلطتهم وفي حال غيابها لا وجود لهم في الشارع وأنهم ظهروا بعده توفير الحماية لهم من قبل البرهان.
ويشير إلى مظاهرات نداء السودان في شارع الستين، أنها لا تقارن بخروج قوى الثورة في مناطق السودان المختلفة، وذلك لغياب القمع وفتح الطرق والجسور والحماية للمتظاهرين.
أوزان حقيقية
غير أن رئيس القطاع السياسي في حزب الأمة فتحي حسن عثمان في إفادة لـ(اليوم التالي) يرى أن الشارع من الوسائل المدنية للتعبير عن الرأي وأن المقياس المعتمد في كل بلدان العالم لقياس تأثير وقوة أي حزب هو نتيجة الانتخابات الحرة النزيهة، وذلك لأنها تعبر ليس فقط عن تفويض رسمي وإنما تعكس الأوزان الحقيقية لكل الأحزاب والقوى السياسية.
ويعتبر الفترة الانتقالية الحالية الأكثر اضطراباً وعبثية وفوضوية من حيث التصنيف قياساً بفترتي أكتوبر في الستينيات وأبريل في الثمانينيات نتيجة للتأسيس الخاطئ للفترة الانتقالية من سلطة مستقلة بفترة زمنية قصيرة تحضر للانتخابات العامة إلى سلطة محاصصات حزبية دون تفويض شعبي وتشاكس وإقصاء، وإقصاء مضاد من مجموعات حزبية صغيرة تفتقر إلى السند الجماهيري والمجتمعي استمرت في الحكم دون تفويض أو توافق علاوة على أن ذات المجموعات أنتجت حالة السيولة وانسداد الأفق السياسي بادعاء عريض مزيف أنها تحتكر الثورة وتحتكر الشارع فقامت بإقصاء كل المكونات الاجتماعية والسياسية ولما اختلفوا حول السلطة الانتقالية أقصوا حتى الذين وقعوا معهم على إعلان الحرية والتغيير فانتهي الأمر وقضت على حلمهم إجراءات البرهان في أكتوبر من العام الماضي.
وبحسب فتحي إن القوى السياسية والاجتماعية التي أبعدت وتم إقصاؤها في تجميع صفوفها وظهرت مبادرات نداء أهل السودان والترتيبات الدستورية والتوافق الوطني والتراضي الوطني وأن جميع المبادرات ستنزل إلى الشارع سواء أن كانت كل على حده أو مجتمعة، وأن التأثير السياسي تدور رحاه في العاصمة وينتقل إلى بعض الولايات والأقاليم ذات الخصوصية مثل شرق السودان، ويدرك الجميع أن الشارع لم يعد محتكراً لأحد، وزاد: “فالشارع قصاد الشارع والحشاش يملأ شبكتو”.
خط سياسي
ومن جهتها تقول الناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي سلمى محمد نور، في تصريح لـ(اليوم التالي) إن الشارع ليس مقياساً للقوى الكتل السياسية والأحزاب، إنما مقياس لخط مطالب الشعب السوداني، الخط السياسي والرؤية التي تدعم مطالب الشعب وغاياته من مدنية وديمقراطية يخرج ويدعمه، ولا يدعم الخط السياسي الذي لا يدعم مطالبه، لجهة أن الانتخابات توضح ممثل الشعب بصورة شرعية وتحدد اختيار الشارع وفق البرنامج الانتخابي والشخصية والكتل التي تدير العملية السياسية.
وفي السياق ذاته، تقول عضو المكتب السياسي في حزب المؤتمر السوداني عبلة كرار، إن خروج التيار الإسلامي إلى الشارع يعد بداية نهايته، لجهة أنه فشل في تحريك الجماهير والشارع وذلك لعزله ومقاطعته من الشعب.
واتفقت كرار في حديثها لـ(اليوم التالي) مع المعز حضرة بأن الشارع مقياس للقوة، وذلك لأن الرأي والخيار بجانب السلطة للشعب، وأن خروج الشارع هو من يعبر عن تطلعات وآمال الشعب السوداني، الذي يسعى لاستعادة التحول الديمقراطي واستئناف الفترة الانتقالية.
وتوقعت نجاح القوى التي تستند على قوة الشارع والتي تحدت عنف وبطش القوات النظامية.
وفي الوقت ذاته أكدت عبلة عدم تراجع شوارع الولايات وقالت إنها تخرج وتشارك في المواكب بجانب المركز، مشيرة إلى خروج الشارع في المركز والولايات في موكب 30 أكتوبر.
وقالت إن الشارع يخرج في المواكب العادية بأعداد محدودة، ويخرج بزخم في المناسبات الكبيرة مثل 25 أكتوبر.
مواكب الشارع
وظلت لجان المقاومة وقوى سياسية تدعو للخروج في مواكب منذ انقلاب 25 أكتوبر الماضي 2021، وآخر “مليونية” الثلاثاء 25 و30 أكتوبر، للمطالبة بالحكم المدني الكامل وإبعاد العسكر من السلطة.
وتأتي فعاليات في الذكرى الأولى لما تسميه بعض القوى السياسية الإطاحة بالمرحلة الانتقالية في السودان التي كانت بدأت بعد إسقاط عمر البشير هدف الوصول إلى حكم مدني.
وكان قد تجمع متظاهرون من الإسلاميين أمام مقر بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم، احتجاجاً على وساطتها في الأزمة السودانية بين العسكريين والمدنيين.
وأقام المتظاهرون منصة مزودة بمكبرات صوت ورفعوا لافتات كتب عليها “لا للتدخلات الأجنبية” و”لا للرباعية”، في إشارة إلى وساطة الأمم المتحدة، وقام المحتجون بإحراق صور المبعوث الأممي للسودان فولكر بيرتس رافضين للتدخل الأجنبي في السودان.