الاقتصاد ومعاش الناس.. آخر الأولويات

تقرير: سنهوري عيسى
انقضى نحو عام على قرارات (25 أكتوبر) التي أصدرها الفريق أول عبدالفتاح البرهان القائد العام لقوات الشعب المسلحة من أجل تصحيح مسار الثورة السودانية وإجراء انتخابات وتسليم السلطة الى حكومة منتخبة، بينما حظيت تلك القرارات بردود أفعال واسعة محلياً وخارجياً، بين مؤيد ورافض، فيما تم تعليق المساعدات الدولية للسودان وربط عودة المساعدات بتشكيل حكومة مدنية لإدارة الفترة الانتقالية وإعادة المسار الديمقراطي.
وبعد مرور نحو عام على قرارات 25 أكتوبر، برز سؤال عن التداعيات الاقتصادية لتلك القرارات وتأثيرها على الاقتصاد السوداني ومعاش الناس..؟
وتباينت آراء خبراء الاقتصاد بشأن التداعيات الاقتصادية لقرارات الخامس والعشرين من أكتوبر على الاقتصاد السوداني ومعاش الناس، حيث يرى خبراء اقتصاديون، أن القرارات أثرت على حياة الناس والاقتصاد الوطني بتوقف المساعدات الدولية للسودان وغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار والتضخم وزيادة عدد الفقراء وانتشار الجريمة، بينما يرى خبراء اقتصاديون أن السبب الرئيس في الوضع الحالي هو الأزمة السياسية الناجمة عن عدم قدرة الأحزاب السياسية على الوصول الى توافق فيما بينها حول رؤية واضحة للمرحلة الانتقالية تمثلت في الصراعات بينها.

تعطل الدولة
ويرى دكتور محمد الناير الخبير الاقتصادي أنه بعد قرارات الخامس والعشرين من شهر أكتوبر 2021 تعطلت الدولة ولم تمضِ بصورة جيدة لأسباب ولاعتبارات عدة من بينها لم يتم تشكيل حكومة الكفاءات الوطنية، ولم تشكل هياكل الحكم، بجانب عدم التوافق بين القوى السياسية من أجل خلق استقرار سياسي وأمني ينعكس إيجاباً على الاستقرار الاقتصادي استناداً على موارد السودان وثرواته الضخمة.
وأضاف الناير: لم يتم تشكيل حكومة كفاءات وطنية في السودان ذات مهام محددة تكمن في تحسين معاش الناس وإجراء الانتخابات، فضلاً عن غياب هياكل الحكم المدني الأمر الذي انعكس سلباً على المشهد الاقتصادي ومعاش الناس.
ومضى الناير إلى القول إن المجتمع الدولي اتخذ قرارات الخامس والعشرين من شهر أكتوبر سبباً لعدم التعامل مع الحكومة، وإيقاف المساعدات الدولية للسودان.

تدهور قيمة الجنيه
وأكد دكتور هيثم محمد فتحي الخبير الاقتصادي أن عدم توافق القوى السياسية تسبب في الوضع الراهن بالبلاد.
وأضاف هيثم: كان هناك تدهور متسارع لقيمة الجنيه السوداني، وانكساره أمام العملات الأجنبية، أدى لتداعيات اقتصادية كبيرة تمثّلت بانخفاض قيمة الرواتب مقارنة مع الأسعار، التي وصلت بالنسبة لبعض المواد الغذائية الأساسية إلى حد الثلاثين ضعفاً، وسط تراجع القوة الشرائية للمواطن، في ظل مستويات عالية من التضخّم.

أزمة الاقتصاد
وأكد هيثم أن الاقتصاد السوداني أمام أزمة حادة لا يمكن حلها بدون مساعدات مالية وقروض من الخارج، في ظل ضعف الاحتياطات من النقد الأجنبي وارتفاع مستويات الفساد وتراجع الإنتاج، فإما أن نحصل على المساعدات والقروض وفعلاً هي تعتبر مسكنات مؤقتة للوضع الحالي.
رفع الدعم
ومضى هيثم الى القول: إن رفع الدعم كان ضرورة لابد منها لمعالجة جذور التضخم الذي بلغ معدلات عالية وتخطى حاجز الأمان، حيث عمل رفع الدعم، على الوفرة وعلى استقرار سعر الصرف بعد تحريره، لأن الفرق سنوياً بين الصادرات والواردات كان قرابة الضعف، مما استدعى من الحكومة طباعة النقود حتى تغطي هذا العجز، ونتج عن ذلك ازدياد التضخم.
تجميد المساعدات
ونوه هيثم الى أن أمريكا جمدت برنامجاً يتيح للسودان 700 مليون دولار، وكذلك توقف برنامج تخفيف ديون السودان الخارجية التي بلغت 59 مليار دولار تقريباً، كما أوقفت مؤسسات تمويل دولية خططها لدعم الاقتصاد السوداني ومنها البنك الدولي، مع تراجع كبير في الاستثمارات الوطنية الأجنبية.
عجز الموازنة
وأكد هيثم أن غياب الدعم أدى لصعوبات بالغة في ميزانية العام 2022، وستستمر الصعوبات في موازنة العام 2023م، خاصة وأن هناك بنود لا تستطيع الدولة القيام بها دون مساعدات خارجية، وأهمها بنود التنمية، واستحقاقات سلام جوبا، والمشاريع التنموية في مناطق النزاعات، فالقروض والمنح أداة من أدوات سد العجز في الموازنة.
عدم وفاء
وأكد هيثم أنه رغم أن الحكومة نفذت 90% من روشتة البنك الدولي، إلا أن المجتمع الدولي لم يفِ بالتزاماته تجاه السودان، مما عقد المشهد الاقتصادي بشدة، كما جاءت إجراءات 25 أكتوبر، وقلبت الأمور رأساً عن عقب، فقد فقدت البلاد الدعم الخارجي، والمساعدات المتمثلة في إنشاء المشاريع، وتقديم المنح والقروض.
خطة إنهاء العزلة
ونوه هيثم الى أن هناك خطة اقتصادية للحكومة الانتقالية بدأها دكتور عبدالله حمدوك لإنهاء عزلة السودان الدولية برفع العقوبات ومعالجة الديون المتراكمة، ولكن هذا لم يكن كافياً في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، ولذلك كان التفاوض مع صندوق النقد والبنك الدولي على قروض بمليارات الدولارات مقابل برنامج إصلاح يشمل رفع الدعم وتحرير سعر الصرف، وتكريس هيمنة الحكومة على قطاع المؤسسات العامة، وتصفية وخصخصة عدد من الشركات المملوكة للحكومة، إلى جانب فرض مزيد من الضرائب، كما أن مجموعة نادي باريس لم يصدر أي بيان منها، وكل ما حدث هو صدور التقرير السنوي لنادي باريس لعام 2021م.
وـضاف: هناك قرار سابق بوقف توقيع الاتفاقية متعددة الأطراف لإعفاء 14 مليار دولار بسبب إجراءات 25 أكتوبر التي قام بها البرهان وبسببها تم وقف الكثير من المفاوضات مع كثير من المؤسسات الدولية المالية والاقتصادية.

آثار قرارات 25 أكتوبر
وفي السياق ذاته يرى الأستاذ محمد نور كركساوي الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير (تيار الوسط)، أن ما أحدثته قرارات 25 أكتوبر من تأثيرات على الاقتصاد السوداني ومعاش الناس، يشابه ما أحدثته عجوبة في مملكة سوبا.
وأضاف كركساوي: بعد أن بدأ الاقتصاد السوداني في التعافي من جراء الإصلاحات الهيكلية التي بدأها د. إبراهيم البدوي وزير المالية في عهد رئيس الوزراء دكتور عبدالله حمدوك منذ عامي ٢٠٢٠/ ٢٠٢١ م، حيث بلغت نسبة التضخم إلى أعلى قمته بأكثر من ٤٠٠% وسعر الصرف إلى ٤٧٥ جنيه مقابل الدولار، ولكن بعد وصول بوادر المساعدات ١.٢ مليار دولار من البنك الدولي وصندوق النقد و٧٠٠ مليون دولار إعانة مصدقة جاهزة للصرف من أمريكا وإعفاء ١٤ مليار دولار من ديون نادي باريس على السودان، كل هذا جعل نسبة التضخم تتراجع إلى ٣٧١% وسعر الصرف إلى أقل من ٣٧٥ جنيه للدولار حتى بداية الربع الأخير من العام ٢٠٢١ ثم بعدها حدث انقلاب ٢٥ أكتوبر وبسببه تم تجميد جميع الإعانات والقروض الميسرة وفرص التدريب والاستثمار من البنك الدولي وجميع صناديق الاستثمار الدولية بقرار أممي بما في ذلك المنظمة الإفريقية.

تحدي الموازنة
وأكد كركساوي أن هنالك تحدٍ كبير يواجه الموازنة من حيث الإيرادات التي تعتمد على ثلاثة بنود من بينها البند الخارجي (المنح والقروض) الذي يمثل أكثر من ٣٠% من إجمالي الدخل القومي، وقد فقدناه بعد المقاطعة والتجميد هذا بالإضافة إلى فقد بند أرباح الشركات العامة والتي لا تصل إلى وزارة المالية بسبب التجنيب داخل هذه المؤسسات أو الوزارات.
وأضاف: لم يتبقّ إلا إيرادات الموازنة غير بند الضرائب المباشرة وغير المباشرة حيث بلغت مساهمتها لحدود أكثر من ٦٥% من إجمالي الدخل القومي لميزانية ٢٠٢٢ وهذا يعني الضغط على جيوب المواطنين سواء منتجين أو مستهلكين مما أفقدهم القدرة الشرائية وزيادة معدلات الفقر مما أدى إلى ركود الأسواق وتعطيل عجلة الاقتصاد الكلي وازدياد معدلات نسبة البطالة.
فرص الحل
وأكد كركساوي أن فرص الحل لتجاوز الوضع الراهن بالبلاد تكمن في أن يتم الإصلاح السياسي بقيام حكم مدني ديمقراطي عادل وعلاقات دولية متوازنة حتى ينصلح حال الاقتصاد.

آثار سالبة على الاقتصاد
وفي السياق ذاته أكد محمد ساتي الخبير الاقتصادي والأمين العام لجهاز الرقابة على التأمين أن قرارات الخامس والعشرين من شهر أكتوبر، أحدثت آثاراً سالبة على الاقتصاد السوداني، والموازنة العامة للدولة للعام 2022م والتي كانت ستبنى على دعم خارجي من منح وقروض ومساعدات يقدمها صندوق النقد والبنك الدوليين وغيرها توقفت هذه الدعومات والمساعدات وأحدثت خللاً في الميزانية العامة للدولة، وأثرت سلباً على الاقتصاد السوداني ومعاش الناس والركود المستمر منذ بداية العام، كما أثر الركود الاقتصادي سلباً على إيرادات الجمارك والضرائب وتفاقم عجز الموازنة العامة للدولة، بأحجام الممولين عن سداد الضرائب، كما أثر استمرار الاحتجاجات الشعبية وإغلاق الشوارع سلباً على الاقتصاد السوداني ومعاش الناس.
وأعرب ساتي، عن أمله في التوصل إلى اتفاق سياسي يعالج الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، ويرفع الحظر وتعليق المساعدات الدولية للسودان.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...