*عادل الباز يكتب🔹ما قبل وبعد حطاب (1)*
1
سأحاول قراءة خطاب الرئيس البرهان فى قاعدة حطاب أمس (الأحد) من عدة زوايا محاولاً الوصول لتحليل موضوعى لجوهر الخطاب ورسائله المتعددة، ولنجيب على بعض التساؤلات التي احتشدت بها الصحف. ما أثار الضجيج الكثيف حول الخطاب هو مافاض به خطاب الرئيس البرهان من تحذيرات للحركة الاسلامية من الاقتراب من الجيش باعتبار انه منطقة محظورة ممنوعة الاقتراب والتصوير كمان (فى زمان الاقمار الاصطناعية هذه العبارة الغبية لازالت موجودة تصوروا.!!.). اعتبر د. محمد حسن فضل الله ان حقنة (البنج) المخصصة للاسلاميين والتي كانت بيد البرهان انتهى مفعولها بالأمس فى حطاب… وهاهو يمسك بحقنه من عقار الـ (neostigmine) “نيوستجمين” وهي حقنة تستخدم لإفاقة المريض من التخدير بعد عملية جراحية طويلة.
2
بعد خطاب حطاب توتر الإسلاميون واشتد الجدل المتطاول بينهم مجدداً حول استراتيجية التعامل مع الرئيس البرهان وكل يحاول إثبات صحة موقفه منه بعد حطاب. من خلال حوارات متصلة مع دوائر مختلفة من الإسلاميين بدا لي أن هناك ثلاثة تيارات داخل الحركة لكل رؤية مختلفة للتعامل مع الرئيس البرهان.
3
تيار يدعو للتعامل مع البرهان كحقيقة واقعة ويفضل دعمه فى وجه التحديات التي يتعرض لها، فهو من ناحية يقع تحت ضغوط الشارع الذي لا يهدأ حتى يعاود الصعود مجدداً، وإن كان بوتائر تضعف بصورة متوالية، ثم هو يعاني من ضغوط إقليمية ودولية تمد له جزر المعونات وفتح أبواب العالم وترفع فى ذات الوقت سيف العقوبات والملفات العالقة والمغلقة إلى حين، ومن ناحية ثالثة يواجه الرئيس البرهان ضغوط الرأي العام فى الجيش الذي ينظر بريبة لتمدد قوات الدعم السريع واستيلائه لمساحات واسعة سياسياً وعسكرياً، حتى أن كتفها ومقدراتها تلاحق مع الجيش تمويلًا وتسليحاً، ويخشى الجيش أن تسيطر قوى سياسية عرفت بعدائها له على مؤسساته الاقتصادية. ويتنامى غضب داخل الجيش من التدخلات في الشأن السياسي والعسكري السوداني بصورة مهينة، وبدت البلاد مكشوفة ومستباحة، وهذا الوضع أدى لتشكيل رأي عام سالب تجاه القيادة بل ويحملها مسئولية هذا الهرج وذلك ما يضع برهان شخصياً في مرمى ضغوط الرأي العام داخل الجيش، ولذا يكثر من مخاطباته لتوضيح الأمور ولطمأنة الرأي العام داخله. وأخيراً، يواجه البرهان ضغوط الخارج المتصاعدة حول تعامله المتساهل مع الاسلاميين بل وتمكينهم من مفاصل الدولة بالسماح بإعادة كوادرهم إلى الخدمة المدنية. يعاني الرئيس البرهان أيضاً من ضغوط نائبه والدعم السريع بأجنداته المختلفة والذي يصعد كلاعب سياسي يصنع تحالفاته ويعظم مقدراته العسكرية على حساب قيادة الجيش والدولة. ويجد الرئيس البرهان في أوقات كثيرة أنه مضطر لإجابة متطلباته المحرجة.
إزاء الضغوط أعلاه، يرى التيار الداعم للبرهان أن الخيار الأفضل هو الصبر عليه وعدم إضعاف موقفه المضعضع أصلاً، وتقدير حجم الضغوط الرهيبة عليه ويجب ألا تنشغل الحركة الإسلامية بتصريحاته المستفزة التي تستهدفها بلا داعي، وتعتني فقط بتوسيع حركتها السياسية ومبادرتها وتشبيك عمل نقابتها ومنظماتها وإكمال ترتيب صفوفها وترميم بناءها الداخلي. وذلك أفضل من تبديد طاقاتها بخوض صراع مفتوح مع الرئيس البرهان بلا طائل.
4
هناك تيار آخر يرى أن الرئيس البرهان أثبتت الأيام أنه لا يمكن الوثوق به أو الركون لتعهداته وذلك ابتداءا من وعد المزرعة الذي قطعه في الساعات الأولى من يوم 11 أبريل 2019 هو ونائبه لقيادات الحركة الإسلامية، وتعهدا فيه أن تتم تسوية الأمور في أقل من شهرين ويطلق سراحهم وهاهم الآن في الزنازين على أعتاب السنة الرابعة.!!.
أثبتت الأيام كما يقول التيار المناهض له أنه متردد في اتخاذ قراراته ولا يثبت على رأي ويستجيب للضغوط الداخلية والخارجية بشكل مزعج مما يجعل الثقة في مواقفه وتصريحاته المتناقضة نوعاً من العبث، وقد دلت على ذلك تجارب منها انقلاب 25 أكتوبر والتراجع عنه، ثم إعلانه الخروج من الساحة السياسية فما لبث أن عاد إليها، ويخرج في كل مرة ليؤكد أنه لا اتفاق ثنائي، ثم يتضح أنه يفاوض ثنائياً، وهاهو يقترب من توقيع اتفاق ثنائي، مع (4 طويلة) تحت ضغوط دولية.
ويخشى هذا التيار أن تصبح الحركة الاسلامية أول ضحاياه وخاصة إذا تقوى بالخارج المعادي له فالرجل يعبر فترة انتقالية مضطربة فاقم تردده وغموضه من تدهورها ولذا يرى هذا التيار ألا يتم التعامل معه كحليف، والأفضل الابتعاد عنه وتركه يغرق لوحده في بحر ضغوط اليسار السفاراتى الباهت والجذري وتحت ضغط الشارع إضافة لضغوط الخارج، وأن مسألة توفير سند سياسي له بالنصح أو الدعم لا معنى له ولا محل له في الإعراب السياسي، إنما هي حلقة دراويش سياسية.
5
بين هذين التيارين، هناك تيار ثالث متطرف ولكنه بدأ يكسب كثير من قطاعات الرأي العام داخل الحركة وخاصة الشباب والعسكريين وهو الرأي الذي يقول أن الحل هو (الخروج على البرهان) وشلته من السلطة فهي شلة بلا جذور في القوات المسلحة، بل الرأي العام – بحسب كل الاستطلاعات – يتهمه بالخضوع للدعم السريع وأعداء الجيش، ثم هي بلا جماهير في الشارع، والأهم كما يرى هذا التيار أن الحركة قادرة أن تفعل ذلك في ساعات.
6
في خضم هذا الجدل بين التيارات داخل الحركة الإسلامية يأتي خطاب حطاب ليزيد النار المشتعلة حطباً. نتائج هذا الجدل سيحدد وجهة الحركة الإسلامية واستراتيجيتها في التعامل مع الفترة الانتقالية بكل مفرداتها بما فيها طرائق تعاملها وسياستها تجاه الرئيس البرهان.
كثير من التساؤلات دارت حول الدوافع وراء خطاب حطاب الفظ تجاه الحركة الاسلامية وهل هو مؤشر لسيناريوهات مستقبلية أو أنه حدث طارئ ستطويه الأحداث القريبة والمتوقعة.؟ نواصل