خالد الإعيسر يكتب: أخيراً.. ملامح للتسوية الشاملة!!

 

 

 

لأول مرة يخرج إلى العلن نَصّ واضح حول الحوار “السرّي” الذي دار خلال الفترة الماضية بين المكونين العسكري والمدني ممثلاً في قوى إعلان الحرية والتغيير “المجلس المركزي”.

التفصيل جاء في البيان الذي حمل عنوان (السودان: بارقة أمل سياسي)، والذي كتبه كل من: (محمد بلعيش سفير الاتحاد الأفريقي في السودان، وفولكر بيرتس ممثل الأمم المتحدة الخاص للأمين العام للسودان، وإسماعيل وايس المبعوث الخاص للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيقاد”).

 

واضح أن العملية السلمية في بداياتها بالرغم من الضجة الكبيرة التي سوَّقت لها بعض الجهات المؤيِّدة والمعارِضة للعملية على أساس أن التفاوض التمهيدي تم سرّاً وبين طرفين، مما يشي بأنها صفقة سياسية سرية وثنائية.

لكن الواضح أنه مازال هناك مشوار للحوار بين هذه الأطراف (ومعها المجموعات الأخرى)، لتحديد ملامح المستقبل السياسي بعد كل هذا الانسداد الذي لازم العملية السياسية المتعثرة.

 

لقد انشغل النَّاس كثيراً بلفظ التسوية خشية أن يكون الأمر حالة شبيهة بما تم في اتفاق الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية الموقعة في 17 أغسطس/آب 2019، والذي أورث البلاد كل هذا التعقيد والمخاطر، لكن تبدو الصورة – حتى هذه اللحظة – غير مكتملة، وأن الحوارالمباشر سيحدد اتجاهات هذه العملية السياسية.

من المهم القول في هذه المرحلة – الابتدائية – بأن الوقت مازال مبكراً للحكم على هذه العملية السياسية، وعليه لا يجب أن نطلق الحديث على عواهنه ونقول بأن هذه التسوية مرفوضة من حيث المبدأ.

وذلك يقيناً بأن التسوية الثنائية هي التي يجب أن ترفض، أما التسوية “الشاملة” يجب أن تحظى بالقَبول من كل الحادبين على المصلحة الوطنية العليا، بغض النظر عن الحرص على المكاسب الفئوية أو الحزبية.

ثمة تشويش كبير عمّ ولازَم المشهد والساحة السياسية الوطنية قبل صدور هذا البيان الثلاثي، وكان هناك لَبس في التوضيح للناس، الأمر الذي رسخ لمفاهيم مشوشة للغاية حول مبدأ التسوية وضرورة إسدال ستار على أزمة تطاولت وأنهكت الشعب والبلاد.

 

لكن، أخطر ما حمله البيان هو أن المتن بُنِيَ على أساس مسوّدة الوثيقة الدستورية التي أعدتها اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين (وهذا مسار خلاف يمكن أن ينتج تمترس في مواقف بعض القوى السياسية الأخرى).

لكن في المقابل أبرز ما حمله البيان من تطمينات هو أن لا أساس للحكم المسبق، وقد تبين ذلك في النصوص التالية:

 

– هناك تفاهمات تمت إجازتها مبدئياً بين العسكريين والمدنيين.

– تم تأكيد قبول المكون العسكري للعملية السياسية.

– التأكيد على تسيير عملية سياسية “جديدة”.

– الفترة الانتقالية لا بد أن تقوم على أساس التوافق “بين مختلف مكوناتها”.

– من الخطأ أن يعتقد أي طرف أن بإمكانه فرض رؤيته لتوجيه مسار المرحلة الانتقالية أو احتكار السلطة خلال الإطار الزمني المؤقت.

 

– يجب النظر إلى المرحلة الانتقالية على أنها مرحلة ذات نطاق زمني محدد لإعداد البلاد للانتخابات والحكم الديمقراطي الكامل.

– ينبغي على المكون العسكري أن يكون موحَّداً في تبنّيه، ودعمه الكاملين للاتفاق المبرم مع المدنيين والتقيد بالتزامات قيادته بعدم التدخل في الشؤون السياسية.

– يتعين على المدنيين عدم رفض البنود التي يطالب بها المكون العسكري بالنسبة للمرحلة الانتقالية، طالما كانت هذه المطالب معقولة ومواتية لاستقرار السودان.

– المدنيون يشكلون حكومة مدنية كاملة تشمل رأس دولة ورئيس وزراء مدنيين بصلاحيات تنفيذية كاملة خلال المرحلة الانتقالية وينالون ضمانات مؤسسية وشخصية.

– العسكريون يطالبون بعدم تدخل مدنيين غير منتخبين في شؤون الجيش خلال الفترة الانتقالية.

– بعض القضايا الرئيسية ومنها الأسئلة المتعلّقة بالعدالة الانتقالية لم يتم حسمها (وهنا يكمن بعض الخطر).

– تم التأكيد على الدعم الفني المطلوب من الاتحاد الإفريقي، والإيقاد، والأمم المتحدة (هذه جزئية مهمة تحقق الاستقرار المنشود).

 

– إحدى أهم مهام الحكومة الانتقالية هي البدء في حوار وطني “شامل” حول قضايا صناعة الدستور، وحل النزاعات، وقضايا الهوية، وعدم المساواة، والعلاقة بين المركز والأقاليم، وغيرها من القضايا العالقة في السودان منذ استقلاله.

– الحوار حول القضايا المذكورة يتم تحت رعاية رئيس وزراء وحكومة مدنية تلتزم بإرساء قيم الديمقراطية والسلام.

– يتعين تشكيل الحكومة الانتقالية على أساس الكفاءة لا على أساس الانتماءات الحزبية أو المحاصصات (وهذه نقطة مهمة للغاية لأن المحاصصة الحزبية التي أعقبت توقيع الوثيقة الدستورية أفشلت حكومتي الفترة الماضية).

– تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي من طيف سياسي واسع يشمل تمثيلاً للجان المقاومة، والشباب، والنساء، والمجموعات القاعدية لأداء وظائف الرقابة المطلوبة بشكل فعّال.

 

– أيّ اتفاق يتمّ التوصل إليه لن يكون بين الأطراف المتوافقة بالفعل، “بل سيكون بين غير المتفقين”. وهذا هوالأساس الذي تبنى عليه العملية السياسية لرأب الصدع بين كل الأطراف المتعارضة.

أختم بالقول أن المحصلة المطلوبة يحكمها الواقع الماثل اليوم والذي يتطلب أن تتم تسوية شاملة (وليس ثنائية)، لتعيد مسار الانتقال المدني والتحول الديمقراطي وتحقق شعارات الثورة، وتعظم تضحيات الشهداء، وتضع مصالح الوطن العليا فوق الرغبات الذاتية والحزبية والمناطقية والعرقية الضيقة.

 

لذا علينا أن ننتظر حتى النهاية لنرى ما تفصح عنه النوايا الحقيقية والمفاوضات المباشرة بين جميع الأطراف قبل أن نتخذ موقفاً عائقاً أو مؤيّداً في هذه المرحلة المبكّرة، ولكن حتى الآن أستطيع القول بأنه بدا واضحاً من مضمون البيان أن هناك بارقة أمل سياسي حقيقية وأصبحنا أقرب لتسوية سياسية شاملة وليست ثنائية كما ذاع الظن الذي أملته السرية التي ضربت على مجمل العملية، بواقع موقف المكون العسكري الذي شطب البنود الاقصائية للمكونات والمبادرات والروئ الأخرى التي خططت لإبعادها بعض الجهات المعلومة، وقد ظهر ذلك جلياً في البيان المتزن الذي سطرته الآلية الثلاثية لأول مرة.

 

وإن غداً لناظره قريب!!.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...