عبد الحفيظ مريود يكتب: سنفرغ لكم أيها الثقلان
بدون زعل
في مفاوضات مدينة سرت الليبية بين الحكومة وحركة جيش تحرير السودان، التي يتزعمها عبد الواحد محمد نور ومني أركو مناوي، قبل انفصالهما، قال العقيد معمر القذافي في الجلسة الافتتاحية: “لقد جاءني هؤلاء الشباب بقضية عادلة، فدعمتهم، ماذا يعني أن يتربع “شوية جعليين وشايقية” – هكذا بالحرف – على حكم السودان منذ الاستقلال؟ لكن الأمور خرجت عن السيطرة، وأريد أن أتوسط، أرعى المفاوضات هذه، لنضع حداً لها”..
شايف كيف؟
قبلها حين كان الجيش السوداني – تسعينيات القرن الماضي – يستولي على معسكر لحركة قرنق، كان بعض، أو الكثير من المؤن وغيرها، تأتي من المملكة العربية السعودية. وكانت الأراضي الإثيوبية مفتوحة لقرنق. معسكراته، تجهيزاته، نقاط انطلاقه كلها تنبع – مثل النيل الأزرق – من إثيوبيا هذا ـ بالطبع ـ لا ينفي يوغندا التي بذلت الغالي والنفيس، في تقوية حركة وجيش قرنق.
على أن جبهة الشرق حين اندلعت، كانت إريتريا حاضرة لتقديم كل ما يلزم، معسكرات، فنادق، طردت الدبلوماسيين، وسلمت مفاتيح السفارة للتجمع، وجبهة الشرق.. التجمع الذي كان يتخذ من مصر وقاهرتها مقراً له..
ولاحقاً في العملية العسكرية الكبرى التي نفذتها الحركات الدارفورية، اتضح أنه كان هناك الكثير من المدرعات، وناقلات الجنود المصرية..
شايف كيف؟
هل كانت دول الجوار هذه: إثيوبيا، إرتيريا، السعودية، مصر، ليبيا، تشاد، يوغندا وكينيا تقاتل “نظام الإنقاذ” الإسلامي المتشدد، الذي قمع الشعب السوداني، وصادر ديمقراطيته؟
جوزيف لاقو، في مذكراته يكشف عن دخول إسرائيل، باكراً في الصراع في جنوب السودان: تدريباً، تمويلاً وقتالاً، حتى. كتب رسالته – ستينيات القرن الماضي، إلى المسؤولين في تل أبيب “نحن نقاتل عدواً مشتركاً، هم العرب”.. سفارة إسرائيل في نيروبي أحالته للتعامل مع السفارة في كمبالا، لأنها أقل مراقبة.. (يمكن الرجوع للمذكرات)، ولم يكن حينها يقاتل نظام الإنقاذ.
شايف؟
والسعودية، مصر، ليبيا، بعض دول الخليج، حين مولت قوات “الجبهة الوطنية”، ضد جعفر نميري، وصولاً إلى حركة محمد نور سعد، منتصف السبعينيات، لم تكن الإنقاذ حاكمة، بل كانت (كتيار إسلامي)، مشاركة في الجبهة الوطنية.
هل تحشر هذه الدول أنوفها في “الشأن السوداني” لوحدها، أم يتم استقدام دعمها واستجلاب نصرتها، من “مكونات” سودانية، وهو شيء يوافق هوى داخلياً عندها، فتبذل ما في وسعها؟
لم تكن أي من تلك الدول الجارة – ولا تزال – تحكم نفسها ديمقراطياً، ولم تكن قضية الديمقراطية هماً وسؤالاً ملحاً بالنسبة لها، قط في السودان أو غيره، فلماذا يوافق استنصار “المكون السوداني” بها هواها؟ وغالباً ما يكون طلب المكون يشتغل على مسألة “استرداد الديمقراطية والحكم المدني”.
شايف كيف؟
السؤال البدهي، المفتاحي:
كيف يطلب سياسيون حزبيون أفذاذ، دعماً ومساندة من أنظمة شمولية، غير ديمقراطية، البتة، لتهديم وإنهاء نظام غير ديمقراطي، في بلدهم، وإقامة ديمقراطية ناصعة؟ ألا يخطر ببالك – رعاك الله – أن ثمة تواطؤٍ من أحزابنا السياسية وقادة النضال عندنا، مع أجندات وأهداف هذه الأنظمة المتحكمة في الدول الصديقة والشقيقة؟ كيف تحلم أن يساعدك القذافي، حسني مبارك، السيسي، منقستو، إدريس دبي، أسياس أفورقي، موسفيني وأي ملك من الملوك أو أمير من أمراء الخليج على أن تبسط تجربة ديمقراطية في بلادك؟
وإذ لا يفترض في ساستنا الغباء، هذا، فإن الراجح هو التواطؤ، والأثمان المفروضة، قبلاً، وأثناء، وبعد المساعدة وتهيئة المناخ.
شايف كيف؟
فما هي أهداف الدول الشقيقة في استدامة وضع “القتال الضروس، والتشظي السوداني” اللانهائي، لإحلال الديمقراطية والمدنية؟
هل تتصور إلى أين يمكن أن يقودنا “صراع الديوك” السياسي هذا، لهثاً وراء سراب يحسبه الظمآن ماء؟ من الذي أذكى نيران “يا تمشي البلد وفقاً لما نراه، أو لينهد المعبد؟”…
أعتقد أن للقصة بقية..