رغم الإنجازات في إنتاج الذهب.. أين يذهب العائد؟
على الرغم من الإنجازات الكبيرة التي ظلت تعلن عنها الموارد المعدنية في مجال التعدين بالبلاد، إلا أن عائدات إنتاج الذهب بالتحديد ظلت بعيدة عن رغبات المواطنين، في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون في نواحي توفير لقمة العيش والرخاء في معاشهم اليومي، ومنذ سنوات ظهرت ثروة التعدين في البلاد لتصبح ركيزة مهمة في الاقتصاد بعد الزراعة والنفط، ليعول عليها في ترميم ما فقده السودان من بعد انفصال الجنوب، لكن هذا ما لم يحدث على مستويات التنمية والصحة والتعليم، بل ساءت الأحوال أكثر مما كانت مسبقاً، غير أن مسؤولين في القطاع يصفون ما تحقق من إنتاج في الذهب بالإنجاز دونما ينعكس ذلك على حلحلة ومعالجة قضايا وهموم المواطن والوطن، فيتبادر إلى أذهان الكثيرين السؤال المطروح أين عائدات الأطنان والبلاد تعاني من أزمات اقتصادية..؟.
نجاحٌ كبير
أمس الأول، أقرت الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة بأنها حققت أعلى نسبة إنتاج لمعدن الذهب منذ العام 2015، حيث بلغت نسبة الإنتاج في منتصف نوفمبر من العام الحالي 2022م (10 أطنان و404 كيلو جرام) فاقت نسبة الإنتاج للعام 2015م والتي بلغت (10 طن و6 كيلو جرام) كأعلى نسبة إنتاج حققتها الشركة منذ تأسيسها، وأثنى المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، مبارك عبد الرحمن أردول، على الجهود التي بذلها العاملون في قطاع التعدين بالسودان، ووجه في الوقت ذاته العاملين بالشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة بمضاعفة الجهود لتحقيق أعلى إنتاجية ممكنة في العام المقبل، وكشف أردول في تصريحات صحفية، عن نسبة الحكومة والتي تبلغ 33% من جملة الإنتاج، متوقعاً زيادة الإنتاج بنهاية العام الحالي، وقال أردول إن الإنتاج الذي تحقق يمثل نجاحاً كبيراً للعاملين بالشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة والشركات العاملة في قطاع المعادن خاصة قطاع معالجة مخلفات التعدين.
تحدٍ حقيقي
عبر وزير المعادن محمد بشير أبو نمو عن سعادته بالإنجاز الكبير الذي حققته الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة قبل نهاية هذا العام 2022، لافتاً إلى تحقيقها أكبر إنتاجية منذ نشأتها والتي بلغت نحو 10 أطنان و404 كيلو جرام، وهنأ أبو نمو عبر تدوينة له على صفحته الرسمية بمنصة التواصل الاجتماعي (فيسبوك) أمس، إدارة الشركة وكل العاملين فيها والمنتشرين في مواقع إنتاج الذهب على الإنجاز الكبير الذي حققوه بجانب مساهمة الشركة الكبيرة في دعم الاقتصاد الوطني، مؤكداً أن هذا الإنجاز سيجعلنا أمام تحدٍ حقيقي هو مواصلة الإنتاج والعمل بهمة عالية لترقية القطاع، معرباً عن أمله في الوصول إلى أرقام كبيرة في إنتاجية الذهب.
تقييم التعدين
الخبير في مجال التعدين محمد عثمان يرى أن الشركة لا تعمل في مجال التنقيب والاستخراج، بل هي ذراع تنفيذي للوزارة لمراقبة الإنتاج في جميع مراحله لضمان تحصيل نصيب الحكومة في التعاقدات والعوائد الجليلة وإبرام العقود نيابة عن الوزارة، وقال متحسراً: للأسف ما زال الزئبق والسيانيد يستخدمان دون ضوابط ورقابة في التعدين الأهلي في استخلاص الذهب من تدوير المخلفات، وأكد أن له أضرار على المعدنين قبل المواطنين في المناطق المجاورة خاصة على مستوى الصحة والبيئة رغم اتفاقية (ميناماتا) وقرار مجلس الوزراء في أكتوبر 2019، منوهاً إلى أنه تم إنقاص نصيب الولايات والمحليات من التعدين الأهلي إلى 40% بدلاً عن 50% بجانب تحويل الـ10% المخصومة بقرار رقم 90 من وزارة المالية لسنة 2021 رغم تعارض ذلك مع لائحة التعدين التقليدي لسنة 2015 وكذلك تم خصم 20% من مال المسؤولية المجتمعية لمناطق النشاط التعديني، وتمت إضافة نسبة الخصم للشركة السودانية، وشدد على ضرورة مراجعة حقيقية لتقييم التعدين وصولاً إلى تحقيق الفائدة المرجوة لكل من الحكومة الاتحادية والولايات والمحليات والمعدنين والشركات.
ركود الطواحين
المهتم بقضايا التعدين إبراهيم الصادق يقول إن الشركات تعتمد على مخلفات الكرتة من الطواحين، وأكد لـ(اليوم التالي) أن العام 2022 شهدت فيه أسواق الطواحين ركوداً كبيراً مقارنة الأعوام السابقة، معزياً ذلك إلى ارتفاع أسعار الجازولين وتكلفة الإنتاج بالإضافة إلى ظهور الخلاطات خاصة أن معظم أصحاب الطواحين أوقفوا البيع إلى الشركات، وبالتالي أصبحوا يعالحون الكرتة عبر الخلاطات، وأوضح أن هذا أحدث تأثيراً شديداً على عمل الشركات الأمر الذي أرغم المدير العام على التدخل لمحاولة إيقاف الخلاطات.
سوق الذهب
فيما يرى الباحث الاقتصادي الدكتور هيثم محمد فتحي أن خطط من وزارة المالية في تخصص 70%، من عائدات تصدير الذهب لاستيراد السلع الاستراتيجية التي تشمل الوقود والقمح والمتبقي لاستيراد السلع الأساسية خاصة مع تقدم الذهب الصادرات حالياً، وأضاف: حيث بلغت قيمة عائدات صادره أكثر من نصف قيم السلع السودانية الأخرى جميعاً، داعياً عبر إفاداته لـ(اليوم التالي) إلى وضع سياسات لضبط سوق الذهب حتى لا يحدث تسريب أو تهريب للذهب إلا بالتصدير عبر القنوات الرسمية، وشدد على ضرورة العمل الجاد في جانب السياسات المشجعة للإنتاج بإبعاد البنك المركزي من شراء وتصدير الذهب والشركات الحكومية كافة وسد منافذ التهريب والسيطرة على إنتاج الشركات وإعادة هيكلة القطاع بما يضمن مساهمة هذا المورد المهم في دعم الاقتصاد بالبلاد.
محدود للغاية
إلى ذلك وصف المحلل الاقتصادي الحسين أبو جنة هذه التحولات بالإيجابية من حيث ارتفاع إنتاج البلاد من الذهب إلى أطنان، نافياً بأن تكون عائدات إنتاج الذهب من تلك الكميات على خزينة البلاد بذات مستوى الصادرات التي كان من المؤمل أن تغطي عجز الموازنة، وحدد في حديثه لـ(اليوم التالي) بعض الأسباب منها التهريب وضعف الإدارة والتقاطعات التي تلامس القطاع، بيد أنه أشار إلى تحسن في إنتاج الذهب خلال العام الجاري 2022، وذهب قائلاً: إن التقييم لهذه الزيادة التي تحققت كانت بفضل تكثيف الرقابة الميدانية على عمليات التعدين، وأضاف أن الأثر على أرض الواقع محدود للغاية، وأرجع ذلك لعدم وضوح الرؤية الاستراتيجية للدولة، وبالتالي أعتقد أن المردود من الإنتاج لا يزال بعيداً عن الواقع الاقتصادي المتردي، ورهن نهضة الاقتصاد بفضل توفر الخطيط والمتابعة المستمرة نسبة لما تتطلع إليه سياسات قطاع التعدين في البلاد.