الرفيع بشير الشفيع يكتب :عاش أبو هاشم، عاش أبو هاشم
الرفيع بشير الشفيع يكتب :عاش أبو هاشم، عاش أبو هاشم
سَعِدتُ جداً وأنا استمع لأول مرة في حياتي لمولانا المُبجّل محمد عثمان الميرغني بالأمس عبر مقطع فيديو، وقد شنِّف أذنيّ بصوته الفخيم ، (وقد مرّ على شريط الذكريات وانا صغير، تتكتف رجلاي الصغيرتان في الجري خلف موكبه المهيب، وأنا أردد مع أهلي ، عاش أبو هاشم ، عاش أبو هاشم ، وكنت أعتقد وقتها، من فرط جهلي، أن نبياً جديدا قد شرّف قريتنا، بإهابه الملائكي الجليل ، وقد رأيت آبائي ( رحمهم الله وغفر لهم )، يحملون سيارته على اكتافهم من التبجيل ، ويكسرون له حائط السور ، ليدخلوا تلك السيارة ، إمعانا في التبتل ببركته.
استمعت بالأمس لحديثه (الذي يبدو أنه مكتوب أمامه ومُسجّل)، وهو يبدأ حديثه بتحية الشعب السوداني (أحييكم في ذكرى إتفاقية السلام، الرابعة والثلاثين، التي وقعّناها مع الراحل الدكتور جون قرنق في ١٦ نوفمبر ١٩٨٨م في أديس أبابا)
لا أريد أن أصف الدهشة التي عقدت لساني، بعد أن سمعت هذه المقدمة، وتذكير الشعب السوداني بإتفاقية، قد أوجعت الشعب السوداني لمدة أربع وثلاثين عام ، ليأتي مولانا، فيزكي فينا هذه الذكرى المؤلمة مرة أخرى إتفاقية الميرغني – قرنق وما أدراك ما إتفاقية الميرغني!!!
الإتفاقية التي يتحدث عنها مولانا المبجل الميرغني بالأمس بعد مضي أربع وثلاثين عام بالضبط على موتها، كتبت من بنود قليلة ربما تُعد على أصابع اليد الواحدة ، ويبدو أن السيد جون قرنق وأولاد جون قرنق، هم الذي صاغوا هذه البنود، ليخدموا مشروع تحرير السودان ضمن مظلة السودان الجديد، وقد أنتهزوا فرصة قبول السيد المبجل ، القائد الديني، بالجلوس معهم ( ربما مدفوعا من بطانته)، وقد كانت أهم بنودها كما يلي :-
*أشارت الاتفاقية في مقدمتها، عن رفض السياسات البالية التي ترقى إلى تصعيد الحرب والدمار والشقاء بكل اشكاله، (*مما يشي بقصد إلغاء أو تجميد قوانين الشريعة الإسلامية في سبتمبر ١٩٨٣م*) ، وقد استغل الإتفاقية الحزب الشيوعي وجون قرنق وغيرهم من العلمانيين، وكل اعداء الأمة ، كمبرر لتحرير وأفرقة السودان وتفتيته)، بدليل أن أول مطلبين جاءا في تلك الاتفاقية هما :-
١- بما أن الموقف الثابت للحركة الشعبية ( *لتحرير السودان*) هو إلغاء قوانين سبتمبر ، واستبدالها بقوانين ١٩٧٤م) ، إلا انها وفي هذه المرحلة توافق على تجميد “مواد الحدود وكافة المواد ذات الصلة المضمنة في قوانين سبتمبر)
٢- إلغاء كافة الإتفاقيات العسكرية المبرمة بين السودان والدول الاخرى.
ولا أدري لماذا أشعر بالخزي والتحسر كلما ترددت في دواخلي جملة جون قرنق التي هزءَ بها من مولانا المبجل الميرغني ، بعد توقيع هذه الإتفاقية ، حينما وصل جنوده في الغابة وقال قولته المُذِلة حينها ( *هو جده جاء السودان مع المستعمرين*)، قاصد بالطبع مولانا الميرغني.
ولا يفوت على أي حصيف أن تلك الاتفاقية (التي سبقت الإنقاذ بعام) ، قد ماتت بمجرد توقيع مولانا عليها، لأن القصد منها ، كان هو ( التفريق بين كلمة قادتنا)، و إخراجهم وسَوقَهم لتوقيع أسوأ الاتفاقيات في السودان التي تبرر لخطوات توسعية لتحرير السودان، هي الأسوأ تفتيتا للسودان، وقد فعلت ، فلا أدري لماذا يصر مولانا الميرغني على تحية الشعب السوداني ( المسكين) بهذه الإتفاقية الميتة والله لا أدري.
يقول بعض الناس أن هذه الإتفاقية هي الأسوأ في عمر السودان بعد اتفاقيات الذل والعار بين مصر وبريطانيا لإستعمار السودان وهي أسوأ خيار للحزب الذي يقوده مولانا المبجل الميرغني ، وقد تم تأسيس الحزب على شعار وبنود (الإتحاد) مع مصر ، ليرزح السودان تحت العلم الانجليزي المصري كما أخبرنا من حضروا ايام الأستعمار.
آخر ما قاله مولانا الميرغني في تسجيله بالأمس ، سبحٌ مع التيار العام، (أنه يؤكد دعمه للقوات المسلحة الضامنة لوحدة واستمرار السودان ، لتعمل *الى حين عودتنا لأرض الوطن قريبا*) وأي سؤال يسأله حصيف لنفسه هنا ، *هل أصبحت القوات المسلحة* هي القوة الحارسة، لحكومة المحاصصة المحتملة ، من الإتحاد الديمقراطي، بقيادة السيد الجديد، الوريث جعفر الصادق الميرغني ، (كما يشي تكليف السيد الميرغني لهذا سيد الوريث الجديد) ، أم انها ضمن أجندة مصرية جديدة لإحتلال السودان مرة أخرى تحت العلم المصري- الإتحادي ، كما يقول بعضُ الناس.
كما يقول البعض ، أن هذا التسجيل عبارة عن تسليم وتسلم سيادة، وتوريث عرش كما حدث في كثير من الدول العربية، وهو تتويج ظاهر لوريث جديد لمواصلة السير على غرار عاش أبو هاشم ، عاش أبو هاشم ، وما أشقى السودان من بلدٍ.
ولعلي لا أطيل عليكم، ولا يرش مداد قلمي إهاب السيد المبجل، إذا أهديت له ، أبيات توقظ الناس من سباتهم، وقد أهداها والي خراسان نصر بن سيّار، في اواخر ايام الدولة الأموية للخليفة مروان بن محمد الملقب ( بالحِمار) ، آخر ملوك الأمويين، في ظل المظاهرات والفوضى التي اجتاحت دولة الأمويين قبيل سقوطها ( وما أشبه الليلة بالبارحة) :-
إذا يقول نصر بن سيّار:-
(أرى تحت الرماد وميض جمرٍ ويوشك أن يكون له ضرامُ
فإن النار بالعودين تُذكى
وإن الحرب مبدؤها كلامُ
فإن لم يُطْفها عقلاءُ قومٍ
يكون وقودها جثث وهام
فقلت من التعجب ليت شعري أأيقاظ أمية أم نيامُ
فإن يقظت فذاك بقاءُ مُلكٍ
وإن رقدت فاني لا أُلامُ
فإن يك أصبحوا وثووا نياماً فقل قوموا فقد حان القيامُ
ففرّي عن رحالك ثم قولي
على الإسلام والعرب السلامُ
وأهديه قول بن سيّار أيضا :
أبْلِغ ربيعةَ في مُروٍ وإخوَتِها
أن يغضبوا قبل أن لا ينفع الغضبُ
ولينصبوا الحرب إن القوم قد نصبوا حربا يُحَرِقُ في حافاتها الحَرَبُ
ما بالكم تلقمون الحرب بينكم كأن أهل الحجا عن فعلكم غُيُبُ
وتتركون عدواً قد أظلكُمُ
فيمن تأشبَ لا دين ولا حسبُ
ليسوا إلى عَربٌ منا فنعرفهم ولا صميم الموالي إن هُمُ نُسبوا
قوم يدينون ديناً ما سمعت به عن الرسول ولا جاءت به الكتبُ
مَمَنْ يكن سائلي عن أصل دينهم فإن دينهم أن تُقتلَ العربُ
مرحباً بك مولانا الميرغني… عاش أبو هاشم ، عاش أبو هاشم.