في تمام الحادية عشرة صباح الخميس الماضي انطلقت الدورة السادسة من مهرجان الخرطوم للشعر العربي برعاية كريمة من سمو حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.
وبتشريف من وزير التعليم العالي والبحث العلمي محمد حسن دهب وسعادة عبدالله العويس رئيس دائرة الثقافة بالشارقة، وسفير دولة الإمارات العربية المتحدة حمد محمد الجنيبي، وسفراء الجمهورية اليمنية وسلطنة عمان والملحق الثقافي لجمهورية جنوب السودان، وعدد من أعضاء السلك الدبلوماسي وأساتذة الجامعات والشعراء والأدباء والمهتمين.
ضيوف شرف المهرجان قاموا بافتتاح معرض الصور الذي وثق لأنشطة بيت الشعر ومعرض الكتاب الذي تشارك فيه عدد من دور النشر.
لوحة شعرية:
أولى فقرات المهرجان كانت لوحة شعرية رسمتها قصائد لكوكبة من شعراء السودان، من أمثال: التجاني يوسف بشير، ومحمد المكي إبراهيم، والهادي آدم ـ والفيتوري، وصلاح أحمد إبراهيم، وعالم عباس محمد نور قدمتها أصوات شعرية شابة تطرق أبواب المجد مع محبة لسابقيهم من الشعراء، وكان صوت مقدمة النهارية ابتهال محمد مصطفى منضداً لتلك الأصوات على خلفيات موسيقية أبدعها الدكتور كمال يوسف.. اللوحة التي أدى فيها كل صوت مقطعاً لشاعر، توحدت أصواتهم وهم يقرأون للراحل المقيم شابو. ليقف الجمهور في حضرة شابو وتُقرأ الفاتحة على روحه عد انتهاء اللوحة.
بعد ذلك ألقى الدكتور الصديق عمر الصديق كلمة بيت الشعر والتي رحب فيها بالحضور وبضيوف البلاد من الشارقة والشعراء مذكراً بأن كل هذا الجمال إنما انبثق من رؤية رجل أعطى للثقافة دون مَنٍّ مطلقاً مبادرة بيوت الشعر، وتحدث الدكتور الصديق عن أنشطة بيت الشعر الذي صارت له مشاريع كبيرة خدمة للشعر السوداني وشعرائه.
ثم جاءت كلمة رئيس دائرة الثقافة سعادة عبدالله العويس الذي حيا الحاضرين مباركاً لبيت الشعر بالخرطوم مهرجانه الذي وصفه بأنه تتويج لأعوام من العطاء الثر. العويس تحدث عن مبادرة البيوت والمهرجانات التي تقام في عدد من الحواضر العربية إلى جانب أنشطة وفعاليات أخرى تقوم بها دائرة الثقافة بالشارقة تطبيقاً لتوجيهات سمو حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.
قمران وخمسة نجوم في نهار الخرطوم:
ثم جاء الشعر الذي تدافع جمهوره لتكون البداية مع الشاعر العذب عالم عباس محمد نور ليقرأ نصاً ذكياً منقباً بعمق في ثنايا جراح الوطن (مهدياً إياه إلى من سماهم (مُتْرَفي قريتنا وسادتنا وكبرائنا الذين أطعناهم فـ…….). الجمهور تجاوب مع عالم الذي عبر عن الكثير المعتلج في دواخلهم، حيدر العبد الله كان أول ضيوف البلاد قراءة، فكان أن أصغت له الخرطوم بقلبها العارف بالشعر المحب له وهو يقرأ (في محل الخياطة) و(حيوان المعدن) والذي منه:
أوَليستْ أبواقُ السياراتِ على الطرقِ
صدًى لرُغاءِ الإبلِ على الموردِ؟
قافلةٌ من حيواناتِ المعدِنِ
ترتشفُ الأسفلتَ وتلعقُ أعمدةَ النور ضُحًى
وكأنّ السياراتِ قطيعُ جِمالٍ شبقهْ
الخُفُّ المطاطيُّ الأسودُ يطوي الأرضَ
مخيِّلةُ العربيِّ تدورُ
هل السيارةُ والناقةُ سِيّانِ أخيراً؟
تلكَ
رواحلُنا أيضاً؟
سُبحانَ الله!
أحمد اليمني الشاعر السوداني المتغرب عاد لمعانقة جمهوره وكله شوق له وللشعر، وكلاهما كان وفياً لليمني فبادلاه الحب بالحب.
لتعتلي المنبر بعده الشاعرة التونسية سمية اليعقوبي، والتي تمددت في القلوب لما غنت للخرطوم وأمواهها، ثم انثت تخبر الحاضرين عن صلاة الماء:
عَلَى جُفُونِي أقامَ اللَّيلُ موْطِنَهُ
وَسَوَّرَ العَينَ سُهْدٌ خِلْتُهُ كُحْلاَ
وَشَفَّ دَمْعِي إِلى أَنْ لاَ أَرَاهُ، هَمَى
ومَا عَلَيهِ \ سِوى بالمِلْحِ\ قَدْ دُلَّا
نَبِيَّةٌ دَمْعَتِي الأُولَى ومُذْ وُلِدَتْ
أُحِيلَ جَفْنِي إذَا هزَّتْ لهَا نَخْلاَ
سَجَّادُهَا الخَدُّ، قامتْ للصلاةِ بهِ
بِلاَ وُضوءٍ، لأَنَّ الماءَ منْ صَلَّى
عَينِي عَلَى إبرَةِ المِيزَانِ مذْ وَطِئَتْ
قَلْبِي خُطاكَ، فمَا مَالتْ ولاَ اخْتَلَّا
وكَفُّكَ الضّوءُ ما مَرَّتْ عَلى وَجَعٍ
إلاَّ أعَادَتْ مِنَ الهَدْءاتِ مَا ضَلَّا
وقرأت اليعقوبي بعد ذلك نصاً سافر في عوالم جلال الدين الرومي، تلك العوالم الصوفية التي ولجها الشاعر محمد الحبيب بنفسه الخاص، وتجاربه التي يحار معها المتابع كيف تأتت له في هذا العمر، وقرأ الحبيب من نصوصه المحلقة.
ثم جاء دور محمد المتيم الذي حيا الجمهور قائلاً إن نصف أهل قريته سار بهم الشوق إلى السودان.. وكان أول نص للمتيم إهداء لروح الفنان بهنس الذي سماه يوسف الفن الذي أكله ذئب الصقيع. ثم قرأ المتيم:
هُناكَ بالبابِ قامت امرأةٌ
تتبَّعُ الظلَّ حيثُ ينتَقِلُ
هُناكَ تحت الشُّجونِ مَرْقَدُ مَنْ
تشيبُ فيهِ التجارِبُ الأُوَلُ
هُناكَ حيثُ السُّنون غافلةٌ
عن التي بالحنينِ تكتَحِلُ
– هناك هل تُذْرَفُ الدموعُ سُدًى؟!
– هناك يا صاحِ تُذْرَفُ المُقَلُ
ماذا تُريدُ الحياةُ من وَلَدٍ
آتٍ إليها؛ وإثمُهُ الأملُ!
يسيرُ في الناسِ
لا بِمُعجِزَةٍ ولا كتابٍ ولا خُطًى تصِلُ
لهُ عيونٌ مجامرُ اكتَحَلَتْ
سُهداً، وقلبٌ قد مسَّهُ البلَلُ
يَفِرُّ من أهلِهِ لأهلِ جَوَى
بكُلِّ وادٍ من الهوى نَزَلُوا
يُسائِلُ الريحَ عن روائحهم
فأيْنَها – يا شقيقةُ – السُبُلُ؟!
خاتمة القراءات كانت مسكاً ضاع من قصيد شيريهان الطيب، التي صارت وجهاً مشرقاً للشعر السوداني، شيريهان جعلت الجمهور يتطلع لثاني الأيام بشوق بعد أن كان الإبداع حاضراً في أول الأيام في تنوع وعذوبة.