قناة امريكية : “العسكر للثكنات والأحزاب للانتخابات”.. هل ينهي الاتفاق الإطاري أزمة السودان؟

 

“العسكر للثكنات، والأحزاب للانتخابات”، هكذا قال رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الاثنين، معلنا عن اتفاق بعد 13 شهرا من سيطرة الجيش على السلطة بعد إطاحته الحكومة المدنية الانتقالية، مما أسفر عن أزمات سياسية واقتصادية عميقة.

ووقع الجيش السوداني وهيئات من المجتمع المدني وأحزاب سياسية، الاثنين، اتفاقا إطاريا ينص على تدشين مرحلة انتقال سياسي يقودها مدنيون لمدة عامين، تنتهي بإجراء انتخابات.

ويرى نور الدين صلاح، عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني، أحد الأحزاب الموقعة على الاتفاق، أن قيادات الجيش “وجدت أنفسها مجبرة (على الاتفاق) أمام حالة الفشل التام التي تأثروا بها خلال 13 شهرا من الانقلاب الذي فشل فشلا ذريعا على كافة الأصعدة”.

وقال: “منذ أكثر من 13 شهرا، لم يستطع الانقلاب أن ينجز أي شيء مما وعد به السودانيين عندما قام بجريمة تقويض النظام الدستوري في البلاد، فهو لم يستطع أن يحقق وفاقا وطنيا، أو إنشاء مؤسسات للحكم ولم يجد أي قبول شعبي أو دولي ولم يستطع أن يكوِّن ظهيرا سياسيا له، كما أن السودان لا تزال عضويته مجمدة في الاتحاد الأفريقي وعاد للعزلة الدولية مرة أخرى”.

الاتفاق بين الجيش وقوى سياسية مدنية لم يكن الأول، إذ سبق أن أسفرت مفاوضات شاقة استمرت شهورا عن إصدار “الوثيقة الدستورية” وشراكة بين المدنيين والعسكريين في أغسطس 2019، كانت مشابهة لما تم الإعلان عنه الاثنين، مما أثار تساؤلات بشأن مصير الاتفاق الجديد، ومدى ضمان عدم الانقلاب عليه مجددا.

ومنذ سيطرة الجيش على السلطة في 25 أكتوبر 2021، تشهد البلاد تظاهرات واحتجاجات شبه أسبوعية، تعرضت بانتظام لقمع قوات الأمن ما أسفر عن سقوط 212 قتيلا على الأقل، بحسب منظمات، فيما تزايدت وتيرة العنف القبلي في مناطق عدة.

وفي موازاة الاضطرابات السياسية والأمنية، تعمقت الأزمة الاقتصادية في السودان، أحد أفقر بلدان العالم، بعد أن علقت الدول الغربية المساعدات المالية التي تدفقت على هذا البلد عقب إطاحة الرئيس السابق عمر البشير وتشكيل السلطات الانتقالية، واشترطت عودة الحكم المدني لاستئنافها.

والاثنين، تظاهر مئات السودانيين في العاصمة السودانية الخرطوم ضد التسوية السياسية، حيث توجه موكب المتظاهرين من منطقة أحياء جنوب الخرطوم صوب القصر الجمهوري، ورفع المحتجون لافتات وررددوا هتافات تطالب برفض التسوية مع العسكريين، بحسب مراسلة الحرة.

واستبقت الأجهزة الأمنية هذه التظاهرات بإغلاق بعض جسور العاصمة فيما نشر الجيش عددا من عناصره التي تمركزت بالقرب من القيادة العامة.

انقسام قوى الحرية والتغيير
ورغم أن الأحزاب التي وقعت على الاتفاق الإطاري منضوية تحت “قوى الحرية والتغيير” التي قادت الثورة ضد نظام عمر البشير، فإن المحامي سمير الشيخ القيادي في قوى الحرية والتغيير، يرى في مقابلة مع موقع “الحرة” خلال مشاركته في مظاهرة في الخرطوم، أن الأحزاب الموقعة “غير ممثلة للشارع، بدليل خروج الناس في مظاهرات اليوم، وتعبيرهم عن تمسكهم باللاءات الثلاثة وهي “لا تفاوض مع العسكر ولا شرعية لهم ولا مساومة معهم”.

وأضاف أن “الهتاف الشهير في الشارع هو “العسكر للثكنات والجندويد يتحل”، وهذه القوى خالفت هتاف الشارع، وبالتالي هذا الاتفاق لا يعبر عنا”.

حزب البعث، واحد من الأحزاب المنضوية في قوى الحرية والتغيير أصدر بيانا أعلن فيه أنه لا يوافق على توقيع الاتفاق، كما أعلنت حركة “حق” أنها لا تقبل التسوية مع العسكر.

ويقر الشيخ بأن قوى الحرية والتغيير لم تعد مثلما كانت عليه في بداية الثورة: “قوى الحرية والتغيير كانت تضم مجموعة كتل، عبارة عن نداء السودان والتوافق الوطني، وتجمع المهنيين السودانيين والقوى المدنية وتجمع الاتحاد المعارض، قوى كثيرة انسلخت من قوى الحرية والتغيير منذ 2019، وحتى الآن”.

ووقعت على الاتفاقية الإطارية أحزاب الاتحادي الديمقراطي المعارض، والأمة، والمؤتمر السوداني.

وقال الشيخ “هذه القوى السياسية تمثل مصالح طبقية محددة من أصحاب الامتيازات التاريخية في السودان التي تتحالف دائما مع العساكر، والذين يرون أن أقرب الطرق لهم للوصول إلى الحكم هو من خلال التحالف مع العسكر وليس عن طريق صناديق الاقتراع”.

وأضاف أن “الثورة السودانية تتكلم عن قيم ومفاهيم متعلقة بالحرية والسلام والعدالة وبناء سودان جديد وفقا لرؤى ديمقراطية وعدالة وبناء دولة القانون، وهذه المسائل تتعارض مع النظام العسكري الحاكم، وفي نفس الوقت مع أصحاب الامتيازات التاريخية”.

“استقبال حذر”
في المقابل، يقر عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني، نور الدين صلاح، بأن الشارع عموما تلقى الاتفاق بنوع من الحذر، “لم يكن هو نفسه الذي استقبل اتفاق الوثيقة الدستورية في 2019”.

يعزو صلاح إلى أن “هذا النوع من الفتور، أمر طبيعي باعتبار أن هناك سابق تجربة مع المكون العسكري، جعلت معدلات الثقة ليست في أدنى مستوياتها فحسب، بل تكاد تصل إلى مرحلة أنها منعدمة”.

ويقول: “نعم نصوص الاتفاق جيدة، لكن الخوف من حدوث ردة احتمال وارد”.
ومن جهته أكد قائد مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، في كلمته أن البلاد تمر بظروف استنثائية منذ سقوط نظام البشير، وأن الصراعات انعكست على الوطن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهذا الواقع حتم نزع المصالح الشخصية والحزبية وإعلاء مصلحة الوطن.

وقال: “لذلك جلسنا اليوم لعلاج كافة القضايا الوطنية، الموافقة على هذا الاتفاق لا تعني الاتفاق مع طرف واحد وإنما التوافق على القضايا للوصول إلى مخرجات تنهي حالة الصراعات والمشاكسة بين القوى المدنية والعسكرية للوصول إلى التحول الديمقراطي الحقيقي”.

وشدد البرهان على أن وجود الجيش في السلطة أمر مؤقت، وأنه يسعى لوضع الجيش تحت الدستور ومنع تحيزه لحزب أو جماعة أو أيديولوجيا.

ويقول صلاح لموقع “الحرة” إن الاتفاق واضح من اسمه بأنه “إطاري” وبالتالي فهو مبدئي، حيث لا تزال هناك قضايا شائكة ستتم مناقشتها في المستقبل القريب”.

وأوضح أن هناك “4 قضايا أساسية على قدر كبير من الأهمية وفيها تعقيدات عميقة، سيتم النقاش حولها، وهي إعادة النقاش بشأن اتفاق جوبا للسلام وإمكانية تطويره، وملف الإصلاح الأمني والعسكري، وملف العدالة والعدالة الانتقالية، بالإضافة إلى ملف إزالة تمكين النظام الإخواني “الثلاثين من يونيو”.

والاتفاق هو الشق الأول من عملية سياسية على مرحلتين ترتكز على مسودة الدستور، التي أعدتها نقابة المحامين السودانيين أخيرا، بحسب بيان قوى الحرية والتغيير.

أما الشق الثاني من الاتفاق، ويشمل قضايا عدة، من بينها العدالة الانتقالية وإصلاح الجيش، فينتظر أن يتم الانتهاء منه “في غضون أسابيع”، وفق البيان.

وقد طالب ممثل الأمم المتحدة القوى السودانية البدء “فورا” في المحادثات حول الشق الثاني من أجل التوصل الى اتفاق شامل.

“لا ضمانة”
وأضاف صلاح أن “كل القوى السياسية التي وقعت على الاتفاق، ترى أنه ستكون هناك عدالة والعسكر لن يتدخلوا في السياسة، وأنه سيتمخض عنه انتعاشا اقتصاديا ودمجا للميليشيات، ولكن ليست لديهم القدرة ولا الضمانات التي يمكنهم بها تطبيق هذه المسائل، مؤكدا أن “السلطة الفعلية لا تزال في يد العسكر”.

وتابع: “كل هذه المسائل وردت في الاتفاق الأول “الوثيقة الدستورية”، التي شملت مجموعة من الأمور التي كان يجب إنجازها مثل هيكلة القوات المسلحة وتحقيق العدالة وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو”.

وأشار إلى أنه “منذ توقيع الوثيقة الدستورية في أغسطس 2019، وحتى الانقلاب في أكتوبر 2021، لم يحصل تطبيق أي بند من البنود، ولم تستطع قوى الحرية والتغيير التي كانت مشاركة في هذه الحكومة كسر هيمنة العسكر عن السلطة ولم تتمكن من تحقيق أهداف الثورة”.

ويوضح أن من بين ما تم الاتفاق عليه سابقا تحقيق العدالة، “ما حدث هو محاكم صورية هزلية للبشير وزمرته، بالإضافة إلى أنه لم يتم تحقيق العدالة لأي ممن استشهدوا في فترة البشير أو الانقلاب ولم تحدث محاكمة لأي من القتلة، بل إنهم خرجوا من السجون”.

وأضاف أنه كان هناك اتفاق على تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، “بالعكس النظام الانقلابي ألغى كل القرارات التي اتخذتها لجنة التفكيك، وخرج رموز نظام البشير من السجون وأعيدوا لمناصبهم وأعيدت إليهم ممتلكاتهم”.

ويقول: “من الصعب محاربة هذه العقيدة الخاصة بالنظام العسكري الحاكم والذي هو جزء من اللجنة الأمنية في عهد البشير، مما يعني أنه سيكون مدافعا عن مصالح الإسلاميين الذين كانوا يحكمون سابقا، ولا يزالون يسيطرون على مفاصل الدولة”، مضيفا، “هذه المسألة فشلت في التحالف السابق وستفشل في التحالف الحالي الآن”.

وأشار إلى أن الاتفاق الإطاري به نفس الضمانات التي كانت في الوثيقة الدستورية، “فهناك تعهدات مبذولة من قبل الأطراف الموقعة والفاعلين الإقليميين والدوليين، أعتقد أن أي مغامر، سوف يفكر ألف مرة عوضا عن أن يجرب ذات التجربة الفاشلة التي قام بها البرهان”.

وسيحد الاتفاق المبدئي الدور الرسمي للجيش وسيضعه في إطار مجلس للأمن والدفاع برئاسة رئيس الوزراء، لكنه يترك قضايا حساسة بما في ذلك العدالة الانتقالية وإصلاح قطاع الأمن لمزيد من المحادثات.

وشاركت في مراسم التوقيع أيضاً “الآلية الثلاثية” الدولية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة “إيغاد”، بجانب “الآلية الرباعية” التي تضم السعودية والولايات المتحدة ودولة الإمارات وبريطانيا، بالإضافة إلى ممثلين عن دول الاتحاد الأوروبي والبعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى الخرطوم.

وسيعمل الاتفاق على إطلاق عملية شاملة لصناعة الدستور، وتنظيم عملية انتخابية شاملة بنهاية فترة انتقالية مدتها 24 شهرا على أن يتم تحديد متطلباتها والتحضير لها في الدستور الانتقالي، لتكون ذات مصداقية وشفافية وتتمتع بالنزاهة.

كما حظر الاتفاق تكوين ميليشيات عسكرية أو شبه عسكرية، وحظر أيضا مزاولة القوات المسلحة الأعمال الاستثمارية والتجارية، ما عدا تلك التي تتعلق بالتصنيع الحربي والمهمات العسكرية.

وأكد المتحدث باسم القوى السياسية والمدنية التي وقعت الاتفاق، الواثق البربر، أن الاتفاق جاء ثمرة نضالات كبيرة وأن الغاية منه تأسيس سلطة مدنية بالكامل في مستوياتها السياسية والتشريعية والتنفيذية.

وطالب بتطبيق مبدأ العدالة الانتقالية وعدم الإفلات من العقاب فيما يتعلق بجرائم انتهاكات حقوق الإنسان.

متى يجد الاتفاق قبولا شعبيا؟
يعتقد صلاح أن “الضامن الأكبر هو قدرة الجبهة المدنية في السودان على أن تتوحد وتتجاوز تبايناتها البسيطة وتتفاعل مع بعضها البعض بحيث أنها تحصن مسار التحول المدني الديمقراطي وتحقق العبور الآمن للفترة الانتقالية”.

وأكد أنه “كلما استطاعت الهياكل المدنية التي تم التوافق عليها اليوم إنجاز شيء ملموس للسودانيين على أرض الواقع، خصوصا في الملفين الاقتصادي والأمني، ستجد السلطة الجديدة التفافا حولها أكثر، عوضا عن الترحيب الحذر الموجود الآن”.

لكن صلاح يرى في نفس الوقت أنه “يجب على السودانيين والجبهة المدنية ورجال المقاومة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني أن تستفيد من تجربة الفترة الانتقالية قبل انقلاب 26 أكتوبر بحيث أنها تستطيع أن تصل إلى معادلة تحقق من خلالها العبور الآمن للفترة الانتقالية”.

هذه المرحلة تحتاج إلى البعد عن التخوين والالتفات إلى أن ما يجمعها أكثر مما يفرقها، وأن هدف جميع أطراف الجبهة المدنية واحد، وهو بناء دولة مدنية ديمقراطية، يمكننا أن نختلف في الوسائل أو تتنوع لكن يمكنها أن تتكامل مع بعضها البعض لتحقيق الهدف المنشود لدى الجميع”.

واعتبر ممثل الأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرذيس ،أن الاتفاق “ليس مثاليا”، لكنه أكد أنه يؤسس للبدء في انتقال ديمقراطي، وحث القوى السياسية على المشاركة فيه.

ورحبت الولايات المتحدة والنروج والمملكة المتحدة والإمارات والسعودية بتوقيع الاتفاق، واعتبرت في بيان مشترك أصدرته وزارة الخارجية الأميركية “إنها خطوة أولى أساسية نحو تشكيل حكومة بقيادة مدنيين وتحديد ترتيبات دستورية لتوجيه السودان خلال فترة انتقالية تفضي إلى انتخابات”.

قناة الحرة

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...