عبد الحفيظ مريود: ملاحظات على سلوك شيخ
بدون زعل
ها أنا أرفَعُ وجهيْ لسماواتِكَ
لكنْ لا أرى شيئًا..
وها أنت تراني
فأنا الآن ضرير..!
أُترى يُبْصِرُ مَنْ لسْت تَراهُ..؟
هكذا يستهل مظفر النواب واحدة من أروع قصائده في الحسابات الدقيقة للمتدينين، للشيوخ الأوفياء للنص، يعتبر مظفر النواب فاسقاً، مارقاً، زنديقاً وقد يذهب بعضهم أبعد من ذلك، فيكفره.. السلفيون سيفعلون ذلك، بلا أدنى شك.. فهو شيوعي ذو خلفية شيعية، معارض لنظام صدام حسين، قضى معظم حياته في حانات دمشق، لا يكاد يفيق.
شايف كيف؟
وموسى بن عمران – عليه السلام – يخرج بني إسرائيل لصلاة الاستسقاء، في سنة جفاف.. يصلون، ثم لا يحدث شيء.. يعيدون صلاتهم وتضرعاتهم، ثم لا شيء.. يوحي الله، جل اسمه وتعالى ذكره، إلى موسى أن “بينكم رجل سيئ جداً.. إذا لم يخرج من صفوفكم، لن أستجيب دعاءكم”.. ينظر موسى إلى قومه، ويخبرهم.. يلتفت كل منهم إلى الآخر، بحثاً عن الشخص الذي منع سوؤه غيث السماء.. الرجل يقول في نفسه: “يا رب لقد سترتني طوال هذا الوقت، وأنت تعلم ما أفعل.. فلماذا تفضحني أمامهم؟”..
لا يكاد يتمم مناجاته حتى ينهمر الغيث.. يجري كل ليروي ظمأه، يملأ أواعيه.. وحين يستعلم موسى، عليه السلام، إذ لم يخرج الرجل السيئ، يوحي إليه ربه، تقدست أسماؤه (إنها مسألة بيني وبين عبدي، وقد سويت)..
شايف؟
أترى يبصر من لست تراه؟
غاية الدين المدرسي، أنه “معهد لتعليم الأخلاق”، كما كان يقول لي عمك موريس، أحد أبرز مشايخ الجمايكيين الراستفاريانز، في مدينة شاشامني، بإثيوبيا (ما تحتاج إليه أبعد من القواعد الصارمة.. تحتاج أن تعمل على ترقية روحك، لتكون مستعدة للفيض الإلهي).. التصوف كله، منذ أن خلق الإنسان (الهندوسي، الصيني، اليهودي، المسيحى والإسلامي) يقول كلام الجامايكي العجوز، لكن المدرسين يقطعون الطريق بالنسبة إليهم: حين تتجاوز الإشارة، فأنت ترتكب مخالفة تستوجب العقاب.. وإلى أن يأتي عقابك، فأنت خارج التصنيف.. هل تصدق أنه، ذات يوم، خلال الألفينات هذه، كتب سعد أحمد سعد، أحد المتشددين المتشدقين، يطلب إلى الفنان صلاح بن البادية، ألا يتحدث في الدين والتصوف، وغيرها من “علوم الخاصة”، لأنه فنان، حتى ولو كان سليل سجادة صوفية؟
والروايات تقول إن أحدهم دخل مسجداً، وحين وجد الإمام هو صلاح مصطفى الفنان، ترك الصلاة، وخرج يبحث عن مسجد آخر..
شايف كيف؟
“وما علمناه الشعر”.. المعنى الأصلي أن “تعليم الشعر” فعل لا يفعله إلا الله.. وكذا الموسيقى، الرسم، النحت، الميكانيكا، الهندسة عموماً، وغيرها من العلوم.. ذلك هو التوحيد الصميم.. إذ ليس من إله آخر يهبك موهبة.. صوتك الجميل للغناء.. أم إن هناك إلهاً آخر – سبحان المعبود الحق – أعطى فيروز صوتها، أم كلثوم، كاظم الساهر، سيف الجامعة، شيرين، وردي، وغيرهم؟ إذن لم يعطهم أصواتاً جميلة وإحساساً مرهفاً، فقط، ليكونوا مقرئين، مادحين، ومعلمي قرءان في الخلاوي.. يسر كل لما خلقه له.. حتى لا تفسد الحياة.. تخيل لو أن الأرض كلها “علماء شرعيون”.. الأرض عبارة عن “طالبان”، كيف كان سيكون أهلها؟
قال الأمين البدوي كاكوم: (أنا أتقرب إلى الله تعالى بسماع صوت عبد العزيز محمد داوود).
لغْزُكَ مِمَّا عَجزَتْ عَنهُ عُقولُ الخلق
في غيهب كأسٍ يَنجليْ
كمْ أنْتَ في السِرِّ وفي الكَشفِ خطيرْ
وسؤالي..
مَنْ هوَ المَسؤولُ عَنْ مِحْنةِ ما مَرَّ
وما يَجري وما يُرسَمُ
واعذرنيْ إذا أغرَقْت في الخمْرِ فؤاديْ
هكذا البَدءُ إذن كيف المَصيرْ..؟!
ما تَجرَّأتُ
ولكنْ أنتَ قد جرأتنيْ
إنَّكَ لا تَغضَبُ مِنْ أيِّ سؤال واحتجاج
هكذا يخاطب مظفر النواب ربه.. يا للجمال والبهاء والجلال.. قلت لي شيوعي سااااي كدا، وما عندو علاقة بالدين؟ أي دين ندعو إليه، إذن؟ “وهل الدين إلا الحب؟”، أو كما قال سيدي جعفر الصادق، عليه السلام.