عادل الباز يكتب: النصوص الخفية في ثنايا الاتفاقية
1
من خلال قراءة متعمقة للنص الإطاري الذي تلاه على مسامعنا السيد لقمان يوم توقيع الاتفاق، الإثنين 5 ديسمبر 2022، بدا لي أن هناك نصان، نص لقمان ونصٌ آخر مخفي، فليسمح لى أستاذ ياسر بتسميته بنص عرمان باعتبار انه عرّاب هذه الصفقة كما تشير كل الدلائل. سأوضح لماذا انتابتني الشكوك حول وجود نص خفي من خلال استعراض بعض فقرات النص الوحيد الذي بين أيدينا، نص لقمان.
2
لنبدأ بالفقرة الثالثة من نص الاتفاق وهى التي تتعلق بهياكل السلطة/ أربعة هيكل كالآتي:
تتكون هياكل السلطة الانتقالية 1. المجلس التشريعي الانتقالي 2 . المستوى السيادي الانتقالي 3. مجلس الوزراء الانتقالي.
4.المجالس العدلية والمفوضيات المستقلة.
هنالك هياكل تُشكلها القوى الموقعة على الاعلان السياسي. مثلاً المجلس التشريعي تُشكله القوى الموقعة على الاعلان السياسي بحسب نص المادة (1) من الاتفاق الإطاري.
أما فى المستوى السيادي فتنص المادة (2): (تقوم قوى الثورة الموقعة على الإعلان السياسي بالتشاور لاختيار مستوى سيادي مدني محدود بمهام شرفية، يمثل راساً للدولة، ورمزاً للسيادة، وقائداً أعلى للأجهزة النظامية).
نُلاحظ فى هذا المستوى أن قوى الثورة الموقعة على الاعلان… أكرر قوى الثورة فقط لها حق اختيار مستوى سيادى مدنى محدود…. بمعنى أن القوى الأخرى التي لا تدخل فى هذا التصنيف ليس لها الحق فى المشاركة فى اختيار المستوى السيادي… تشكيل هذا المستوى السيادي لا يجرى إلا بالتشاور….استوقفتني كلمة بالتشاور…فتساءلت مع من….؟ لابد أن هناك جهة ما لا بد أن تجري مشاوراتها بصورة ملزمة فماهى تلك الجهة أو الجهات.؟ بلا شك ليست هى قوى الانتقال (تعريف قوى الانتقال هى القوى التي وافقت على التحول الديمقراطى وآمنت بالثورة حتى لو كان تصنيفها فلول سقطوا مع البشير) وإلا كان قد تم النص عليها بجانب قوى الثورة.
من هى تلك الجهة ولماذا لم ينص عليها صراحة؟.فى تقديرى ان تلك الجهة هى العسكر ولا أحد غيرهم…وهذا منطقى فكيف يوافق العسكر على أن تعين قحت رئيس دولة مدني هو القائد الأعلى للجيش دون أن تشاور فيه العسكر؟.
لماذا تم اخفاء الشريك فى الاختيار، بمعنى لماذا حذف العسكر من النص المعلن؟. المرجح أن قحت وهى تعلن انها حصلت على دولة مدنية كاملة لا يمكن لها الاقرار أمام جمهورها أن لها شريكاً أصيلاً (العسكر) في تعيين رئيس الدولة المدني، فالعسكر مثلاً لا يقبلون بشخصية مجهولة على رأس الدولة، ولا بشخص غير مأمون من طرفهم، مثلاً مستحيل أن يوافقوا على سيء الذكر صلاح مناع قائداً أعلى للجيش.!! ولهذا تم ترك كلمة التشاور دون تعريف الجهة التى ستجرى مشاورتها معلقة هكذا للخداع البصرى خوفا من الجماهير الذى تنظر إليها بعين الريبة، والتى وعدوها بدولة مدنية لا دخل للعسكر فى كافة هياكلها وشئنونها .
فى هذا المستوى فالجيش هو الذى يعتمد الرئيس المرشح من قبل قحت؟. هناك معلومات تروج فى المدينة غير مؤكدة تقول أن الجيش يصر أن تكون تلك الشخصية ذات خلفية عسكرية، وهذا طبيعي، إذ ليس من الحكمة القبول بشخصية تصبح القائد الأعلى للجيش ولكل الأجهزة النظامية العسكرية والأمنية دون معرفة ما بطبيعة تلك الأجهزة.. عملها وأسرارها.
3
فى الفقرة الرابعة التي تنص على (الاتفاق على اختيار رئيس الوزراء الانتقالي بواسطة قوى الثورة الموقعة على الاعلان السياسي بالتشاور، وذلك وفقا لمعايير الكفاءة الوطنية، والالتزام بالثورة والاعلان السياسي ومهام وقضايا الانتقال)
هنا أيضا فى اختيار رئيس الوزراء الذى يتم بواسطة قوى الثورة ولكن بالتشاور…يطل السؤال أيضا هنا، مع من ؟. بالقطع ليس بالتشاور مع قوى الانتقال والا لكان قد تم النص عليها كما سنلاحظ فى النصوص الأخرى لاحقاً. يصبح ان الجهة التي ستشاورها قحت هى العسكر أنفسهم، بمعنى أن العسكر شركاء فى اختيار رئيس الوزراء الذى لن يمر دون اعتماد العسكر. ولكن هذا النص مخفي خوفا من الجماهير التي تم تسويق الاتفاق لها بأن العسكر لا دخل لهم باختيارات رئيس الوزراء باعتبار أن ذلك يخدش فى المدنية!.
بموجب هذين النصين فان رئيس المجلس السيادي المدني، ورئيس الوزراء لا بد أن يجرى اعتمادهما من قبل العسكر، أي انهم لهم حق الفيتو فى أى اختيار ليعجبهم.!! مدنية لابسة بوت وكاب.!!
4
الآن، أنظر ياهداك الله إلى الفقرة (5) التي تنص (يتشاور رئيس الوزراء الانتقالي مع الأطراف الموقعة على الإعلان السياسي والدستور الانتقالي، باختيار وتعيين الطاقم الوزاري، وحكام الولايات أو الاقاليم، من كفاءات وطنية ملتزمة بالثورة والاعلان السياسي ومهام وقضايا الانتقال دون محاصصة حزبية، ودون استثناء لأي طرف من أطراف الإعلان السياسي)
فى هذه الفقرة تم النص بشكل محدد ومباشر أن رئيس الوزراء سيتشاور مع الأطراف الموقعة على الاعلان السياسى والدستور الانتقالى (قوى الانتقال)… أى أن التشاور مع جهات محددة عكس ماهو فى حالة رئيس مجلس السيادة ورئيس مجلس الوزراء. يعنى ذلك أن قوى الانتقال ليس لها الحق في التشاور فى رئيس مجلس السيادة، ولا رئيس الوزراء، فقط بعد تعيين رئيس الوزراء يتم التشاور معها دون محاصصة حزبية، بمعنى انه ليس لها الحق فى المطالبة بنصيب فى الغنيمة، فلايجوز لها وليس من حقها المطالبة بحصة فى السلطة.!!.مردوفة وتعاين بعيونها بس.!!. استغفر الله، بل يشاورها رئيس الوزراء ولكن هذه الشورى هل هى ملزمة لرئيس الوزراء (من وراءه قحت والعسكر) أم يشاروها ويقرر ما يراه مناسبا. أيضا النصوص بين أيدينا لا توضح طبيعة هذا التشاور. وقع ليكم الفرق بين حقوق قوى الثورة وباقي العويش أو الفلول المردفين فى الإعلان السياسي.؟ آمل ذلك.
5
فى بحثنا على النصوص الخفية دعونا نذهب الآن للفقرة المتعلقة بوضعية الأجهزة النظامية في جمهورية السودان هي1. القوات المسلحة.
2. قوات الدعم السريع.
3. الشرطة.
4. جهاز المخابرات العامة.
هذه الفقرة عجيبة…تمنح حقوقاً للدعم السريع أكثر مما تمنحه للأجهزة النظامية الأخرى لسبب مجهول.. كيف الكلام ده ووين..؟ إقرأ..
الجيش فى الاتفاق الإطاري (تحظر القوات المسلحة من الأعمال الاستثمارية والتجارية ما عدا تلك التي تتعلق بالتصنيع الحربي.)
المخابرات العامة (يحظر الجهاز من ممارسة العمل التجاري والاستثماري، إلا في إطار أدائه لمهامه)
الشرطة (يحظر على قوات الشرطة ممارسة أي أعمال استثمارية أو تجارية.)
الدعم السريع…. ولا كلمة عن استثماراته وشركاته … !!! عجيبة ليه كده؟ فلقد أغفل الاتفاق الإطاري (عمداً) شركات واستثمارات الدعم السريع، مما يعنى أن كل القوات النظامية محظور عليها التجارة والاستثمار ماعدا الدعم السريع… ليه؟يبتما يعلم الموقعون على الاتفاق علماً يقينياً نافياً للجهالة، كما يعلم كل راع ضأن في ربى السودان وسهله، ان الدعم السريع يمارس نشاطاً اقتصادياً مهولاً ويتملك ويدير استثمارات ضخمة تتجاوز التراب الوطني الى الدول المجاورة. للدعم السريع إمبراطورية من الشركات وبنوك ومشاريع وهذا معلن..!. كان بإمكان الموقعين على الاتفاق سؤال السفير الأمريكي، فلا بد أنه يحتفظ بنسخة من تقرير معهد الدراسات الدفاعية الأمريكي (حاميها حراميها) الذي رصد شركات الجيش والدعم السريع.
وقد يكون هذا جزء من مكافأة الدعم السريع فى دعم هذا الاتفاق وتمريره. مين عارف، قد تكون هناك نصوصاً خفيةً فى هذا المجال.
كل القوات النظامية تم تجريدها من استثماراتها وسمح للدعم السريع فقط بالاحتفاظ بـ إستثماراته وممارسة نشاطة التجارى عادى. صفدت أيدي الأجهزة من التجارة وأطلق سراح الدعم السريع. ماشي.هل سيوافق الجيش على السماح لقوات الدعم السريع منفردة بممارسة التجارة ويحظر على الباقين .. وماهى الفكرة؟ هل الفكرة إضعاف تلك الأجهزة وتقوية الدعم السريع؟. هل سيقبل أفراد قوات الشعب المسلحة بتجريدهم من شركاتهم التى شيدوها من مساهمتهم عبر الصندوق الخيري بينما يرون شركات وبنوك الدعم السريع تتضخم وتحصد كل المكاسب الاستثمارية والتجارية وهم ينظرون؟
5
أخيراً.. يجري خلط بين الاتفاق الإطاري الذي وقع مؤخراً وبين الإعلان السياسي. فالموضوعان مختلفان من ناحية النصوص ومن ناحية حقوق وواجبات القوى الموقعة عليهما، واشتراطات ذلك التوقيع فى كلا من الاثنين (الإطاري/ الإعلان السياسي.)
مثلاً، هناك فرق بين القوى الموقعة أو التي ستوقع على الاتفاق الاطارى والقوى الموقعة على الاعلان السياسي. القوى التي ستوقع على الاتفاق الإطاري ليس لها أدنى حق فى التدخل في تشكيل هياكل السلطة التنفيذية او التشريعية، لها الحق فقط فى مناقشة القضايا المعلقة الأربعة المضمنة فى الاتفاق الإطاري. ليس للموقعين على الاتفاق الإطاري التدخل في التعيينات والترشيحات لهياكل السلطة فهذا ممنوع بل هو حق حصري لقوى الثورة وقوى الانتقال التي سبق أن وقعت على الإعلان السياسي الذى أغلق باب التوقيع عليه منذ زمن غير معلوم. الغريب أن الإعلان السياسي هو نفسه غير مُعلن…وأغلق، ولا يمكن فتحه لآخرين للتوقيع عليه. لذا الناطقين باسم الحرية والتغيير يقولون إن هذا اتفاق مغلق.
ما أكثر النصوص الخفية فى الاتفاقية وستكشفها الأيام. بالأمس فقط اتضح أن مبارك الفاضل لا يمكنه التوقيع فى الإطاري لأنه غير مستوفٍ لشروط قحت السرية، وهكذا كل يوم سيظهر إلى العلن ما هو مخفي فى ثنايا نصوص الاتفاقية وسترون عجباً.