السودانيون منقسمون في «ذكرى الثورة»
يحتفل السودانيون – كل على طريقته – على مضي أربع سنوات لذكرى انطلاق الثورة السودانية، وإسقاط نظام الإسلاميين بقيادة الرئيس السابق عمر البشير، فقوى المعارضة الشعبية ولجان المقاومة تعتبر المناسبة تصعيداً للمقاومة السلمية لـ«إسقاط» الحكم العسكري وإقامة الحكم المدني. بينما يعمل تحالف المعارضة «الحرية والتغيير» على إكمال الاتفاق الإطاري الذي وقعه مع الجيش ديسمبر (كانون الأول) الحالي إلى اتفاق نهائي. وفي ذات الوقت فإن «حكومة الأمر الواقع» أعلنت المناسبة عيداً وطنياً، بما يزيد المشهد السياسي تعقيداً وارتباكاً، ويجعل من التكهنات بتطورات الأوضاع قريباً من «الضرب بالرمل».
وشهدت البلاد خلال السنوات الأربع أحداثاً متلاحقة، فتشكلت حكومتان برئاسة عبد الله حمدوك، الأولى حكومة «تكنوقراط»، والثانية «ائتلافية» سيطر عليها تحالف المعارضة «الحرية والتغيير»، ولاحقاً أطاح قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بالجميع في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بإجراءاته التي حل بموجبها الحكومة وأعلن حالة الطوارئ في البلاد، وألقى القبض على رئيس الوزراء ومساعديه والقادة السياسيين في الحرية والتغيير، لكنه تراجع في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 عن إجراءاته التي اعتبرتها المعارضة «انقلاباً» ليعاد عبد الله حمدوك رئيس الوزراء إلى مكتبه، ليعلن عقب ذلك استقالته بعد نحو شهر، ومنذ ذلك الوقت ظلت البلاد «بدون حكومة».
وقبيل بث بيانه الأول، واجه البرهان معارضة مدنية قوية تقودها «لجان المقاومة» والأحزاب السياسية، ترفض ما تسميه «الانقلاب»، وتطالب بعودة الحكم المدني تحت ثلاثة لاءات «لا تفاوض، لا شراكة، لا اعتراف بالانقلاب»، والتي واجهتها سلطات الأمن بالقمع، وأدى إلى مقتل 122 متظاهراً وجرح الآلاف، دون أن تتوقف الاحتجاجات أو تتراجع، وفي ذات الوقت واجه المجتمعان الدولي والإقليمي قرارات البرهان بالرفض المطلق، وسارع الاتحاد الأفريقي إلى تجميد عضوية السودان في المنظمة الإقليمية، واعتبرتها الأمم المتحدة «انقلاباً» عسكرياً.
وحالت الضغوط المدنية والتظاهرات والمواقف الدولية الإقليمية دون تنفيذ «قائد الجيش» أياً من تعهداته في بيانه الأول، ولم يتمكن – على الأقل – من تشكيل حكومة تقود البلاد كما وعد في غضون شهر، وترك البلاد في «فراغ» أدى لتفاقم الأزمة السياسية والأمنية والاقتصادية وتردي علاقات البلاد الدولية، وإلى توقف مساعدات اقتصادية مهمة كان من المنتظر أن تسهم في إنقاذ البلاد، فضلا عن تأجيل استفادتها من برنامج إعفاء الديون.
إزاء هذا الوضع الذي آلت إليه مقاليد الأمور في البلاد، اضطر قادة الجيش للاعتراف «علناً بفشل الانقلاب»، ومن ثم دخلوا في مفاوضات مع المعارضة «الحرية والتغيير» عبر الوساطة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب الآلية الدولية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في السودان «يونيتامس»، والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية «إيقاد».
وتوصلت الاجتماعات المكثفة بين الطرفين إلى توقيع «اتفاقية إطارية» 5 ديسمبر الجاري مع تحالف المعارضة والقوى المناهضة للانقلاب، نص على تكوين حكومة مدنية كاملة، وعودة الجيش إلى ثكناته، وتسكين قادته في مجلس «أمن ودفاع» يرأسه رئيس الوزراء المدني، ورئيس دولة بمنصب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
لكن اتفاق الجيش والقوى الموقعة عليه، لم يجد تأييداً من شرائح عديدة، فمن جهة اعتبرته لجان المقاومة تخلياً عن أهداف الثورة، و«اتجاراً في دم الشهداء»، وتعهدت بإسقاطه، وتحالفت معها أحزاب يسارية أبرزها الشيوعي، ثم التحق بهم بعيد التوقيع «حزب البعث» الذي كان يعتبر عراباً للعملية السياسية معلناً خروجه من تحالف الحرية والتغيير، ما أدى إلى مشهد منقسم ومتنافس بين أطراف الصراع السياسي السوداني.
وبمواجهة ذلك، دعت لجان المقاومة لمواكب مليونية «اليوم» تتجه نحو القصر الرئاسي، وقالت إنهم وفقاً لبيانات صادرة عن تنسيقياتها، سيواصلون «النضالات بشتى الوسائل المختلفة» من أجل الوصول لسلطة مدنية كاملة، وبلوغ دولة الحرية والسلام والعدالة، وإن مواكب اليوم تحمل اسم «إسقاط الانقلاب والتسوية».
وقالت القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري قبيل يوم من الذكرى إنها تعمل بروح جماعية مشتركة لإكمال خطوات المرحلة الثانية من العملية السياسية والوصول لاتفاق نهائي، وإنها ترفض ما تسميه «إغراق العملية السياسية» بمحاولات إلحاق أطراف «غير حقيقية» ولا علاقة لها بالثورة، وجددت الدعوة لـ«حركات الكفاح المسلح» وقوى الثورة للمشاركة في المرحلة الثانية للوصول لاتفاق نهائي ينهي الأزمة الوطنية.
وأعلنت قوى الاتفاق أنها «تفاوض بيد وباليد الأخرى ستشارك في الحراك السياسي والمقاومة المدنية»، ودعت الحركة الشعبية لتحرير السودان – التيار الثوري، ويقوده القيادي البارز في تحالف المعارضة ياسر سعيد عرمان في بيان أمس، إلى الوقف الكامل للعنف ضد المواكب السلمية وإتاحة حرية النشاط باعتبارها شروطاً تحدد مدى الالتزام بالاتفاقية الإطارية، وأضافت: «نناشد بالمشاركة في مواكب 19 ديسمبر، ونطالب بعدم استخدام العنف ضدها، وندعو لدعم إضراب المعلمين، وإطلاق سراح كافة المعتقلين جزء من تهيئة المناخ».
وبمقابل هذه الضغوط مجتمعة اضطرت «حكومة الأمر الواقع» لإعلان المناسبة «عطلة رسمية»، وهو ما اعتبره معارضون محاولة لخنق الاحتجاجات المزمعة، فأصبح «مثار سخرية» من قبل النشطاء، الذين شرعوا في الحشد المبكر لليوم قائلين إنه «يوم نضال وليس احتفالاً»، بيد أن الفارق بين اليوم ويوم «انطلاقة الثورة» أن «الشارع» منقسم على نفسه، بمواجهة نحو «عشرة جيوش» وليس جيشاً واحداً كما كان الحال عليه في التاريخ من عام 2018.