الطاهر ساتي يكتب: الاعتذار للبرهان..!!
:: (قعدة عرقي)، أدارت فيها أم عمرو الكاس على اليسار، فعاتبها الشاعر عمرو بن كلثوم – في معلقته الشهيرة – بالنص: (صبنت الكأس عنا أم عمرو / وكان الكأس مجراها اليمينا)، أي صرفت الكأس عنا يا أم عمرو، ويجب أن يكون مجرى الكأس على اليمين، حيث أجلس منتظراً، ولكنك أجريتها على اليسار.. كُتُبُ العرب التي وثقت عتاب عمرو، لم تذكر سبب تغيير أم عمرو مجرى الكأس من اليسار إلى اليمين.. ولو سألوا ياسر عرمان عن السبب، لأجاب بلا تردد: (عشان عمرو ضد ثورة ديسمبر المجيدة)..!!
:: فالرجل إذا أصابته أنفلونزا، يتهم الفيروس بمعاداة ثورة ديسمبر المجيدة وبالموالاة للنظام المخلوع.. وعلى سبيل المثال منتصف مساء الخميس، والصحيفة تحت الطبع تحصل قسم الأخبار على حزمة أخبار، منها أن ياسر عرمان قدم اعتذاراً لرئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، ثم سافر إلى لندن، وذلك على خلفية تصريحات اتهم فيها البرهان بالتنصل عن الاتفاق الإطاري، وأن بابكر فيصل القيادي بقوى الحرية كان مرافقاً لعرمان في زيارة البرهان..!!
:: ولأن النسخة الورقية كانت في مرحلة الطباعة، كلفت قسم الأخبار بنشر كل الأخبار، بما فيها اعتذار عرمان للبرهان، في النسخة الإلكترونية التي تعمل على مدار الساعة واليوم.. وقد كان، بحيث نشروا الأخبار، ثم ناموا وربما (شخّروا)، أي كما كان يفعل المتنبئ بعد أن يكتب أشعاره، حسب قوله: (أنام ملء جفوني عن شواردها / ويسهر الخلق جراها ويختصم).. وصدقاً، مع فجر الجمعة، صحونا على خصام عرمان وآخرين، غضباً على خبر الاعتذار..!!
:: لم نقف عند صخب وغضب من وصفتهم بالآخرين، فهم محض قطيع يميل حيث يميل كبيرهم بلا تفكير.. ولكن المحزن الذي استوقنا، ما يلي بالنص: (الخبر الذي نشرته (اليوم التالي) في عددها اليوم خبر بلا أخلاق ولا مهنية، ويتعمد الفبركة والفتل والفتن.. والفلول لم يفيقوا بعد من صدمة الإطاري، إذا كانت الجريدة جادة لضمنت رأيي قبل النشر، ولا يفيد الجس بعد الضبح، إنها (انتباهة) أخرى)، تغريدة لياسر عرمان، غاضباً على نشرنا لخبر الاعتذار..!!
:: قرأت التغريدة، مرة وأخرى، بحثاً عن نفيٍ يستدعي الاعتذار للقارئ وعرمان، مع محاسبة المحرر، ثم سحب الثقة عن المصدر أو المصادر، وللأسف لم أجد في أسطر التغريدة ما يُكذب الخبر ولو تلميحاً.. فالتغريدة تصف الخبر باللا أخلاقي، وهذا وصف تقديري، يختلف من شخص لآخر، ومن ثقافة لأخرى.. وكنا نظن أن الاعتذار عن الخطأ فضيلة، وأن نشر الاعتذار ترسيخ للفضائل في المجتمع، وما كنا نعرف أن نشر الفضيلة في ثقافة عرمان (غير أخلاقي)، وقد عرفنا، فنلزم.. أما بقية أسطر التغريدة، فهي نوع من (الإسقاط)..!!
:: فالإسقاط، كما يقول علم النفس، حيلة للدفاع عن النفس باتهام الآخرين.. (تشتيت الكورة)، بلغة رواد الملاعب.. وإن لم يكن كذلك، فما علاقة الاتفاق الإطاري بخبر الاعتذار للبرهان؟، وما علاقة ثورة ديسمبر المجيدة والثورة المهدية وفوز الأرجنتين بخبر الاعتذار؟، وما علاقة الانتباهة والاستغفال وجيفارا والفلول والزاكي طمل بخبر الاعتذار؟.. ليست هناك علاقة بين الحدث والأوهام.. وكل المطلوب من عرمان ثلاث كلمات فقط: (لم أقابل البرهان ولم أعتذر)، ليكون له علينا حق الاعتذار في الهواء الطلق، وليس في (الغرف المظلمة)، مثل التسوية الثنائية والدستور الانتقالي..!!