عبدالحفيظ مريود يكتب: قصة ليست للنشر

بدون زعل

كانت شاحنة (بطاح) قد انحرفت عن رأسها، وعن الطريق، فاعترضت العقبة الصاعدة في طريق بورتسودان.. اصطفت السيارات الخارجة من بورتسودان، في انتظار إيجاد حل.. الوقت عصر.. فرشنا فرشتنا، و”دورنا الحريق”.. كنا فريق عمل نوضب فيلماً وثائقياً عن السكة الحديد.. البوكسى الدبل كاب، أمامنا جديد لنج.. نزل منه ثلاثة رشايدة.. تسكعوا، كان أحدهم – العشريني – ضائقاً، يريد أن يجد منفذاً ليتخارج.. الأربعيني كان يحاول أن يفهمه أن ليس من ثمة منفذ إلا أن تأتي شرطة المرور، فتدبر وضعنا، فاصبر مع الصابرين.. وقف الأربعيني على رؤوسنا.. ماذا تلعبون؟ حريق؟ قلنا نعم.. قال وزعوا لي “سأربعكم”..
شكيناها من جديد، وأدخلناه رابعاً..
شايف كيف؟
حمدان، اسم الرشيدي الأربعيني، كان حريفاً.. لكنه لم يجد حظه معنا.. ثالث الرشايدة يعرج في نهاية الثلاثينيات أو وسطها.. جلس على طرف الفرشة.. يراقب اللعب.. قبل أن ننهي العشرة، كانت شرطة المرور قد جاءت بسياراتها ذات الأبواق والإضاءة.. على الجميع أن يعيدوا وضع سياراتهم في طريق العودة.. سترافقنا الدورية دليلاً، سالكين العقبة النازلة حتى جبيت.. نهض الجميع، والجميع يريد أن يدير سيارته ليكون الأول، كعادة السودانيين.. مع أن تغيير الوضعية سيجعل الأخير هو الأول، والعكس..
المهم..
تساوقنا تقودنا دورية المرور إلى جبيت.. ثم صار كل وجدارته.. سيارتنا رفضت إلا أن تتحرن.. لا تتجاوز سرعتها الستين.. كان علينا أن نفحصها في سنكات.. في طرف السوق لمحنا بوكسي الرشايدة.. ثلاثتهم يأكلون في مطعم، حلفوا علينا أن ننضم إليهم، اعتذرنا لأننا نبحث عن ميكانيكي، نفض حمدان الرشيدي يده، ووقف يؤشر إلى اتجاه.. هناك ميكانيكي شاطر، قولوا له من طرف حمدان..
وصلنا الميكانيكي.. قال كذا وكذا يجب تغييرهم.. دكان الإسبيرات قريب، سنتحاسب.. وهو منهمك في تغيير الأشياء، جلسنا عند بائعة الشاي القريبة.. جاء بوكسي الرشايدة ونزلوا.. ماذا وجد العلة؟ أخبرناهم.. تآنسوا قليلاً، قبل أن يستأذنوا.. سينتظروننا في هيا، ليطمئنوا.. حمدان ذهب إلى الميكانيكي.. الرجل صاحبه، طبعاً.. حين رجع قال: “ما تحاسبوا الميكانيكي.. أنا دفعت “.. شرحنا له أن هذه سيارة شركة.. وأن هناك ميزانية إنتاج، قال لا أعرف..”علي الطلاق ما ترجع.”
شايف كيف؟
في هيا كانوا ينتظروننا.. وصفوا لي مكانهم، كافتيريا سياحي.. كانوا قد طلبوا الأكل ودفعوا، لأننا لم نأكل معهم في سنكات.. الطلاق والحلايف راقدة رز.. ما هذا.. كانت السيارة قد عادت إلى سيرتها قبل الميكانيكي.. لا تتجاوز الستين.. قرر الرشايدة أن يسيروا أمامنا بسرعة الستين، لأن “الوقت ليل، والدنيا ما معروفة”..
عند مدخلهم، قبل عطبرة بقليل، إذ ترعى إبلهم في فلاة الله، ودعونا.. سنطمئن عليكم هاتفياً، حتى تصلوا عطبرة..
وقد كان..
هل ما يزال أمثال هؤلاء موجودون؟
ربما…
ولكن أخلاق الرجال تضيق، أو كما قال المتنبئ..

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...