السودان.. التعليم الفني يسترد عافيته
رفعت الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها السودان حاليا درجة الوعي بأهمية التعليم الفني والمهني، مما جعل هذا القطاع يسجل انتعاشا كبيرا خلال الفترة الأخيرة بسبب سهولة حصول المتخرجين من مدارس ومراكز التدريب المهني والفني على وظائف مجزية، في بلد تصل فيه معدلات البطالة في أوساط الشباب إلى أكثر من 40 في المئة.
ويعزي الكثير من المختصين ارتفاع معدلات البطالة في السودان إلى وجود نحو 87 جامعة وكلية جامعية، تركز معظمها على دراسات نظرية وتخرج سنويا آلاف الطلاب الذين يجدون أنفسهم في قارعة الطريق بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وتراجع معدلات التوظيف، في حين تواجه البلاد نقصا كبيرا في العمالة الماهرة، ويظهر هذا جليا من خلال إهدار البلاد مئات الملايين من العملات الصعبة لاستيراد الأثاث المنزلي وآليات الإنتاج الخفيفة التي يمكن تصنيعها محليا بذات المواصفات العالمية إذا ما وجدت الكوادر الفنية الماهرة.
ومع ارتفاع تكاليف الاستيراد وانخفاض قيمة الجنيه السوداني بأكثر من 800 في المئة خلال السنوات الأخيرة، تزايد الاهتمام بتوطين الصناعات الصغيرة والمتوسطة وهو ما عزز الطلب على خريجي التعليم الفني.
هرم مقلوب
ويصف الخبير الاقتصادي عبد العظيم المهل الهرم التعليم في السودان بـ”المقلوب”، إذ يشكل التعليم الفني والمهني 5 بالمئة فقط من العملية التعليمية في السودان.
ويقول لموقع سكاي نيوز عربية إنه وعلى الرغم من النسبة المتدنية لمؤسسات التعليم الفني، إلا إنها تفتقر للورش والمعامل اللازمة للتدريب.
واعتبر المهل أن إهمال التعليم الفني والمهني انعكس سلبا على مجمل العملية التنموية وأقعد قطاعات مهمة مثل الزراعة والصناعة. وأضاف: “وظائف المستقبل تعتمد اعتمادا اساسيا على المهارات.. وبسبب الميل الكبير للتعليم الأكاديمي نجد أن الفنيين يشكلون 10 في المئة فقط من المهندسين”.
تحول كبير
كشف حسن ادريس مدير الإدارة العامة للتعليم الفني بوزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم لموقع سكاي نيوز عربية عن تزايد كبير في طلبات فتح مدارس فنية ومراكز حرفية لاستيعاب خريجي المدارس المتوسطة والثانوية.
ويؤكد إدريس ارتفاع نسبة الوعي بأهمية التعليم الفني في الآونة الأخيرة، حيث أسهمت الظروف الاقتصادية الضاغطة في تحول كبير في اختيارات التعليم والتركيز أكثر على التعليم الفني والمهني الذي يتيح للخريجين الانخراط سريعا في سوق العمل.
وحتى آواخر القرن الماضي كان التعليم الفني يكتسب زخما كبيرا في السودان، حيث كانت المدارس الفنية تنتشر في معظم أنحاء البلاد، قبل أن يتراجع ذلك الزخم بشكل لافت خلال العقود الثلاثة الأخبرة التي شهدت توسعا غير مدروسا في التعليم الأكاديمي مما خلق مشكلات كبيرة في سوق العمل.
ويشير مختصون تربويين لموقع “سكاي نيوز عربية” إلى تغيير إيجابي كبير في نظرة المجتمع حيال التعليم الفني الذي كانت الكثير من الأسر تعتبره تعليما من الدرجة الثانية ولا تتحمس لإلحاق أبنائها به.
معاهد حرفية
وتضم ولاية الخرطوم حاليا 31 مركزاً ومعهداً حرفياً، لكنها تعتبر قليلة جدا بالمقارنة مع مؤسسات التعليم الأكاديمي بالنظر إلى الحاجة الملحة الاقتصاد السوداني لزيادة مخرجات التعليم الفني والمهني.
وتقول إدارة التعليم الفني بوزارة التربية إنها تسعى للعمل مع الشركات والمنظمات المحلية والدولية لزيادة عدد المدارس الفنية لتشكل في المرحلة الأولى 20 في المئة من مجمل مؤسسات التعليم.
ويشير محمد خالد، مدير إدارة التدريب المهني بوزارة العمل السودانية إلى أهمية تطوير التعليم الفتي لمعالجة الأثر الواضح في الذي أحدثه غيابه، على التنمية ونمو الإقتصاد القومي في السودان مقارنة بكثير من الدول الأوربية والآسيوية التى نهضت وتطورت باعتمادها على التدريب المهني مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية.
ويقول لموقع سكاي نيوز عربية إن نظرة المجتمع السلبية للتدريب المهني كان لها الأثر الكبير في الحد من تطوره بالإضافة إلى عدم اهتمام الحكومات المتعاقبة باحتياجاته.
ومن جانبه يشدد الخبير التربوي محمد حمزة على ضرورة تحسين الصورة الذهنية عن التعليم الفني ومراكز التدريب المهني بالسودان، ويوضح لموقع سكاي نيوز عربية أن الصورة الذهنية السلبية حيال التعليم الفني أثرت بشكل كبير على التنمية في السودان، الأمر الذي أدى إلى وجود عجز في إيجاد الكوادر المؤهلة والاستعاضة عنها بعمالة أجنبية مدربة تدفع لهم أجور باهظة.