المبادرة المصرية الجديدة.. هل تعيد القاهرة للمشهد السوداني؟
يعتقد مراقبون في الخرطوم أن مصر تسعى إلى لعب دور أكبر في السودان بعد إشارة خضراء تلقتها من الإدارة الاميركية التي باتت أكثر تأثيرا في الملف السوداني خلال الفترة الأخيرة.
ويرجح هؤلاء المراقبون أن يكون الدور المصري الجديد على حساب السعودية والإمارات اللتين تشهد علاقتهما مع واشنطن برودا بسبب تقاطعات في ملفات عدة.
ونشطت الرباعية الدولية -التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات- المعنية بالملف السوداني خلال الفترة السابقة، إلى جانب الآلية الثلاثية المؤلفة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد).
واستخدمت الرباعية “العصا والجزرة” مع المكون العسكري والقوى المدنية بعد نحو عام من الجمود السياسي وتباعد المواقف حتى جرى التوقيع على الاتفاق الإطاري في ديسمبر/كانون الأول الماضي ولكنه يواجه معارضة متنامية.
ولا تزال أمام الأطراف 5 قضايا معقدة علقها الاتفاق الإطاري قبل التوصل إلى اتفاق نهائي.
ما وراء التحركات المصرية
ذكرت معلومات حصلت عليها الجزيرة نت أن القيادة المصرية شكلت دائرة لدراسة موقفها من الملف السوداني توصلت إلى ضرورة مراجعة الموقف المصري واعتبرته متراجعا ولا يتسق مع ضرورات الأمن القومي المصري التي تتأثر أغلبية ركائزه بما يجري في جارها الجنوبي.
كما أفادت الدراسة بأن الانسحاب المصري شكل فراغا شغلته دول أخرى بعيدة عن السودان ولا تدرك تعقيداته وتركيبته السياسية والاجتماعية.
كما توصلت المراجعة إلى ضعف دور السفارة والقنصلية المصريتين في الخرطوم، مما أدى إلى تغيير السفير المصري حسام عيسى وحل مكانه في ديسمبر/كانون الأول الماضي هاني صلاح الذي كان يتولى مسؤولية شؤون السودان وجنوب السودان في الخارجية.
كما تم تغيير القنصل العام أحمد عدلي الذي خلفه تامر منير وتسلم مهامه الأسبوع الماضي وتم دعمه بـ3 مساعدين.
وكشف مقربون من القاهرة أن مصر لا تزال نادمة على ضعف دورها في السودان، مما أدى إلى انشطار جنوبه بعدما تولت الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) الوساطة بين نظام الرئيس المعزول عمر البشير والمعارضة المسلحة بقيادة جون قرنق، والتي انتهت باتفاق سلام قاد إلى انفصال الجنوب في العام 2011.
وحاولت مصر تدارك الأمر متأخرة بطرح مبادرة مع ليبيا تحت مسمى “المبادرة المصرية الليبية للمصالحة في السودان”، لكنها ماتت في مهدها بعدما وقفت الدول الغربية وراء المبادرة الأفريقية.
زيارة عباس كامل
حل في الخرطوم يوم الاثنين الماضي رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، وأجرى مباحثات مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان.
وقال المجلس إن كامل نقل رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى البرهان لتعزيز علاقات البلدين، فيما خلا البيان من أي إشارة إلى جهود مصرية في الشأن السياسي السوداني.
وعقد كامل مشاورات منفصلة مع قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، وقوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية)، واقترح على الطرفين استضافة القاهرة مؤتمرا للقوى السودانية لتوحيد مواقفها تجاه قضايا الانتقال في بلادها، وتوسيع القاعدة السياسية من أجل ضمان أمن واستقرار السودان.
ترحيب وتحفظ
وقال الناطق باسم قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية محمد زكريا للجزيرة نت إن كتلته رحبت بالجهد المصري لتقريب مواقف الفرقاء السودانيين، وأبلغت كامل تمسكها بحوار سوداني- سوداني، وأن يقتصر دور القاهرة على الاستضافة وتسهيل وتيسير الحوار، مشيرا إلى أن مصر أكثر تفهما لتعقيدات المشهد السوداني بحكم الروابط التاريخية والاجتماعية بين الشعبين.
ويوضح زكريا أن الكتلة الديمقراطية لا تزال رافضة للاتفاق الإطاري الذي وقعه المكون العسكري مع قوى الحرية والتغيير في ديسمبر/كانون الأول الماضي “ولا يعتبر أساسا لحل الأزمة السودانية لأنه يعبر عن أجندة تيارات محددة، ولن ينتج حكومة قابلة للاستمرار”.
في المقابل، نفى مصباح أحمد القيادي في قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي والمتحدث باسم حزب الأمة القومي (أكبر حزب في التحالف) وجود مبادرة مصرية وإنما “اقتراح” من عباس كامل لعقد لقاء بين كتلتي الحرية والتغيير لتقريب وجهات النظر تجاه القضايا المطروحة.
وقال أحمد للجزيرة نت إنهم أبلغوا كامل أن العملية السياسية وصلت إلى مراحل متقدمة بتوقيع الاتفاق الإطاري وأن الجهود لإلحاق الممانعين بالاتفاق مستمرة، ولن يتعاملوا مع “الكتلة الديمقراطية” كتحالف وإنما يعنيهم رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي وزعيم حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم باعتبارهما طرفين في اتفاق السلام ولا تعنيهما بقية القوى في الكتلة.
وأشار إلى أن الاتصالات غير المباشرة مع مناوي وجبريل حققت تقدما.
مخاوف القاهرة
من ناحية أخرى، قال خبير أمني قريب من المكون العسكري للجزيرة نت إن القاهرة تدخلت أخيرا للعب دور في السودان، لتزايد قلقها إزاء “حالة السيولة” السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد منذ نحو 4 سنوات، ولعدم رضاها عن استبعادها من الرباعية الدولية المعنية بالملف السوداني على الرغم من ارتباطها التاريخي والاجتماعي مع هذا البلد.
وترى مصر -حسب الخبير الأمني- أن تعاطي بعض أطراف الرباعية مع أزمة السودان يعقد الأوضاع ولا يعالجها، لأنها تضعف دور المؤسسة العسكرية وتدعم مكونات صغيرة بلا ثقل سياسي ولا إرث تاريخي ولا جذور اجتماعية، مما يهدد أمن السودان واستقراره، خصوصا أنه يقع في محيط أفريقي مضطرب، مما يفتح الباب أمام الإرهاب وانتشار السلاح والهجرة غير النظامية ويهدد الملاحة في البحر الأحمر.
المصدر : الجزيرة