دكتور خالد حسن لقمان يكتب :محمد الواثق .. أم درمان تنتحب 

 

 

دكتور خالد حسن لقمان يكتب :محمد الواثق .. أم درمان تنتحب

———————————————

 

.. سبحان الله .. لعب القدر في مسار معرفتي بالشاعر الدكتور الرقيق المتواضع المهذب والعالم المبجل والاستاذ الفذ محمد الواثق دوراً غريباً فقد ظللت ردحاً من الزمان وخاصة عندما كنت أقدم برنامج ( ملفات ثقافية ) علي تلفزيون السودان .. أطمع في سانحة تجمعني وعبر لقاء تلفزيوني مع هذا الرجل الا ان الاقدار لم تشأ حتي أن تجمعني به ولو عرضاً ( باستثناء حوار قصير عبر الهاتف خلال احدي حلقات ملفات ثقافية البرنامج الذي أشرت اليه هنا ) .. حتي جاء يوم وفقط قبل أسابيع قليلة أو أكثر قليلاً. لأفاجأ بالرجل يتقدم نحوي أثناء تواجدي أمام أحد المحال بضاحية العمارات بالخرطوم ولدهشتي فقد استقرت قدما الواثق علي بعد سنتيمترات مني .. فنظرت اليه بتطفل أدرك هو بذكائه أسبابه فدفعت له وعلي وجهي ابتسامة جزلة سؤال سريع ومفاجئ قلت له فيه : ( ألا زالت أمدرمان تحتضر يا أستاذنا ) فرد علي بصوت مدهش : ( .. فيها رمق ) ثم تبادلنا الحديث الي أن أبديت له رغبتي لإجراء ذلك الحوار التلفزيوني معه فأبدي وعلي الفور موافقته فسجلت رقم هاتفه علي هاتفي النقال توطئة للاتصال به لترتيبات الحوار ( هكذا خططت ) فأسرعت وعلي الفور بالاتصال بصديقي المخرج المميز صاحب الاعمال الوثائقية الناجحة المتفردة الاخ سيف الدين حسن وأخبرته برغبتي في اجراء حوارات عميقة مع عدد من المبدعين والمفكرين والمثقفين والأدباء والشعراء وعلي رأسهم محمد الواثق .. أبدي الاخ سيف حماسه وبدأنا التفكير في الترتيبات .. ولكن .. نعم رحل محمد الواثق ليبقي عزائي في تلك اللحظات العارضة وتلك الابتسامة الرقيقة وذلك الانسان المدهش الذي رأيته وحدثته وجهاً لوجه ..

رحمك الله محمد الواثق ..

ووفاة الواثق الآن تعيدنا الي موقفنا في هذا البلد من قضية التوثيق لحياتنا السودانية علي اي وجه لها .. الاجتماعي او الثقافي – الابداعي والفكري – وكذا الوجه السياسي .. فقد ظل الجهد المبذول في هذا الجانب ضعيفاً او كما يقول البعض منعدماً حيث لم يتم اي جهد منهجي منظم أو منتظم من قبل الدولة بأدواتها أو من قبل الناشطين المهتمين بأمر التوثيق وفي هذه الاثناء ضاعت علي البلاد فرصا حقيقية لتوثيق الحياة السودانية بشخوصها الصانعة والمشاركة ودوماً ما كان الزمان أسرع والقدر أمضي من جهد المهتمين ( علي قلتهم وضعف امكاناتهم ) فذهب من ذهب من المبدعين والموت حق والآجال بيد الله الا ان الحسرة ظلت حاضرة كلما جاء رحيل كما ورحيل الواثق الذي أظن ( وربما كان ظني هنا يقيناً ) ان توثيقاً مكتملاً معه كان سيرفد المكتبة السودانية بحقائق تاريخية ومواقف وجهود خافية غير معلنة في مجال الأدب والشعر السوداني بأدبائه وشعرائه وناقديه بما يفيد مسيرتنا الثقافية بتباين فضاءاتها ووحدة وجدانها ليخدم وفي نهاية المطاف قضايانا التي من بينها تشكيل الهوية المشتركة لبلد ظل اكثر ما يحتاجه رسم متجانس ومنسجم لوجه واحد تشكله قسمات لكل فيها نفس ولمحة .. ولكني لا اعتقد بان الامر قد انتهي فالحياة ماضية بنا وبمن سيأتي بعدنا ومن الأفضل ان نسرع الآن قبل الغد لنلحق بما يمكن اللحاق به وبما يؤسس لنشاط توثيقي حقيقي تعتمده أدوات الدولة وكذا جهد المهتمين والناشطين ..

 

ورحمك الله يا الواثق فقد بعث فينا رحيلك شيئاً وأصابنا برعشة كما وذلك الشئ الذي كنا نشعر به وكما تلك الرعشة التي كانت تصيبنا كلما قرأنا أمدرمان تحتضر .. تلك الامدرمان التي تنتحبك اليوم ..

————————-

.. كيف اللقاءُ وقد عزَ الرحيلُ وما

يثْنِى عناني سـوى ما خطـَّه القدرُ

راحلــتي همتي لا تبتغي وطناً

لكـن يُقيدها الإشفـاقُ والحـذر

مونيكُ كانت لنا أم درمانُ مَقْبرةً

فيـها قَبرْتُ شـبابي كالأُلَى غَبَروا

إن الأنيسَ بها ســطرٌ أطالعُه

قـد بتُ أقرؤه حتى عفا النـظرُ

ثم أصطـحبت كُمَيْتَاً أستلذُ بها

وخلـت في سكرتي اُمْدرمانُ تُحْتَضرُ

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...