عبد الحفيظ مريود يكتب: عرب ساااااى ياخ 

 

عبد الحفيظ مريود يكتب: عرب ساااااى ياخ

 

نزلت مطار كوالالمبور، عام ٢٠١٠م، لحضور ورشة للفيلم الوثائقى، ينظمها المعهد الباسيفيكى. كنت أرتدى بنطالا من الجينز الغامق (سروالا من الجينز، كما يكتبون فى ترجمة الافلام)، وتى شيرت أسود، لا ياقة له. مفلفلا شعرى (التقول آلان ديلون، كما يتطعمج صديقى الخاتم المهدى)..فى كاونتر الجوازات، أخبروني أننى لم أملأ استمارة الوصول. رجعت الصالة، حيث توجد الاستمارات، وشرعت أملأ واحدة. كنت وحيدا هناك، حرفيا، وليس شعور الوحدة الرومانسي ذاك.

فجأة، امتلأ المكان بخلق كثير. خواجات، أفارقة، وسعودى وزوجته المنقبة، فى عباءتها السوداء. هجموا على استمارات الوصول، و أخرجوا أقلامهم. حين رفعت بصرى عن الورقة، لمحت السعودى يحمل استمارتين، ويتلفت، هو وزوجته، يبحثان عمن يساعدهما. قلت، فى نفسى (الليلة إلا تبكوا…ماف قرد هنا بعرف عربى زاتو)..يقينى – وأنا ود عرب طبعا – أنهما سيريان إفريقيا آخر، ضمن الذين قدموا معهما على الطائرة. لم تقع أعينهم على..أعدت جوازى سريعا إلى جيبى الخلفى، وواصلت الكتابة.

شايف كيف؟

فجأة، برضو، أسمع السعودى يقول “السلام عليكم”. رددت السلام، دون أن أرفع رأسى، واصل، بالعربية، أريدك أن “تعبى” لنا الاستمارتين هاتين. قلت “حسنا…سأفعل”…وأنا أقول فى نفسى “معناها الكلام دا صاح”…

قبلها – بثلاث سنوات – كنا ثلاثة نتسكع فى ليل جنيف. قصدنا ملهى ليليا. أسامة الخليفة، جعلى جبلابى داكن السواد..والجبلاب سود، تماما، كأنما كانت جدتهم قطعة من الليل البهيم. ومهندس شايقى اسمه عبد الله، أقل درجة من سوادى وسواد أسامة..عبد الله يحب أن يتحدث الانجليزية مقلدا لكنة الامريكان . وقفنا أمام فتاة البار، ناصعة وغضة..عبد الله حادثها “هل تقدمون عصائر؟ وهل لديكم فتيات جميلات؟”..

أرجو ألا تفهموا ذلك بشكل خاطئ..كان يسأل فقط..

شايفين كيف؟

الفتاة نقلت نظرها فى وجوهنا، وقالت “إحكوا عربى لو سمحتو”…عبد الله وضع يديه على رأسه ” عرفتينا كيف يا بت ال……؟”..قالت ” أنا تونسية”..

شايف؟

كنت أفكر فى “فراسة العرب” التى قرأناها زمان. هل هى مسألة واقعة؟ كيف يمكن أن علما أو مسألة جينية يميز بها العربى الناس، البهائم والاشياء؟

فى تجوالى فى الكبابيش – وهم أعرب السودانيين – لو مغالطنى أسألوا صديقى موسى مروح – عمل فحص دى.ان.ايه عديييييل كدا – لاحظت أنها مسألة دقيقة ووافرة. يعتمدون عليها بشكل لا يخالطه ارتياب..

حين هجم على السعودى فى ماليزيا، أيقنت أن فراسة العرب مسألة لا نقاش حولها..

بعدها بعام، نسير فى مدينة نينغشا فى الصين، محمود عبد الله، عمر حسن حاج الخضر وأنا، حين كان شاب فى نهاية العشرين يلهث جاريا، قاطعا شارعا عريضا، وهو ينادي، فيما نهم بدخول المطعم ” يا جماعة…يا جماعة”..وقفنا له..كان يمنيا لمحنا من بعيد..يريد أن يتحدث “العربى” بس…لأنه اشتاق إلى لغته، و ” لم أصدق حين لمحتكم من بعيد…فقط تحدثوا معى”..

شايف كيف؟

أصبحت مؤمنا بعدها بفراسة العرب..يمكن للمتعمقين فى الدراسات والباحثين أن يقولوا لنا كلاما رصينا، وعلميا..كيف يقع ذلك. وبما أن الله خص كل أمة، أناس بأشياء، أظن أنه خص العرب بذلك..على الأقل بالنسبة لى عرب اليمن، الخليج، الكبابيش، و أهل البطانة..

صارت قاعدتى أنه إذا تحدث معى أحد من البلاد العربية بالانجليزية، ونحن فى ” غربة”، فمشكوك فى “عروبته”..المصريون يتحدثون معى بالانجليزي المصرى فى القاهرة..اللبنانيون يندهش الواحد منهم إذا تحدثت معه بالعربي..

فراسة العرب – من خلال الوقائع الثلاثة هذه – ليست فى أنهم يقطعون ب”عروبتك”، بل يقطعون بأنك تتحدث العربية…والعربية لسان، كما يقول أخوانا البعثيون.

شايف كيف؟

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...