حينما تتصارع الأفيال تموت الحشائش.. الحكومة والمعلمون.. الطلاب هم الضحايا
تقرير: حسين محمد علي
إجازة مفاجئة
فاجأت وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم الأسر بإعلان عطلة رسمية قبل الامتحانات التي كان مزمع قيامها الأسبوع القادم، وأسمت ذلك بتعديل التقويم المدرسي للعام “2022_2023م”، على أن تبدأ عطلة الفترة الأولى اعتباراً من الأربعاء الموافق “11” يناير الجاري وحتى الخميس الموافق” 26″ يناير من ذات الشهر على أن تباشر جميع المدارس نشاطها التعليمي اعتباراً من يوم الأحد الموافق “29 يناير 2023م. وشمل القرار جميع مراحل التعليم بالخرطوم ويتضمن المدارس الحكومية والخاصة وعلى الإدارات التعليمية المختصة على مستوى رئاسة الوزارة والمحليات تنفيذ القرار.
كذلك فعلت الولاية الشمالية واتخذت ذات القرار والذي وصف بأنه بسبب استمرار إضراب المعلمين المتقطع خلال خواتيم شهر ديسمبر الماضي والأسبوع الأول من شهر يناير من العام الجديد.
خطاب العطلة
جاء في خطاب العطلة والصادر من وزارة التربية بالشمالية (إنه استناداً على المرسوم الولائي رقم (٩) للعام ٢٠١٩م، والخاص بمنح المدير العام اختصاصات الوزير وعملاً بأحكام المادة ((٧٢/أ) من لائحة شؤون الخدمة للعام (٢٠٠٨م) أصدر الآتي نصه: (يسمى هذا القرار قرار بداية عطلة امتحانات الفترة الأولى لجميع المراحل (قبل المدرسي _ الابتدائي _ المتوسطة _ الثانوي والتعليم الخاص)، ويعمل به من تاريخ التوقيع عليه وجاء نص القرار كما يلي: (تقرر أن تكون بداية العطلة للفترة الأولى من الثامن من يناير الجاري إلى الثامن والعشرين من نفس الشهر على أن تبدأ الفترة الثانية من التاسع والعشرين من يناير بجميع المراحل من تحديد لنهاية الفترة، وشدد الخطاب على الجهات المعنية أن تضع القرار موضع التنفيذ الفوري، وجاء القرار ممهوراً بتوقيع سيف الدين محمد عوض الله مدير عام وزارة التربية والتوجيه (الوزير المكلف) بالشمالية.
وبالرغم من أنه لم يتم إجراء أي امتحانات في هذه المرحلة غير أن الوزاره أسمت فترة العطلة (ببداية عطلة امتحانات الفترة لجميع المراحل)، لتضع أولياء أمور الطلاب في وضع لا يحسدون عليه في معرفة ما إذا كان ستجرى الامتحانات بعد العطلة مباشرة أم ستدمج مع امتحانات الفترة النهائية على غرار فترة الدراسة أيام (جائحة كرونا)، وهذا ما لم يوضحه الخطاب الصادر من وزارة التربية والتوجيه بالولاية الشمالية.
التعامل مع الحدث
ويرى مراقبون أن قرار العطلة يعطي الوزارة فرصة ذهبية لكيفية التعامل مع الحدث (إضراب المعلمين) وستقوم الوزارة خلال هذه الفترة بعملية (تقييم) لعملية الاستجابة للإضراب من قبل المعلمين والمدارس خاصة أنه كان هنالك انقسام كبير بين فئة المعلمين ما بين (موافق على قرار الإضراب وممانع له).
كذلك كان هناك الانقسام في المدارس ما بين مستجيب له وممانع ويرى آخرون أن اللجنة التي أعلنت برامج الإضراب (لجنة المعلمين) ليس لها تمثيل منظم بكل المدارس الأمر الذي جعل معظم المعلمين يتلقون برامج الإضراب مما تنشره اللجنة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويرجح البعض أن الوزارة ربما ستقدم على خيار التهديد بالفصل أو النقل أو الخصم من الراتب في حال واصل المعلمون إضرابهم في حالة استحالة زيادة الرواتب في الوضع الراهن.
حق مكفول
اتفق الجميع على أن المطالبة بالحقوق حق مكفول لكل شخص واختلف البعض على كيفية المطالبة (هل عن طريق الاجتماعات أم عن طريق الإضرابات)، وفي حالة المعلمين يتفق الجميع على أن هذه الفئة هي الأكثر التزاماً بضوابط العمل والأكثر انتشاراً على مستوى السودان وعلى الدولة تحسين رواتبهم حتى يتمكنوا من تقديم الرسالة العلمية على الوجه الأكمل، وذلك عبر تحسين الرواتب أو تخفيف الرسوم الديوانية في الدولة لأبنائهم ومنسوبيهم، ويشير المراقبون الى أنه طالما أن الدولة رفعت يدها عن دعم الصحة والتعليم والخدمات الأخرى، فمن الطبيعي أن تعطي الموظف ما يقابل تلك التكاليف في الرواتب أو أي معالجة أخرى .
حقائق صادمة
(اليوم التالي) أجرت استطلاعاً وسط بين شرائح متعددة من قبيلة المعلمين أوضح البعض منهم أنه في ظل عدم الاستقرار في الأسعار يجب أن يصاحب ذلك زيادة في المرتبات، وتضيف إحدى المعلمات في حديثها لـ(اليوم التالي) أنه تم قبول ابنتها هذا العام في المرحلة الجامعية بإحدى الجامعات بولاية الخرطوم وتقرر أن تدفع رسوماً جامعية للدراسة قدرت بمبلغ (٢٠٠) ألف جنيه للعام، وتضيف: معلوم أن راتب معلم في الدرجة الخامسة لا يتعدى الستين ألف جنيه فإذا كنت أعول أسرة لوحدي في حالة وفاة العائل الرئيس، فكيف أوفق بين صرف البيت ورسوم الدراسة، وتكاليف السفر ومصاريف الإعاشة، وأضافت: أعتقد أن المقارنة معدومة تماماً).
وفي الجانب الآخر تحدث أحد الأستاذة لـ(اليوم التالي) وهو يعمل مدير مدرسة بقوله: (حالياً أنا أعمل مدير مدرسة، وأعمل فترات إضافية للتدريس بأحد المعاهد وإحدى الكليات ورغماً عن ذلك لا أستطيع شراء قطعة أرض من كل هذا العائد في الوقت الذي لا توزع فيه الحكومة أراضٍ سكنية للموظفين بأسعار معتبرة، وإنما تتركهم للسماسرة وتجار العقارات، وأضاف: (لو كان راتبي مجزياً، لكرست كل خبراتي في تقديم الرسالة المطلوبة، ولأرحت جسدي من هذا التطواف وهذا العناء طوال اليوم).
آراء متباينة
وفي الأستطلاع الذي أجرته (اليوم التالي) مع فئات متعددة من المجتمع أقر عدد كبير من المستطلعين بالجهود التي يقوم به المعلمون في تربية النشء وتخريج العلماء وغيرهم غير أنهم لا يتفقون في الطريقة التي تطالب بها هذه الفئة وأضاف المواطن محمد حسن بقوله: (مكانه المعلم كبيرة في المجتمع وعظيمة عند الطلاب فلا نريد لهذه المكانة أن تتزحزح بمثل هذه الأساليب)، فيما أوضح مدثر تاج السر أنه على الدولة أن تعمد إلى تخفيض رسوم الخدمات في الدواوين الحكومية، وغيرها وأضاف: (من غير المعقول أن يظل راتب الموظف ثابتاً وتتغير الأسعار على مدار اليوم والساعة، فكيف لأصحاب الدخل المحدود أن يواكبوا تلك الزيادة؟؟).
التدبير المنزلي
وفي الجانب الآخر استطلعت (اليوم التالي) عدداً من خبراء الاقتصاد حول القضية المطروحة (زيادة الرواتب في ظل الكساد الاقتصادي) وأوضح محاضر بجامعة دنقلا فضل حجب اسمه (أنه من المؤسف أن يعتمد الموظف على راتبه في كل شيء، وأضاف: (أصبح الموظف لدينا يشتري كل شيء من السوق الفراخ والبيض واللبن واللحوم)، وأضاف: في السابق كانت لأمهاتنا وحبوباتنا تجارب مفيدة في تربيه الدجاج والحيوان والحمام أو الخضروات في المنازل وهذا من شأنه أن يقلل من تكاليف الحياة اليومية للمصروفات المنزلية، خاصة وأن وزارة التربية لديها برامج متعلقة بالتدريب على التدبير المنزلي والفلاحة المدرسية مستغرباً أن لا تتطبق مثل هذه المشروعات في ولاية كالشمالية أو كردفان أو دارفور أو الجزيرة وغيرها، من الولايات التي تتوفر فيها مقومات الإنتاج زراعية كانت أم حيوانية.
موقف بقية ولايات السودان
إلى ذلك فقد دخل المعلمون السودانيون يوم الأحد في إضراب شامل يمتد لثلاثة أسابيع نتيجة لعدم استجابة الجهات المختصة لمطالبهم، وكشفت لجنة المعلمين السودانيين عن تقريرها لإغلاق المدارس في يومه الأول، وأعلنت بحسب التقرير الذي تحصلت عليه (بعض المواقع الإخبارية) عن تهديدات عنيفة تعرض لها المعلمون من قبل الإدارات والمحاولات المستمرة التي تقف خلفها جهة تنفيذية عليا على مستوى الوزارة الاتحادية.
وقال التقرير إن هناك تباين في الموقف من تنفيذ الإضراب من محلية لأخرى في محليات ولاية الخرطوم السبع، وأشارت القراءات الأولية إلى تواصل الإغلاق بقوة في محليات (شرق النيل وبحري وأم درمان)، فيما اتخذت السلطات بولاية شمال دارفور قراراً قضى بتعليق الدراسة بجميع المراحل إلى أجل غير مسمى (على خلفية الإضراب المعلن من لجنة المعلمين في الولاية)، واستجابت ولايتا جنوب ووسط دارفور للإغلاق بصورة كاملة بكل المراحل، فيما استجابت ولاية شرق دارفور للإغلاق عدا محليتي (يس وشعيرية)، وفي ولاية غرب دارفور بلغت نسبة الإغلاق 95%، وأشار التقرير إلى أن هنالك بعض المدارس في أقصى غرب الولاية لم يتم التواصل معها بخصوص الإغلاق الحالي بصورة واضحة غير أن لجنة المعلمين وعدت بالتواصل معها للدخول في التصعيد.
واستجابت ولايات البحر الأحمر وغرب وشمال كردفان والنيل الأزرق للإغلاق الشامل، فيما كان الإغلاق بولايتي كسلا والقضارف شبه كامل حيث ما زالت مدرستان بكسلا تعملان فقط مع الصف السادس عملهما فيما لم ترفع المعلومات بولاية جنوب كردفان حتى كتابة هذا التقرير.
وواصلت ولاية الجزيرة الإغلاق في المدارس التي بدأت ببداية جدول الإضراب رغم محاولات السلطات المستميتة لكسر الإضراب، وفي النيل الأبيض أصرت السلطات على إجراء الامتحان رغم رفض عدد كبير من المعلمين لهذه الامتحانات، وبهدف كسر الإضراب استعانت الإدارات بكوادر أخرى لإدارة الامتحانات في كثير من المدارس، كما استخدمت أسلوب التهديد بالإجراءات الإدارية لإرغام بعض المعلمين على إجراء الامتحانات، وفي ولاية سنار عقدت السلطات الامتحانات حتى في ظل رفض المعلمين لها.
وضع متأزم
عموماً يظل الوضع متازماً في مستقبل تعليم الأبناء في ظل عدم استجابة الحكومة لمطال المعلمين وفي ظل إصرار هذه الفئة على نيل حقها كاملاً غير منقوص، وإلى أن تنفرج الأزمة يبقى تعليم الأبناء على المحك.