الشريحة السياسية… المحمولة جواً
الشريحة السياسية… المحمولة جواً
بروف /التجاني عبد القادر حامد
13 يناير 2023
قيل إن عاملاً بسيطاً كان يعمل حمالاً في سوق المحاصيل؛ يحمل على ظهره كيساً ضخماً فيصعد به ليضعه على شاحنة أكثر ضخامة ثم يعيد هذه العملية حتى لا يبقى على ظهر الشاحنة موضع لزيادة. ولكي يقوى على تلك العملية الشاقة الثقيلة كان عادة ما يتناول وجبة ثقيلة من طعام غليظ. انخرط ذات مرة في العمل دون أن يتناول وجبته المعتادة. أحس أن رجليه ترتجفان. توقف لتناول وجبته المعتادة ثم عاد لحمل الأكياس فوجد أن رجليه تنطلقان وأن عضلاتهما تقوى وأن سرعته تزداد. قال في نفسه متعجباً: كنت أظن-سابقاً- أن الأرجل هي التي تحمل البطن، ولكن تأكد لي الآن عكس ذلك؛ البطن هي التي تحمل الأرجل! وقوله هذا لا يخلو من طرافة، ولكنه لو تفكر قليلاً لوجد أن من وراء البطن “عقل” يحركها ويحرك الأرجل. وأنه لو الإعاقة التي أصابته لما تعبت العضلات وارتجفت الأرجل.
أما إذا حولنا هذه الحكاية من مجال المزاح والشحن والتفريغ إلى مجال السياسة والاقتصاد، فوضعنا “الشريحة السياسية” التي تتصدى لقيادة المجتمع في خانة “الأرجل”، ووضعنا شريحة عمال الشحن والتفريغ، ومزارعي الفول والسمسم والصمغ، ورعاة الإبل والاغنام، وأرباب الصناعات ورجال الأعمال في خانة “البطن”، هل يمكننا أن نلاحظ- كما لاحظ ذلك الحمال الفيلسوف- أن “البطن” بالفعل هي التي تحمل “الأرجل”؟ – أي أن شريحة السياسيين المحترفين الذين يتسارعون للقيادة في الراهن السوداني (وفى مثله من المجتمعات) هي في الواقع شريحة “محمولة” في الهواء ليست لها أرجل راسخة في القاعدة الاجتماعية، وليس لها عقل نافذ في السياسة الدولية، ولا تقوى-من ثم- على السير إلا على أعطيات من الشريحة الأخرى.
مدلول هذه الحكاية يجعلنا نتساءل: إذا كان السياسيون المحترفون ليست لهم أرجل، أو لهم أرجل لا تقوى على حملهم، ولا يستطيعون الحركة إلا على “بطون” الآخرين، فما وجه الحاجة إليهم؟ أليس من الأفضل أن يلتفت المجتمع إلى “بطنه” الاقتصادية مباشرة؟ وإذا كان “الزول مرتبو بتدى ليهو سفارة”- كما جاء في عبارة لنائب رئيس مجلس السيادة السوداني (اللواء محمد حمدان دقلو)- فكيف سيضع مصالح الحمالين والزراع فوق مصالح السفارة؟ والسؤال بصيغة أخرى: إذا تحول السياسي إلى سمسار، وأعلن في صراحة تخدش الحياء أن سفارات الدول الأجنبية هي التي تسيره، وأنه ينصاع لها بإرادته وطوعه واختياره، أما يحق لنا نحن المواطنين أن “نقطع العشم”، وأن نصرف النظر عن مثل هؤلاء السياسيين المتسلقين الذين لا ينتجون شيئاً في الداخل، ولا يعودون بنفع من الخارج، وأن نعيد الاعتبار لمجموعات المنتجين من زراع ورعاة وصناعيين ورجال أعمال، وندفع بهم إلى مواقع القرار؟ لماذا نعلق كل آمالنا الوطنية بمناورات سياسية عقيمة يسترزق منها هؤلاء؟ لماذا لا نتحول من خانة اللعب السياسي إلى خانة الفعل الاقتصادي؟ وبدلاً من التوجه بأموالنا إلى الخارج لماذا لا نستعيد الثقة بأنفسنا ونعود إلى أرضنا-إلى بطننا الاقتصادية الداخلية؟ لماذا لا نشحذ عقولنا ونوظف خبراتنا ونشبك علاقاتنا فنوفر مدخلات الإنتاج من خلال الجمعيات والتعاونيات والشراكات، فنوفر الطعام والدواء ونوقف عمليات العمالة السياسية والتسول الاقتصادي؟ هذا ولا قوة إلا بالله.