سيطر عليها الشباب.. “المسحراتي”.. المهنة تطرد الكبار من الشوارع

عندما تقف عقارب الساعة عند الثالثة صباحاً، تشق أصوات المسحراتي السكون، ويبدأ بشكل صاخب إيقاظ الصائمين في وقت محدود لا يتجاوز ساعة، ويستعين خلالها بكل الأدوات الصاخبة التي يمكن أن تساعده في إنجاز عمله التطوعي الذي يعود عليه بالثواب والأجر..
وبعيداً عن تاريخ ظهوره يرتبط المسحراتي بشكل وثيق مع شهر رمضان ويظهر مرة واحدة في السنة ولكنها تستمر على مدى شهر كامل، وهو ذلك الشخص الذي يقوم بجولات متواصلة في شوارع وأزقة الأحياء الشعبية قبل أذان الفجر، ش١ يشجع الصائمين على تناول السحور قبل بدء يوم الصوم، ويستخدم المسحراتي أدوات مختلفة منها المزمار، الدفوف، النوبة، الطار وبعض الأواني، كما يتميز بصوت مرتفع رنان يردد به الكلمات وبعض من الأناشيد القديمة التي تجذب الناس..
ولكن التغيير الذي ضرب مناحي الحياة أظهر سحب عمل “المسحراتي” التطوعي من الكبار ووضع المهمة برمتها على كتف الصبية الصغار الذين سيطروا عليه منذ سنوات، وبات من النادر مشاهدة رجل كبير أو شيخ يقوم بإيقاظ الناس للسحور كما في السنوات الماضية السحيقة، ولكن سيطرة الشباب على العملية جلب معه تغيير في الطريقة، الأسلوب والأدوات أيضاً، كما أن الأحياء الراقية وساكني الأبراج العالية يستخدمون أجهزة التقنية الحديثة لضبط موعد السحور ولا يعتمدون على المسحراتي مثل الحارات والأحياء الشعبية..
وعمل “المسحراتي” قد يقوم به فرد ولكن في الغالب تنفذه مجموعات تتكون من شباب وصبية يطوفون مع الفجر قبل الصلاة يوقظ الناس لتناول السحور ويستخدمون أدوات ومواعين شعبية ذات أصوات صاخبة ويرددون معها بعض العبارات بأنغام رنانة وأشهر هذه العبارات على الإطلاق هي: “يا صايم قوم اتسحر”، ويجوب المسحراتية داخل الأحياء والمناطق المحدودة بحيوية وفرحة كبيرة ويقبلون أثناء سيرهم بعطايا الأهالي الذين يمدونهم بالطعام والمشروبات البلدية “بليلة – مديدة – حلو مر” وغيرها من السوائل التي تمدهم بالطاقة والحيوية لمواصلة عملهم التطوعي الذي لا يتجاوز زمنه ساعة..
ومن أشهر الأدوات التقليدية التي يستخدمها المسحراتية القدامى “النوبه” ذات الإيقاع الصوفي بجانب بعض الأطباق النحاسية التي تصدر أصواتاً صاخبة، ولكن في الفترة الأخيرة غير المسحراتية خاصة الشباب أدواتهم فتخلوا عن النوبة، واستعانوا بالأدوات المنزلية بما فيها الصواني، الحلل وحتى أغطية الجرادل وكل من ما شأنه أن يصدر صوتاً يوقظ النائم..
ولم تبتعد التكنولوجيا عن رمضان حيث ظهر “المسحر الإلكتروني”، هو الوحيد من بين أدوات التطور الحديث التي ثقبت جدار التقاليد المرتبطة بالشهر العظيم بعدما حافظ على موروثاته بشكل محكم ولم يترك التقنية تعبث بحاجاته كما فعلت في جوانب عديدة من حياتنا، واستطاع رمضان أن يحتفظ بمسيات مكوناتها كما هي مثل الآبري “الحلو مر” – الضرا – البليلة – المليل – العصيدة – القراصة والتقلية باسمها القديم..

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...