بيع المصانع.. عزوف من الإنتاج وهروب من السياسات
اتحاد الغرف الصناعية السابق: الوضع يحتاج إلى خطةلانقاذ القطاع الصناعي
د. الفاتح: سياسات تخدم تطوير الصناعة لا معاقبة أهلها كما هو الحال الآن
اقتصادي: هذه نتائج طبيعية لسياسات رفع الدعم وارتفاع تكاليف الطاقة
الخرطوم: علي وقيع الله
أظهر القطاع الصناعي ضعف قدرته بعدم التكيف مع الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، هذا في ظل وجود مخاطر متعددة ما زالت تسيطر على استمرارية النشاط الصناعي سيما في الآونة الأخيرة، إذ تعترض القطاع الصناعي العديد من المؤثرات والتي من بينها سياسة الدولة نحو القطاع بما يتطلب الأمر أن توضع خطة إسعافية للقطاع الصناعي في البلاد باعتباره ركيزة في دعم الاستقرار الاقتصادي، في وقت دق فيه مختصون في اتحاد الغرف الصناعية ناقوس الخطر جراء تدهور وتوقف النشاط الصناعي، فالأدهى والأمر بيع المصانع وما لذلك من تبعات هروب وسجون وإفلاس، ربما قد يكون كل ذلك نتاجاً لسياسات وخطط الدولة بالإضافة إلى مخالفة القوانين مع تعدد الرسوم وتذبذب التيار الكهربائي، ما تسبب في تدهور النشاط الصناعي.
ووفقاً لحديث بعض المختصين بأن النسب والإحصائيات غير حديثة خاصة وأن المصانع المتوقفة الآن حجمها كبير وبالتالي كل يوم جديد تتوقف عدد من المصانع وأن المصانع الآن تعمل بطاقة إنتاجية لا تتعدى 20 أو 30%، خاصة أن القطاع الصناعي ما زال في حالة تدهور هذا منذ سنوات سابقة وربما أن هذا التدهور وصل إلى مرحلة التهاوي بصورة متسارعة وأن هذا التهاوي مرتبط بالاقتصاد الوطني الذي صار إلى وشك الانهيار الكلي، ونجد أن بعض الاقتصاديين، يرون أن السياسات الحكومية بشكل عام تحارب الإنتاج وتضع العراقيل أمام أي إنتاج سواء كان صناعياً أو زراعياً خاصة أن الحكومة لا تتبنى أي خطط لدعم وتطوير الإنتاج الزراعي والصناعي والربط بينهما ومجمل السياسات الاقتصادية للحكومة في صالح الاستيراد، وينظر آخرون إلى أن إفادة الاتحاد بأن المعروض من المصانع أعلى من المعروض من المنازل، إلى أنها إشارة خطيرة للغاية بسبب السرعة المرتفعة التي يندثر بها القطاع الصناعي بالاقتصاد السوداني بالمقارنة مع القطاعات الأخرى.
المصانع المعروضة للبيع
وكان اتحاد الغرف الصناعية كشف عن أن المصانع المعروضة للبيع أكثر من المنازل بسبب عدم ثبات السياسات التمويلية والتكلفة العالية وتعدد النيابات في المحليات، ودقوا ناقوس الخطر في مؤتمر صحفي، مطلع الأسبوع، جراء تدهور القطاع الصناعي، محذرين من توقف النشاط الصناعي، مشيرين إلى أن نسبه المصانع المعروضة للبيع الآن تجاوزت نسبة عرض المنازل للبيع بسبب تذبذب التيار الكهربائي وتغير السياسات والخطط، وصوب مختصون في القطاع الصناعي انتقادات لاذعة على الخطط والسياسات الخاطئه للقائمين على أمر القطاع وسط غياب المعلومات وعدم تحديث قاعدة البيانات والمسح الصناعي منذ العام 2005 بجانب التضارب فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات مع تعدد الرسوم وتذبذب التيار الكهربائي مما يؤدي إلى تدهور الإنتاج.
وضع خطة إسعافية
بدوره الأمين العام السابق لاتحاد الغرف الصناعية، أشرف صلاح نور الدين، يرى أن النسب غير حديثة خاصة أن المصانع المتوقفة الآن حجمها كبير وبالتالي كل يوم جديد تتوقف عدد من المصانع، ورجح أن تكون النسبة أعلى من المذكورة بكثير، وقال في حديثه لـ(اليوم التالي) إن المصانع الآن تعمل بطاقة إنتاجية لا تتعدى 20 أو 30%، وتابع: إن القطاع الصناعي ظل في حالة تدهور منذ سنوات سابقة، ويعتقد أن هذا التدهور وصل إلى مرحلة التهاوي بصورة متسارعة، ومضى بالقول إن هذا التهاوي مرتبط بالاقتصاد الوطني الذي صار على وشك الانهيار الكلي، ونوه إلى أن الاقتصاد محاط بمجموعة مشاكل منها العجز المتفاقم بجانب تردي الإنتاج الزراعي بشقيه والصناعي والخدمي بالإضافة إلى تدني قيمة العملة المحلية وبعض الصادرات، مشيراً إلى غيرها من الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الكلي، وتابع قائلاً: لا أعتقد أن القطاعات الاقتصادية ولا سيما القطاع الصناعي أن يستطيع أن يتجاوز التدهور الماثل في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، معرباً عن آمله أن تشهد المرحلة القادمة استقراراً سياسياً، متمنياً أن تكون هناك حكومة قوية قادرة على وضع خطة إسعافية للقطاع الصناعي في البلاد.
عزف المصانع السودانية
بينما يرى المحلل الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان محجوب، أن السياسات الحكومية بشكل عام تحارب الإنتاج وتضع العراقيل أمام أي إنتاج سواء كان صناعياً أو زراعياً، وأوضح أن الحكومة لا تتبنى أي خطط لدعم وتطوير الإنتاج الزراعي والصناعي والربط بينهما ومجمل السياسات الاقتصادية للحكومة في صالح الاستيراد، ولفت إلى ذلك تعزف المصانع السودانية عن استخدام الخام السوداني وتكتفي باستيراد المركزات جاهزة وتقوم فقط بتعبئتها ولا تهتم بتنسيق الإنتاج الزراعي والصناعي بما يتناسب الحوجة المحلية وحوجة الأسواق الإقليمية والعالمية.
غياب برامج التطوير
وقال إن السياسات النقدية الانكماشية التي تبنتها وزارة المالية وبنك السودان جاءت بغرض خفض التضخم والتي نجحت في تخفيض التضخم من 426% إلى 63.3%، ويعتقد أنها تسببت في إغلاق المصانع وتسريح العمال وإفلاس الكثير من رجال الأعمال السودانيين، ويرى أن الحكومة عبر تنفيذ خطة صندوق النقد الدولي لتخفيض التضخم وإنهاء الدعم السلعي نجحت في الحفاظ على سعر الصرف للجنيه السوداني وخفضت التضخم وهذا أمر جيد، في الوقت نفسه أعاب الحكومة لعدم تبني سياسات داعمة للصناعة الوطنية وغياب برامج تطوير الصناعة والخطط والتمويل الذي يربط بين الزراعة والصناعة، مبينا أنها تسببت في عدم تطور الصناعة مما جعل البلاد مجرد منتج للخام وحتى هذا ينتج من دون رعاية حكومية لتطويره.
معاقبة أهل الصناعة
بينما جاءت في خلاصة حديث د. الفاتح لـ(اليوم التالي) أنه لكي تتطور الصناعة لابد من سياسات حكومية مختلفة تماماً عن السياسات الحالية، وطالب بسياسات تخدم تطوير الصناعة وتراعي لها وليس سياسات لا تهتم بغير الجباية وتعمل على معاقبة أهل الصناعة بشتى السبل كما هو الحال الآن، ويرى أن الحل العاجل إيقاف السياسات النقدية الانكماشية، وأوضح لأنها بعد أن أدت غرضها بنجاح تحولت إلى أداة لخنق الاقتصاد القومي ولذلك يجب التخلي عنها والعمل على تحريك الاقتصاد السوداني فوراً.
مرحلة التأكل الاقتصادي
المحلل الاقتصادي الدكتور وائل فهمي البدوي قال: بالتأكيد حديث الغرف الصناعية عن ارتفاع التكاليف للقطاع الصناعي هو حديث تم توقعه والتحذير من هذه النتائج المؤسفة للغاية بسبب نيوليبرالية تلك السياسات الاقتصادية التضخمية التي تؤدي إلى الركود، مشيراً إلى أوضاع عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وغياب معلومات المسوحات الإحصائية والقياسية، خاصة خلال هذه الفترة الانتقالية التي (طال أمدها)، وذلك منذ بداية فترة حكم د. عبدالله حمدوك، د. وائل قال في حديثه لـ(اليوم التالي) إن إشارة الاتحاد التي تفيد بأن المعروض من المصانع أعلى من المعروض من المنازل، معتبراً أنها إشارة خطيرة للغاية بسبب السرعة المرتفعة التي يندثر بها القطاع الصناعي بالاقتصاد السوداني بالمقارنة مع القطاعات الأخرى، وتابع: هذا ما يعني أن القيمة المضافة التي كانت تحققها الصناعة في ارتباطها بالضرائب غير المباشرة والرسوم والعوائد، قد دخلت عملياً مرحلة التآكل للاقتصاد، نتيجة للانكماش الكلي، ومن ثم الخزينة العامة إلى جانب تآكل فرص العمل والادخارات القومية التي كان يوفرها هذا القطاع، وأبان أن هذه نتائج طبيعية لسياسات رفع الدعم وارتفاع تكاليف الطاقة بجانب عدم انتظام توفرها بالكميات والجودة المطلوبة لدعم منافستها داخلياً وخارجياً.
حماية الصناعة الوطنية
وتابع: بالنسبة للحلول الممكنة لإيقاف اندثار القطاع الصناعي بالسرعة المشار إليها من قبل اتحاد الغرف الصناعية، وهنا دعا وزارة الصناعة إلى أن تبدأ في القيام بدورها في حماية الصناعة الوطنية بالتعاون مع كل وزارة المالية والبنك المركزي وخاصة العدل فيما يتعلق بتضارب القوانين والتشريعات بما يؤدي إلى تخفيض تكاليف إنتاجها، خاصة تلك المرتبطة بمشاريع القطاعات الأخرى، وشدد على ضرورة منافسة الواردات لتخفيض العجز الخارجي كأبسط الأهداف التقليدية.