*كتب محمد حامد جمعة* #قبوجا
في بدايات رمضان جمعتني مكالمة هاتفية وقائد ميداني بالجيش الشعبي لتحرير السودان . سجله الحربي حاشد بمعارك ضد الجيش السوداني . وما دعاه لمحادثتي مقال قديم نشرته قبل أعوام عن الشهيد الملازم هشام عبد القادر _ أستشهد بمنطقة بونقو على طريق ياي إن كنت دقيق الذاكرة_ بمتحرك أمة الأمجاد . أثنى محدثي في لحظة نبل خصومة نادر على ميزات وخصال الجندي السوداني . فقال كنا ببعض المعارك ندخل والنصر بين قوسي النوال . مشيرا الى انهم كانوا مثلا يهجمون بتجهيزات كاملة على موقع للجيش السوداني مقطوع بلا إمداد . ووسط حصار ولا سبيل لإسناد او دعم . وقبالة مفرزة جند بلا ذخيرة كافية او طعام وبينهم خسائر ! قال أن ما يدهشة ان هذه القوة القليلة كانت تستميت وتقاتل بضراوة محيرة رغم تلك الظروف ورغم إغراءات تسهيل الإستسلام او الخروج وفق إتفاق لكنهم لا يقبلون . حتى يتم إجتياجهم او تتراجع قوة الجيش الشعبي ! وفي الحالين كان السؤال الذي يتطاير ما هذه العقيدة التي تجعل بضعة أمتار من الارض ونقطة خارجية كأنها دست بين قلوب الرجال !
2
بمفاوضات المنطقتين . ايام الإنقاذ قابلت جنرال من الجيش الشعبي من قدامى المحاربين يتحدث عن معركة اظن قائدها الجنرال سلفاكير او كاربينو يقابله من جانب الجيش العميد الشهيد (البلاع) حكى الرجل عجبا وأنهم حين إقتحموا الخنادق وجدوا ان كل القوة إستشهدت او اغلبها وان الرجل الذي كان يصليهم النيران متنقلا بين خندق وتلة . ومدفع وبندقية كان (البلاع) نفسه . كانت رواية أمينة من شاهد بعضهم يقرا سطوري هذه او ستصل اليه وأحدهم الان بالخرطوم ويلتقي قادة الجيش يوميا وليته يقص ما شاهد او سمع
ومثل البلاع . برزت هذه الايام شاهدة شاهد ليبي حضر لحظة أسر العقيد محجوب تولا . أسد الناصر وصاحب برقية (خنادقنا مقابرنا ) ويقول وأنقل حرفيا مما خطه بصفحته
في إحدى الليالي سمعت صوتًا يقترب في الخارج ، ثم فُتح مدخل العشة الخاص بي ، حينها رأيت السيد ياسر عرمان ومعه آخرين ، وقد أخبرني أننا سنذهب
ذهبنا إلى معسكر ، عرفت أنه مقر الرئاسة ، وهو المكان الذي يتواجد فيه جون قرنق ، ومن هناك ركبنا سيارة و انطلقت بنا ، بعدها وصلنا إلى منطقة أخرى وكانت منطقة عمليات ، وتناهى إلى سمعي صوت المدفعية و القذائف ، و علمت أننا على مشارف مدينة الناصر التي كانت محاصرة ، و المدفعية لم تتوقف و أصوات القذائف كذلك ، ثم قاموا باقتحام المنطقة ، و شاهدتهم يخرجون ضابطًا سودانيًا كبير في السن ، كان برتبة عقيد و كانت ثيابه رثة و في حالة سيئة جدًا ، كان الوحيد الذي وُجد داخل الموقع ، وجدوه جالسًا على حقيبته ــ فاليدجا ــ و يمسك بيده مصحفًا و بيلة ــ مصباح يدوي يعمل بالبطارية ــ و يقرأ القرآن ، علمت أن اسمه ” محجوب ” و هو آمر المنطقة و يتبع الجيش السوداني في الشمال . انتهى
وقصة العقيد (محجوب) معلومة وموثقة وليت عرمان يكمل بقية القصة بشأن ما حدث للعقيد وكيف كانت نهايته .
3
ومثل ذاك الخيط من الرجال جاء العقيد عبد العظيم قبوجا . احد الابطال الذين اكملوا جسارات الرجال في (توريت) في عهد إستشهاد العميد عبد المنعم الطاهر الذي كأنما غذى روح الفراسة في (قبوجا) فكان من الطبيعي ان يجعل سيارة الجيش التي بعهدته بعضا من شرف البلاد ومقدرات اهلها التي دونها الشهادة وقوفا . فنازع في نيالا الجناة . علوه بالرصاص وعلاهم بحفظ الامانة وإن اسلم روحه . ليؤكد أنه ضابط استحق علاماته وتفويض قيادة الرجال . فمضى مضرجا بدمه ليقبر اليوم بمقابر حمد النيل . يلتقي دمه بعمق الارض وجذور دفق النيل تحت امدرمان . لتضع الدفعة (44) صوتها في صندوق إقتراع الأوفياء حيث ديمقراطية الفداء.
انه جيشنا الذي نعرف . لا يضره خذلان جبان ومتآمر . ولا تهز ريح المحن قائم ساعده وثابت جنانه . ان إستشهاد (عبد العظيم) سطور وتكملة لفصول سفر عظيم لن ينقطع حكاياته او تنطفئ مسارجه . التي كلما خمدت أشعل رجل قناديلها فابصر من غامت أمامه الرؤى .
…
هذا البوست للرجال الرجال . فإن مسك طائف إستياء فلست منهم وإنصرف راشدا