مغادرة المشهد السياسي.. هل هي دعوة لانتخابات مبكرة؟
الفريق محمد بشير: الخروج من غير ترتيبات حقيقية خيانة للوطن
الفريق صديق: التنحي يأتي في إطار تداعيات مشروع إخراج القوات المسلحة من المشهد
اللواء محمد عجيب: تنحي الجميع لا يخرج من المناورة لكسب الوقت
الخرطوم: فاطمة مبارك
عدم التوقيع على الاتفاق النهائي، في المواقيت المحددة، زاد من تأزيم الأزمة السياسية والأمنية في السودان، برز ذلك من خلال حالة التناحر التي أصبحت تتصدر المشهد هذه الأيام، بين قيادات سياسية مختلفة في توجهاتها ورؤاها، سواء كانت مدنية مدنية أو عسكرية عسكرية، هذا الواقع السائد جعل الخلاف أقرب للصراع السياسي وأبعد عن التفكير في كيفية استئناف مسار المرحلة الانتقالية، وفي خضم هذا التباعد بين المتحاورين للوصول لاتفاق نهائي شهدت الساحة هذه الأيام تراشقات عبر المنصات الإعلامية ومواقع التواصل بين قيادات سياسية شريكة في العملية السياسية التي ينتظر أن تفضي لاتفاق نهائي، الأمر الذي فاقم من عدم الثقة بين الأطراف المدنية الموقعة على الإطاري وبين التي لم توقع، والعسكرية تحديداً بين قيادة القوات المسلحة والدعم السريع، على خلفية التباين الكبير الذي تناوله الإعلام حول مسالة القيادة الموحدة حيث ما زال يشدد الجيش على صرورة تبعية قوات الدعم السريع للقائد العام للقوات المسلحة، بينما ترفض قوات الدعم التبعية للجيش، وتصر على تبعتيها لرئيس مجلس السيادة المدني المرتقب وظلت كذلك مسألة الدمج تمثل العقبة الكؤود على ضوء تباعد المسافات حول السنين المقترحة للدمج، التي تراوحت خيارات أطرافها بين عشر سنوات إلى خمس سنوات وسنتين بحسب ما رشح من أخبار، ومن المتوقع أن تجتمع اللجنة الفنية اليوم الأحد لمناقشة قضية القيادة الموحدة والدمج.
ضرورة التنحي:
وفي خضم هذه التعقيدات الشائكة، وتفاقم الأوضاع الأمنية في دارفور، حيث تم اغتيال ضباط نظاميين في فترة لم تتجاوز أسبوع، ونشر الصحفي الأمريكي، حديث لقائد ثاني الدعم السريع بعد مقابلته، وتوجيه دقلو لانتقادات للقائد العام للجيش، دون أن يكترث للقوانين والتراتبية العسكرية، طالب بعض السياسيين والكتاب قيادة الجيش بالتنحي وإفساح المجال لآخرين من هذه المؤسسة للخروج بالبلاد إلى برِّ الأمان بحسب ما قالوا، وقبل أن يمضي على هذه المطالبات ساعات، دعا قائد عام القوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان خلال مخاطبته إفطارٍ بمنزل الفريق أول ياسر عبد الرحمن العطا، الجميع للتنحي إذا فشلوا في تحقيق التوافق، وإفساح المجال لآخرين، وقال البرهان: إذا فشلنا في عمل أكبر كتلة من التوافق الوطني، تقود البلد والتغيير، يجب أن نمضي في الخيار الثاني وهو أن نترجل جميعاً ونغادر المشهد، ونفسح المجال لغيرنا، وأضاف: (فشلنا في التوافق وجميعنا لم يقدم ما يتطلع إليه الشعب السوداني) .
ويبدو أن البرهان قد أراد الرد على الذين اعتبروا استهداف منسوبي القوات المسلحة وتعامل الدعم السريع مع الجيش بندية، ضعف عندما قال: البعض قد يفهم موقفنا ضعف، لكن الجيش علمنا أن نعض على الأصابع، وعلمنا كذلك الصبر والحفر بالإبرة للوصول إلى ما نريد.
وبالنظر لسياقات دعوة تنحي الجميع التي طرحها القائد العام للقوات المسلحة، كخيار، لكل المتصدرين للمشهد ومتمسكين بملف الانتقال، نجد أن البرهان قد يكون أراد أن يحمل الجميع مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع، وإما أن نستمر كلنا أو نغادر، المحللون بدورهم أخضعوا هذه الدعوة لتحليلات مختلفة، بعضهم فهمها في إطار تلميح الرجل بإمكانية التنحي وحدوث عملية إحلال وإبدال في القوات المسلحة، فيما نظر البعض الآخر لهذا التصريح في إطار التكتيك السياسي وسياسة النفس الطويل التي ظل يتبعها البرهان منذ توليه قيادة الجيش وجس نبض للقوى الأخرى، خاصة أنه قالها في صورة جمع وهو لا يملك سلطة إلزام القوى المدنية المشاركة في العملية السياسية بالتنحي، ولا إجبار الموقعين على اتفاق جوبا وعلى التنحي.
رسائل من يهمه الأمر:
مخاطبة البرهان في دعوة إفطار العطا كانت عبارة عن رسائل في بريد جهات متعددة يهمها الأمر، خاصة أن الإفطار جمع بين بعض قيادات مركزي التغيير أبرزهم الناطق الرسمي باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف ومريم الصادق وصديق الصادق والواثق البرير، وهذه المشاركة عكست جو وفاقي ولو على المستوى الاجتماعي وتلبية الدعوة التي قد يكون تجاهلها آخرون في مركزي التغيير، وكان لافتاً غياب قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو ونائبه عبد الرحيم عن الإفطار، مما يشير إلى حجم الخلاف بين قيادة الجيش والدعم السريع.
رسالة البرهان الثانية جاءت وكأنها تؤكد أن مسألة تنحي الجميع لم يكن المقصود بها الجدية في التنحي، ووضح ذلك حينما أكد البرهان التزامه بالعملية السياسية ودفعها للأمام والاستماتة من أجلها، لأن فيها ضوء في آخر النفق وتخرج البلد للأمام، وأوضح أن والقوات المسلحة لا عداء لها مع أي جهة والتأخير في الاتفاق السياسي بسبب تأخير بعض التفاهمات المتعلقة بالإصلاح الأمني والعسكري، لكن التوقيع قريب وقال: نحن والكتلة الديمقراطية ومركزي التغيير مؤمنين بها لأننا نريد أن نسلك طريق يتساوى فيه الجميع دون أن نعرض بلادنا للخطر.
وفي رسالة أخرى حث البرهان المختلفين، إلى وضع أيديهم في بعضها البعض حتى يتم العبور بالبلاد، وحذر من الذين يريدون العبور لوحدهم لأنهم لن يستطيعو وشدد البرهان على أن الجيش لا يسعى لإثارة الفتنة والحروب وجدد الالتزام بالعملية السياسية وعدم العودة إلى ما قبل 11 أبريل 2019م.
وبالعودة لموضوع تنحي الجميع، نجد أن هناك شبه إجماع على أن مسألة تنحي الجميع، جاءت كتكتيك ومناورة من قائد الجيش أو استباق لترتيبات تضمنها مشروع الدستور تسعى لإزاحته من المشهد، مقابل إبقاء قائد الدعم السريع .
خروج الجميع:
في هذا الشأن يقول نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق صديق، قصة تنحي الجميع التي ذكرها البرهان، ليست مرتبطة بالأحداث رغم أننا لا ننفي وجود أثرها، وإنما بدأت منذ صدور مشروع دستور المحامين، الذي أشار لخروج البرهان وحميدتي من العمل السياسية وأضاف صديق لـ(اليوم التالي)، أن الاتفاق الإطاري أسس لقيام مؤسستين عسكريتين، للفترة الانتقالية وقد تطول المدة، ويعتقد أن وجود الدعم السريع كجيش موازٍ كأنما يعني إزاحة البرهان وأخرجه من المشهد والإبقاء على حميدتي، الفريق صديق يشير إلى أن تصريح البرهان عن التنحي يأتي في إطار تداعيات المشروع الذى يريد إخراج البرهان والقوات المسلحة من المشهد وقال: كأن البرهان أراد أن يقول بهذا التصريح: (إذا في خروج فلنخرج جميعاً أو نبقى جميعاً). صديق يلفت إلى أن أزمة الثقة بين الأطراف التي تدير العملية السياسية تتسيد المشهد ولا يتوقع أن يستقيم المسار.
مناورة:
من جانبه يرى الخبير العسكري اللواء (م) محمد عجيب في حديثه لـ(ليوم التالي) أن تصريحات البرهان في منزل ياسر العطا التي تحدث فيها عن تنحي الجميع، لا تخرج عن إطار المناورة التي برع فيها البرهان، لكن في الفترة الأخيرة أصبحت مساحة المناورة محدودة، وأضاف البرهان: في حاجة لمساحة من المناورة، لذلك قفز من الأزمة بتلويح جديد هو تنحي الجميع في محاولة، لكسب مساحة زمنية للعمل السياسي، لكن لا توجد مساحة للمناورة، وبحسب عجيب: الخيار الآن أن يذهب الجميع لانتخابات مبكرة عبر حكومة تصريف أعمال وهذا خيار غير محبذ لعدد من أطراف الأزمة منها مركزي الحرية والتغيير والمكون الخارجي ممثل في الآلية الثلاثية ويونميس، لكن قد يكون خياراً حتمياً لا مفر منه.
واستبعد عجيب أن يكون موضوع التنحي مقصود في حد ذاته، كما استبعد أن ينتج عن هذا التصريح تنحي البرهان أو انسحاب الجيش من العملية السياسية، وأشار اللواء إلى أن ما يؤكد ذلك عودة البرهان في ذات الكلمة للحديث عن التزامهم بالعملية السياسية ومضى في حديثه: (ذلك يدل على وجود حالة من التناقضات في الجيش ولدى البرهان على وجه أخص).
ترتيبات قبل التنحي:
بدوره فضل الخبير والمحلل العسكري الفريق أول ركن محمد بشير سليمان خروج البرهان من المشهد على خلفية أنه أصبح متعدد الآراء، وهذا كان خصماً عليه وعلى ثقة المواطن فيها بحسب ما ذكر، غير أنه عاد وقال الخروج من غير ترتيبات حقيقية خيانة للوطن، لأن القوات المسلحة تقع على عاتقها المسؤولية الوطنية والتاريخية في الحفاظ على الأمن الوطني، ودعا البرهان إذا قرر التنحي أن يقوم بترتيبات فعلية مرتبطة بالتراتبية سواء كان اختيار البدائل أو ترتيب الجيش بما يضمن عدم انهيار الدولة، وشدد على ضرورة وجود معالجة حتى إذا أدت لخروج البرهان ومركزي التغيير من المشهد، تؤسس على ميثاق جديد ووفاق وطني شامل ويتم الترتيب لانتخابات نزيهة بعيدة عن فولكر والسفارات الرباعية.
وأشار إلى أن الموقف السياسي الأمثل سواء على مستوى مجلس السيادة أو مركزي الحرية والتغيير يدل على فشلهم في إدارة الشأن الوطني وعدم مراجعتهم لأسباب الفشل المتمثلة في عدم وجود رؤية وطنية كلية تجمع الجميع، وانتقد محمد بشير حالة التنازع التي أدت للفشل والتماهي البعض مع الخارج بدون وعي وحمل مركزي التغيير مسؤولية ما آلت له الأوضاع مثلما يتحملها البرهان، وتسببها في دق إسفين العلاقة بين القوات المسلحة والدعم السريع، وتقديمها مغريات لحميدتي للتفكير في السلطة بدلاً عن التفكير في بناء الوطن، وقال بشير: الدولة لا تبنى بالتشفي والحقد وإنما تبنى بالرؤية الكلية.