سودان قوس قزح
أما حكاية
إيهاب مادبو
* يعاني الانتقال الديمقراطي من تعثر يعيق خطوات الانتقال نحو التحول الديمقراطي، وهذا نتيجة تعثر حركة التغيبر والإصلاح في الإجابة عن كيفية التعامل مع مطالب ضحايا انتهاكات الأنظمة الديكتاتورية بتحقيق العدالة وكشف الحقيقة واستعادة الذاكرة وجبر الضرر؟ ثم كيفية التوفيق بين محاسبة منتهكي حقوق الإنسان في الأنظمة الاستبدادية واستقرار النظام الديمقراطي.
* أصبح واضحاً أن العدالة الانتقالية، من الناحية النظرية ووفقاً لتطبيقها في سياقات محددة، لم تُطبّق دائماً بصرامة؛ لذلك يجب المواظبة على التحقق من فاعليتها، وكذلك تطبيقها ضمن حالات معينة، ولا سيما آلياتها. فالدول، عندما تضع آليات العدالة الانتقالية، تراعي في تصميمها مجموعة مزايا مرتبطة بحقوق الإنسان والديمقراطية. وهذا أمر بالغ الأهمية.
* ولاسيما أنّ كثيراً من المجتمعات التي تحدث فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تعاني انقسامات قائمة على قضايا الهوية، وعلى الرغم من أن العدالة الانتقالية لن تتمكن على الأرجح من أداء دور مباشر في إنهاء النزاعات، فإنها تتمكن أحياناً من أداء دور في تمهيد الطريق للتعامل مع المشكلات في المستقبل، ولكي يحدث ذلك، يجب التشديد على الصلة الوثيقة بين النظرية والعمل الميداني.
* يجب تقييم الاختلافات بشأن العدالة الانتقالية، من حيث طبيعتها وتوقيت استخدامها وكيفيته، في ضوء حقيقة أنها تعمل دائماً في سياق ومناخ سياسي ديمقراطي، وفي الأحوال كلها، يتعين فهم هذه الظروف تماماً، وأن تكون قابلة للتطبيق الكامل، لتحديد مدى إمكانية تطبيق هذا النموذج في سياق آخر. ومن ثمّ، فإن حقيقة أن العدالة الانتقالية هي مسألة سياسية، تأتي من أن القضايا التي تتعامل معها.
* وهي لا تُفهم غالباً على نحوٍ كافٍ، ولهذا السبب فهي قابلة للتلاعب، وقد جرى التلاعب بها في بعض الحالات وفي الواقع، فإن القرارات التي تتخذها الدول بشأن هذه القضايا هي قرارات سياسية بامتياز. ومن هنا جاء استخدام العدالة الانتقالية لأغراض سياسية، وبسبب هذا التلاعب لحقت بسمعتها بعض الأضرار الجسيمة. لكن مما لا شك فيه أن العدالة الانتقالية خضعت لتحليل نقدي صارم جداً في الآونة الأخيرة.
* وقد أثار ذلك شكوكاً بشأن فاعلية مفهوم العدالة الانتقالية والآليات المحددة الخاصة بها، والكفيلة بمعالجة شاملة للفظائع الواسعة المرتكبة في مجال حقوق الإنسان. وفي الوقت الحاضر، وجزئياً بسبب الانتقادات التي انتشرت في دراسات العدالة الانتقالية، صار لزاماً على المجتمعات التي تتطلَّع إلى تنفيذ العدالة الانتقالية طرح أسئلة إضافية، من بينها: ما الحقيقة؟ وما المصالحة؟ وكيف ترتبط أهداف الحقيقة والمصالحة والأهداف الأخرى في ما بينها؟ وهل يمكن تحقيق هذه الأهداف متزامنةً؟
* أمست جنوب أفريقيا نموذجاً لبلدٍ استطاع إنجاح مسلسل الانتقال الديمقراطي، على الرغم من المخاطر التي كانت تتربّص به، ومثّل نجاح الفاعلين في تيسير الانتقال الديمقراطي في بلد مكلوم ومتعدد الأعراق إنجازاً تاريخياً مُلهِماً. فلا غرو إذا تواتر الحديث عن “المعجزة” الجنوب أفريقيا.
* أظهرت تجربة جنوب أفريقيا دور الفاعلين الحاسم، وقدرتهم على تدبير الوضعيات الحرجة. فانتشال البلد من أتون الحرب الأهلية إلى شط السلم المدني، لم يكن ليتحقق لولا انخراطهم في منطق التفاوض وسعيهم للتوافق بشأن النواظم الميسرة عبور الفترات الحرجة.
* ويبدو أن لجنة الحقيقة والمصالحة تعاملت مع مشروع العدالة الانتقالية بمنطق الأولويات وتأمين الانتقال السياسي، ولا غرابة إذا اعتبر بعضهم أن ديمقراطية جنوب أفريقيا “كانت ديمقراطية العقل، قبل أن تكون ديمقراطية العاطفة”.
* قد تبدو الحالة السودانية في وضع مقايضة العدالة بالصفح، أو على الأقل ترجيح كفة الصفح على العدالة، والمستقبل على حساب الماضي، لكن هذا المنزع يعبّر عن منطق يعطي الأولوية لمواجهة تحديات الوضع الجديد عوضاً عن النزوع الاسترجاعي إلى مظالم الماضي، كما يكشف عن رؤية عملية للعدالة.
* الأوضاع السياسية والأمنية في السودان في حوجة ماسة لتجربة “قوس قزح تنقذ الانتقال الديمقراطي من التعثر وفي ذات الوقت تهيئ الملعب السياسي للاستحقاقات الديمقراطية بعد تحقيق قيم السلام الشامل والعادل.