أنصارُ قحت ورسالتي إلى البرهان 1-2

أيوب صديق

لقد استحسن عدد كبير من الناس مقالي الذي نشرته هذه الصحيفة الغراء والذي وجهتُ فيه ما أراه مناسبًا من تنبيه إلى الفريق البرهان بعنوان( إلى الفريق البرهان: كل ما يتوقف عليه تفكيك جيشك واحتلال بلدك هو توقيعك فقظ). ومع كثرة ما وصلتني من ردود فعل استحسان عليه، وردني مقالان وتعليقات مختصرة غاضبة مني من مناصري قحت التواقين إلى توقيع البرنامج السياسي، الذي صُمم خار السودان وأرسل إلى ممثلهم فوكلر ومن شايعوه من أبناء جلدتنا للتوقيع عليه، ثم بعد ذلك تنفذ بنوده التي ترمي إلى احتلال البلاد، وفي مقدمة ذلك تفكيك جيشها. ومن المقالين اللذين وصلاني من مناصري قحت مقال كاتب يرمز إلى نفسه بأبي وضاع عنوانه (دبوس.. هنا الثورة وليس BBC) يأخذ ما رآه مني معارضة للثورة بتحريضي للبرهان على عدم إقرار أفضل منجزات الثورة، وهو البرنامج السياسي. وأخذ عليَّ استخدامي معنىً مجازيًا في اللغة وهو عبارة (جيشك) فقال:” إذ أن عنوان المقال ينسب جيش الشعب إلى البرهان.. وما أدراك ما البرهان” وقد غاب عن أبي وضاح هنا إن عبارة (جيشك) هنا لا تعني التملك وإنما تعني الانتماء. فإذا قال مُغتربٌ من المغتربين السودانيين مثلا إنني راجع إلى بلدي فهل هو يمتلك البلد بشهادة بحث، أم أنه بلده لأنه من مواطنيه؟ ثم لأنه جيش الشعب فإنني لم أرض له ما لحق به من إهانات وتطال من أنصار قحت على مَرْأىً وَمَسْمَعٍ من كبار قادته الذين ارتضوا له ذلك. ولأنه جيش الشعب فلا أريد من البرهان وغيره أن يفرض علينا بسلاحه تنفيذ بنود البرنامج السياسي بتوقيعه عليه، وهو البرنامج الذي وُلد شائهًا من مُسافحةٍ بين الاتفاق الإطاري والعاكيفين عليه.
وهناك كاتب آخر هو السيد أحمد سيد أحمد مسند، الذي عنون مقاله:(ما لم يقله أيوب صديق!!) ثم صدره بالآية الكريمة:( وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) ثم أخذ علي كغيره من المعلقين على مقالي الذين تناولوا ما ذكرته عن عدم خوض المدنيين البريطانيين في شؤون اختصاصات جيشهم، التي هي من اختصاص العسكريين فحسب. واتفق الكاتبان على أن الجيش في بريطانيا لا يتدخل في السياسة كما يتدخل فيها الجيش عندنا في السودان، ولذا جاز لنا التدخل في شؤونه. والذي غاب عن الكاتبيْن والمعلقين الآخرين إنني لم استنكر أن ينتقد الناسُ الحكم العسكري بشريف القول، وإنما استنكرتُ الإهانة لأفراد الجيش بالألفاظ البذيئة النابية. والذين يرددون تلك الألفاظ مثل:(معليش معليش ما عندنا جيش) وقولهم (أولاد الكلب كمان، ناس دقلوا وناس برهان، أنحنا أولاد الشعبْ، جيناكَ يا ابنِ الكلب) حتى وصلوا بها إلى سب العسكر الذي هو الإسلام. والذي استدل عليَّ بالآية الكريمة حاجًا لي بها، نسي أو تناسى أن الله يبغض القبيح من القول، إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء) وكذلك قوله صلى الله عليه (بحسب امرئ من الشر أن يكون فاحشًا بذيئًا …إلى آخر الحديث) والذي تستطيبه ألسنة أنصار قحت ويُطرب زعماءَها هو من فحشُ القول، الذي ما بات يُكترث له بعد إهانتهم المتكررة للقرآن الكريم نفسه، أيام حمدوك المؤسس، وقد سقتُ الكثير من الأمثلة على إهانة القرآن آنذاك بشتى الطرق. ومن تلك الطباع الذميمة عند آل قحت أن غشيتهم الشماتة بجيش بلادهم، عندما نقلت الأخبارُ تعرضَ أفراد منه لهجوم غادر في الفشقة من القوات الاثيوبية، ومُثِّل بجثث من قتلوا منه، فلم يكتف آل قحت بالشماتة فقظ بل تمنوا أن لو أن ذلك التمثيل كان بجثث قادة جيشهم السوداني. وقال السيد أحمد سيد أحمد مسند في مقاله أنني” أخاطب البرهان بطريق عاطفية فجة يبدو من بين السطور أنه يؤلبه على عدم الالتزام بمجريات العملية السياسية الجارية في السودان بتيسير إقليمي ودولي دؤوب حيث يقول في مطلع خطابه كل ما يتوقف عليه تفكيك جبش واحتلال بلدك هو توقيك فقط) يا أستاذ أحمد أنا لم أكن أخاطب البرهان بطريق عاطفية أو من بين السطور، بل بقول في منتهى الصراحة التي لا مواربة فيها كما زعمت بل قلت له في مقالي هذا وفي غيره من المقالات أعيانا بيانا، ألا يوقع على هذا البرنامج لأنه مُخطط أجنبي لتفكيك الجيش ومن ثم لتقسيم البلاد.
قلت له ذلك وفي ذهن كثيرٌ من صور الوصاية على بلادنا، التي يجري تنفيذه تارة بالوعد وتارة بالوعيد المبطن وأخرى بالتهديد، للذين يمتنعون عن الالتزام بالبرنامج المعد خارجيا. ومن ذلك ما قالته ممثلة إحدى الجهات الأوربية في هذه الزفة الإطارية التي تكتنف بلادنا، حيث قالت “إننا كلما نرجوه هو رئيس وزراء لمدة عشرة أيا، ومعنى ذلك أنها تعني أن برنامجهم الذي أعدوه ليطبقه رئيس الوزراء القحتي الجديد جاهزٌ. ومن ذلك تهديد ذلك السفير الدى أصبح شريكًا بوضع اليد في حكم السودان، بأن بلاده ستفرض عقوباتٍ على من يمتنعون عن التوقيع على البرنامج السياسي إلى هذه الدرجة في أمر السودان المباح.
أقول لأولئك الذين استنكروا ضربيَ المثلَ بالبريطانيين مدنيين وجشا، دعوا البريطانيين أروني دولة إفريقية واحدة، سلك نوع من مدنييها نحو جيشها ما يسلكه من بعض يساريينا نحن نحو جيشنا. لن يجدوا دولة إفريقية واحدة بتلك المواصفات الذممية. ثم أقول لمن أغضبهم حثي البرهانَ على عدم التوقيع على الإعلان السياسي الذي يكفيه نجاسةً ما أكتبه عنه السيد مبارك الفاضل رئيس حزب الإمة، وأنا هنا أعيد ما قاله حتي يلا مس جوانح (أحرار) قحت، إذ قال:” أبلغني أحد السياسيين الذين شاركوا في اجتماع الإطاري في القصر يوم الأحد 19 مارس المخصص لصياغة الإعلان السياسي وتشكيل الحكومة، إنهم تفاجأوا عند دخول القصر بخواجات يعترضونهم ويطلبون منهم إبراز هوياتهم وخطاب الدعوة، وبعد أن تحققوا من هوياتهم أرسلوهم لمراسم القصر، والأدهى من ذلك وجدوا الخواجية (كرستيان نائبة فولكر) تجلس وحدها في منصة عالية في القاعة تُدير الاجتماع والمجتمعين من أعضاء الإطاري، و منهم نائبِ الرئيس نفسه يرفعون أيديهم للخواجية لتسمح لهم بالكلام بعد أن قرأت عليهم الإعلان السياسي.” ذلك ما قاله السيد مبارك الفاضل. وذلك ما زاد بغضي لذلك الإعلان السياسي، مع بغضيَ لصنمه الذي وُلد في أعطانه. أما اقحام السيد أحمد سيد أحمد مسند موضوعا لا يخصني بشيء في نهاية مقاله، حيث أقامني مقاما (وخلفي الإخوان المسلمين، الذين حكموا السودان لثلاثين عاما عجاف: أهلكوا فيها الحرث والنسل ودمروا مؤسسات الدولة الوطنية بما فيها الجيش أحيلهم لقول الحق جل وعلا في الآية بصدر المقال: لعلهم يتقون أو يحدث لهم ركزا. ومع أن قوله بحكم الإخوان الذين جعل منهم رديفًا لي وأنهم دمروا البلاد إلى آخر قوله غير المنصف الذي لا يعنيني بشيء فأجيبه بقول الله تعالى:
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعْدِلُواْ ۚ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا تَعْمَلُونَ,

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...