فيصل الباقر يكتب رسالة مفتوحة فى بريد لجنة تفكيك التمكين، وبريد الشعب الذي ثار ضد التمكين ..

الزرقاء ميديا

حتّي لا نُبدّل تمكيناً بتمكين آخر: اعدلوا هو أقرب للتقوى، فإنّ الظلم، ظُلمات!
جرس أوّل :
“عليك بالعدلِ إن وُلّيت مملكةً ،،، واحذر من الجور غاية الحذرِ … فالملك يبقى على عدلِ الكفور،،، ولا يبقى مع الجور فى بدوٍ ولا حضر” ((أبو الفتح اليستي))
-1-
فى البدء، أُقر واعترف، بأنني لم أقرأ، بل، لم أعد قراءة ((قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989، وازالة التمكين لسنة 2019))، سوي سبع مرّات، فقط، مستعيناً – فى إحداهُنّ – بقلم الرصاص، وذلك، بقصد وضع الهوامش، وضبط علامات الاستفهام والتعجُّب، ووضع الخطوط أحياناً، والتعليقات الجانبية، في أحايين كثيرة أُخرى، رغبةً مِنّى فى المزيد من التدقيق والانتباه، والحرص علي فهم الـ”مانديت”، ما أدراكما “المانديت”، وفوق كل هذا، وذاك، لم أُفوّت فرصة “الاستعانة بصديق/ة”، من أهل القانون الأفذاذ، وفطاحلته الأقوياء، وأساطينه الأكفاء – رجالاً، ونساء – لفك بعض الطلاسم التى عادةً ما تواجهنا – نحن أهل الصحافة – فى الكتابة الصحفية المُنصفة، فى هكذا مواضيع، تبدو عصيّة الفهم والهضم.. وقد أعدتُ البصر كرّتين، قبل أن أدخل فى مغامرة الكتابة عن لجنة التفكيك، والتى انقسم الناس حولها – في الظاهر والباطن – إلي فريقين، فيما آثر فريق ثالث أن يقف فى محطّة الـ(بين بين)، يُشجّع اللعبة الحلوة، وأرجو أن أُنوّه إلى أنّ هذا الفريق الأخير، ليس موضوع كتابنا فى هذه المرّة، والسانحة الضيّقة !.
-2-
أمّا الفريق الأوّل، فهو فريق المؤيّدين والمحبّين و”المُريدين”، وهُم الذين آثروا أن يناصرونها، ويُؤيّدونها فى “المنشط والمكره”، فينظرون – بلا شك – لها، ولكل قراراتها بـ”عين الرضا”، والتي هي “عن كلِّ عيبٍ كليلة”، وقد أسموها لجنة “البل”، وهو مصطلح شبابي مُستحدث يعني به مستخدموه الاِغراق فى الماء، وصاروا ينتظرونها، وينتظرون اطلالة ممثليها علي شاشات التلفزيونات والقنوات الفضائية، وأثير الاذاعات، وصفحات الجرائد، وعوالم الميديا الاجتماعية، – بفرحٍ كبير – في “خميس البل”، وهى تُدلي بقراراتها، ويُناجونها، بهل من مزيد؟.
-3-
الفريق الثاني “الآخر”، هو فريق الرافضين والكارهين للّجنة، والذين ينظرون لها، بـ”عين السخط” والتي – هي بالضرورة – “تُبدي المساويا” !. وهؤلاء يرون فى كل حركتها، وسكونها، شرٌّ مُستطار، ينبغي مقاومته، والتحريض ضدّه، والتقليل من قيمته، بكل السبل المشروعة – وحتّي، غير المشروعة، أحياناً – بما فى ذلك، التشكيك في فاعليتها، والاستهداف الشخصي لرموزها، والشروع فى ابتزازهم، وتصويرهم بأنّهم “أُس البلاء والفساد”، وهؤلاء لا يتورّعون من الغمز واللمز، بل، والضرب تحت الحزام، الذى تُحرّمه – وتُجرّمه – لعبة الملاكمة اليدوية، والتى يصنّفها كاتب هذه الأحرف، ضمن عائلة الرياضة العنيفة.
-4-
أستطيع أن أقول أنني حاولت – بقدر استطاعتي – النظر للجنة التمكين، بالعين الثالثة التي تسعي للنظر من خارج الصندوق، وتُحاول أن تُعطي ما لـعمرٍ، لعمر، وما لزيدٍ، لزيد، وأن تتعامل مع اللجنة وقراراتها وأخبارها، ببعضٍ ممّا تعلّمناه في علوم وفنون الصحافة التقلدية، وقاعدتها الذهبية، “الخبر مُقدّس، والرأي حُر”، وأن أسعي للبحث عن الحقيقة، التي يجب أن تكون مسعي ومُبتغي الصحافة النزيهة، والصادقة والموضوعية، علماً بأنّ العثورعلي الحقيقة، يتطلّب الحصول علي المعلومات الصحيحة، والوصول إليها من مصادرها، وتمحيصها قبل نشرها، بعيداً عن سياسة صحافة (الجمع والالتقاط)، أو الصحافة المعتمدة علي منتوج هندسة التسريبات الملغومة، والصحافة التي تنشط فى بث المعلومات المضطربة، والمغلوطة، والكاذبة، لسببٍ فى نفس يعقوب، وهذا حديث يطول!.
-2-
أجد من الضروري تنبيه وتشجيع القراء والقارءات، والصحفيين والصحفيات – على وجه الخصوص – لأهمية قراءة القانون – مُثنى، وثُلاث، ورُباع – والبحث فى الأسباب والأهداف والغايات التي تجعل من وجوده ضرورة من أهمّ ضرورات الفترة الانتقالية، لإزالة “التمكين” والفساد الذى صنعه، وكرّس له، ومارسه و”تمرّغ” فيه، أهل الحل والعقد فى النظام المُباد، وسدنتهم من السابقين واللاحقين، الأمر الذي يجعل من انشاء لجنة، بل، مفوضيّة، تنشأ بقانون صارم، و”مانديت” واضح، لتفكيكه “صامولة، صامولة”، ضرورة موضوعية، تقتضيها المحافظة على الثورة ومكتسباتها، ويأتي فى مقدّمة مطلوبات رد حقوق الشعب، للشعب، الذى هو سيّد الحاكمين، وأهمية جبر ضرره في جبهة الاقتصاد، والفرص المتساوية فى العمل، وغيرهما من مطلوبات تحقيق العدالة، والانصاف، وهذا كُلّه من شعارات الثورة التي طرحت العدل، من بين شعاراتها الثلاث (حرية..سلام..وعدالة).
-3-
المتابعة الحصيفة لنشاط لجنة التمكين، تُبيّن حجم التوسُّع الكبير والمُستمر فى مهام اللجنة ((المهام)) و((الواجباب)) حتّي صارت اللجنة تبدو وكأنّها دولة موازية، أو جزيرة منعزلة، أو “أخطبوط” مُتحرّك، لها شرطتها، وجهاز أمنها، ونيابتها الخاصّة، وسُلطاتها الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وهذا يضر كثيراً بمفهوم الفصل بين السلطات، وهو من الضروريات الأساسية في الحكم الرشيد، الذى تنشده ثورة ديسمبر المجيدة، بشعاراتها ثُلاثية الأبعاد.
-4-
ممّا يجب أن يُقال أنّ اللجنة ظلّت تعمل بلا (لجنة استئناف)، إذ استقال عضوان منها – مُنذ بواكيرانشائها – هما الباشمهندس صديق يوسف، والأُستاذة أمينة محمود شين، ورُغم أنّ اللجنة اختارت لهما خلفاً، إلّا أنّ لجنة الاستئناف المزعومة، لم نجد لها عملاً ملموساً فى الواقع، إن لم نقل، إنّها لم تجتمع قط، أولنقل بعد، وهذا يجعل من اللجنة (الأُم) الخصم والحكم، ويجعل قراراتها، تمر دون فرصة للاستئناف، قبل وصول المتضررين للقضاء، وهذا – فى تقديرى – عيب كبير، قانونياً، وأخلاقيّاً، ويضرب بفكرة التقاضي المُتدرّج، عرض الحائط، رُغم محاولة التعديل الذي جري علي مهامها، بمنحها سلطة “مُراجعة” قراراتها، بنفسها، وهذا عيب يجب تلافيه، عاجلاً أم آجلاً.
-5-
من السلبيات الواضحة فى عمل لجنة التفكيك، توسُّعها في مهامها، حتّي شملت، مكافحة غسيل الأموال، ومُطاردة تُجّار العُملة (صغارهم وكباهم)، ومراقبة حركة “التهريب” عبر المطارات، وهذه من السلطات والأعمال التي يجب أن توكل للشرطة، بمسمياتها وأفرعها المختلفة، وقد تلاحظ – بل، ثبت – أنّ لجنة التفكيك، أصبحت تُمارس سلطات أجهزة تنفيذية كثيرة منها (النيابة / الشرطة / جهاز الامن)، مُضافاً إلي دور القضاء في قرارات، من الأفضل تركها للتقاضى الطبيعي، درءاً للشبهات، ولترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات.
-6-
ذات مرّة، جاءت زيارة رئيس مجلس الوزراء لمقر اللجنة، والاجتماع بها، لتبدو، وكأنّها مُباركة أو تاييد، أو “دعم سريع”، لمنهجها، واسلوبها في التعامل مع الأحداث والأشياء، وهو منهج مازال غير مُتّفق عليه، وبصراحة لم أفهم – بعد – المغزى والمعني، والرسالة التي تُريد السلطة التنفيذية، ايصالها للجمهور، من زيارة رئيس مجلس الوزراء الاحتفائية، للجنة التمكين، وفى ذاك التوقيت بالذات!.
-7-
من المضحكات المبكيات، أنّ لجنة التمكين، قالت – ذات مرّة – على لسان أحد أعضائها، ضمن شرح حيثيات القبض على مواطن مُتّهم بالخروج فى مواكب ومسيرة 30 يونيو 2021، – نسبته للفلول – “أنّ واحد من المتهمين تمّ القاء القبض عليه فى منزله، وهو يرتدى الزى العسكرى، وهو يستعد للخروج للشارع، للقيام بمهمة …….إلخ”، وهُنا أرجو أن أُنبّه لعبارة “داخل منزله”، وليبرز السؤال المشروع : تُري هل يمنع أو يُجرّم القانون أن يلبس المواطنون – وهُم داخل منازلهم – ما يحلو لهم من أزياء “عسكرية” كانت، أو مدنية”؟؟!!. ويبرز هُنا السؤال المنطقى الأهم، لماذا الاستعجال فى القبض على هذا المواطن، وهو فى داخل بيته؟!، أما كان الأفضل تركه يخرج للطريق العام، ليقبض عليه – بعد دقائق، أو حتّى ثواني، وهو متلبّساً بإرتداء زى عسكرى فى الشارع والطريق العام، لتكون من بين التًهم التي تُوجّه له “انتحال الشخصية”، بدلاً عن تهمة “القبض على النيّة”؟!. وأرى من حقّى – كمواطن، وصحفي – أن أسأل عن مصير ذلك المواطن، وماذا تمّ بعد القبض عليه، لأننا لم نسمع بعد تلك الحادثة، شيئاً عن مصيره!.
-8-
كاتب هذا العمود الصحفى لا – ولن – ولم يستبعد – قط – تآمر “الفلول” وتخطيطهم لاحداث فوضى عارمة، بما فى ذلك التخطيط، لاغتيالات وسط المتظاهرين السلميين، أينما كانوا، وحيثما حلّوا، ومع ذلك، يرى أنّ هناك جهات محددة ومعروفة قانوناً، هى المعنية بالمراقبة والتتبُّع والقبض والتقديم للنيابة، والقضاء، أمّا أن تقوم لجنة ازالة التمكين بعمل كل هذه الجهات، فهذا ما يجب أن نُنبه له ولخطورته، ليس هذا، فحسب، بل، أن نرفع الصوت عالياً ضدّه، لأنّ الواجب يفرض علي الجميع، احترام مبدأ فصل السلطات، وعدم السماح بتوسيع الـ”مانديت”، حتّي لا نقوّض فكرة دولة المؤسسات، أو دولة الفصل بين السلطات. فهل من سميع مُجيب؟!.
جرس أخير :
“والعدل فى الأرض يُبكي الجن لو سمعوا به ،،، ويستضحك الأموات لو نظروا” ((جبران خليل جبران))

فيصل الباقر
faisal.elbagir@gmail.com

نقلا عن سودانايل

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...