النيوليبرالية: صراع المرغوب والمقدور (الحلقة الاولى) عبدالرحمن عبدالله سيد احمد هيوستن، تيكساس
الزرقاء ميديا
النيوليبرالية: صراع المرغوب والمقدور
(الحلقة الاولى)
عبدالرحمن عبدالله سيد احمد
هيوستن، تيكساس
اكتوبر ٢٠٢١
بعد هزيمة الجيش العراقي في العام ٢٠٠٣ وسيطرة الجيش الامريكي على كافة ارجاء العراق. تم تعيين السيد بول بريمر حاكما مدنيا على العراق. لم يضع بريمر وقته الثمين في ادارة الصراعات الخاسرة، لم يحاول مطلقا ان يستفز الشعب العراقي في هويته، ثقافته او عقيدته. لكنه بدأ مباشرة في اعادة هيكلة القوانين الاقتصادية للدولة وهو ما يعرف بال state apparatus
استغل بريمر الفراغ الدستوري والتشريعي في البلاد؛ فهرع الى اصدار تشريعات جديدة، هيأ بموجبها الاقتصاد العراقي ليكون جزءا من المنظومة الاقتصادية العالمة او ما يعرف “بالاقتصاد الحر”. سمح للشركات العالمية بدخول السوق العراقي، الغى القيود على حركة رؤوس الاموال دخولا وخروجا، رفع القيود الحكومية على النشاط الاقتصادي. بمعنى آخر؛ حاول بريمر ان يجعل من العراق وثروته ساحة للنيوليبرالية. لكنه في المقابل، عمد الى استثناء الصناعة النفطية من حالة الحريات هذه، بل جعلها صناعة محكومة بقوانين الحاكم، خاضعة الى توجيهاته وتعليماته. وقد يغيب عن حصافة القاريء الكريم، ان سبب هذا الاستثناء هو الرغبة في السيطرة على الدجاجة التي تبيض ذهبا، اعني النفط العراقي.
اذا تأملنا فيما قام به بريمر، لوجدنا انه اعاد انتاج نفس الوصفة الاقتصادية التي كان بينوشيه قد طبقها في شيلي قبل حوالي ثلاثة عقود من الزمان. ومن المعلوم ان شيلي كانت بمثابة حقل التجارب الاولى لابناء مدرسة شيكاغو الاقتصادية، والتي وضع قواعدها ميلتون فريدمان، مؤسس ما يعرف بال “Neoliberalism”. الفارق الوحيد بين الحالتين هو احتكار النفط في الحالة العراقية، واحتكار النحاس في الحالة الشيلية.
اما اذا اسقطنا الحالة العراقية على ما يحدث في السودان لوحدنا المقاربة ممكنة. فالسيد “فولكر” يمثل “بريمر”، وتطبيق وصفات الصندوق والبنك الدولي يمثل الانفتاح العراقي على نظريات السوق الحر. والسادة اسامة داوود و مو ابراهيم يمثلون احمد الجلبي، وقطاع التعدين يمثل النفط العراقي. لكن الساسة السودانيون خلطوا الايدلوجيا بالاقتصاد، فأضاعوا جهدا مقدرا في معارك خاسرة ظنا منهم انه بمقدورهم تغيير ثقافة الشعب، والعبث بقيمه ومعتقداته.