ياسر يوسف يكتب: إستعادة السيادة الوطنية
*في إختيار ذا دلالة رمزية لافتة إختار الدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء المنصرف تاريخ السادس والعشرين من يناير في العام 2020 ليمهر خطابه لمجلس الأمن طالبا ( من الأمم المتحدة أن تسعي إلي الحصول علي ولاية من مجلس الأمن لإنشاء عملية لدعم السلام بموجب الفصل السادس في أقرب وقت ممكن في شكل بعثة سياسية خاصة تضم عنصرا قويا لبناء السلام وينبغي أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي السودان*) ..
*الدلالة الرامزة في إختيار ذلك التاريخ هو مصادفته لذكري تحرير الخرطوم وقتل الحاكم العام غردون باشا ، وسواء أكان الدكتور حمدوك منتبها لرمزية التاريخ وخطورة ما أقدم عليه أم لم يكن منتبها فإن إستدعاء الأمم المتحدة بتلك الطريقة والإشتراط عليها أن تكون ولايتها لكامل الأراضي السودانية يؤكد أن أخطر ما يناط بها لم يكتب في قرار مجلس الأمن 2524 علي خطورة ما إحتواه القرار من إنتهاك واسع للسيادة الوطنية ، وإنما المقصود الأساسي من إستدعاء تلك البعثة بالنظر إلي المشهد السوداني آنئذ هو المحافظة علي* ( الهندسة السياسية ) *الهشة التي ولدت بعد التغيير في السودان ودفعت إلي الصدارة بقوي مرتبطة في أفكارها ورؤاها بالدوائر الخارجية ، والغربية علي وجه الدقة* ..
*وما يؤكد هذه الفرضية أن السفير البريطاني السابق عرفان صديق المشهور بتدخلاته الحادة في الشأن الداخلي السودني قد إنبري يومها في تغريدات غاضبة علي إثر نشر الصحف السودانية أمر الخطاب ( الغمتي ) نقلا عن الأسوشيتد برس وصحيفة النيويورك تايمز وهو يدافع عن البعثة وفكرتها ويبرئ الدكتور حمدوك من كتابة الخطاب* ( *أود أن أكون واضحا إنها مسودة مشروع قرار أولية تعكس أفكارًا أولية لبريطانيا وألمانيا ،،،، ليس للحكومة السودانية أية إسهام فيها* ) ..
*أوردت هذه الخلفيات للتذكير بالدوافع الأساسية التي جلبت بعثة يونيتامس للسودان ومن هم الفاعلون الرئيسيون خلفها والمخططون الحقيقيون لها ، فالأمم المتحدة التي لا تتأخر مطلقا عن إرسال المبعوثين للدول النامية والمغلوبة علي أمرها ليست سوي غطاء ناعم للأجندة الخشنة ، ومبعوثيها أصحاب اللغة البلاستيكية الفاقدة للروح ماهم إلا بيروقراطيون دوليون تستهويهم الوظائف الفارهة والعيش في عالم خيالي لا علاقة له مطلقا بما بعثوا له ، وتخبرنا التجربة الماثلة أن المبعوثين الدوليين الذين يخفون سراعا إلي مناطق الأزمات ليسوا إلا ستارا لمشروعات الدول الكبري التي تتستر تحت رداء المنطمة الدولية لإنجاز مشروعاتهم وتحقيق مصالحهم* …
*فسيل المبعوثين الذين إنهمروا علي ليبيا منذ تأسيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ( أونسميل ) في العام 2011 حتي بلغوا ستة مبعوث وقفوا متفرجين علي الأزمة الليبية وهي تنحدر نحو الحرب الأهلية وتنقسم رسميا إلي حكومتين ، وفي بعض الأحيان تورطوا* ( *في صناعة المستنقع* ) *وخرجت أرجلهم كالعادة نظيفة من طينه مهرولين إلي تونس الجارة حين استفحل العنف في طرابلس بل وفي عموم ليبيا ، وبلغت قطع السلاح المنتشر في البلد حوالي 30 مليون قطعة بحسب تقرير للأمم المتحدة نفسها !! إذن ماذا كان يفعل مبعوثوا بعثة دعم ليبيا للتحول الديمقراطي طوال تلك السنوات* ؟؟..
*والسيناريو المأساوي الذي جرت فصوله في ليبيا تتوافر جميع عناصره في السودان للأسف من بنية سياسية هشة ، وشركاء متشاكسون ، وغياب للرؤية الوطنية الجامعة بجانب إنتشار السلاح ووجود هجمة خارجية غير مسبوقة علي البلاد ، وبعثة دولية لدعم التحول الديموقراطي ( يا إلهي إذن لم يبق إلا الإنفجار*) ..
*( دعم التحول الديمقراطى ) هو المصطلح الأخلاقي الذي تتستر تحته القوي الكبري وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية لإخضاع الشعوب وفرض الثقافات الغريبة عليها ، وهو المصطلح الذي يمكنك وضع ( الإستعمار الجديد ) محله لتكتشف نوايا القوي الشريرة واجندتها المعلنة نحو الشعوب الأخري* ..
*ولا يمكن فصل أجندة بعثة يونيتامس عن أجندة هذه القوي الشريرة لكل ذي عقل يري الأشياء بنور البصيرة ، فليس ظهور ( سفيرة البركاوي ) في مناشط البعثة وحده الذي يؤكد هذه الحقيقة ، ولكن سلوك البعثة منذ مقدمها ( غير الميمون ) وهي تتخذ منحي مخالفا للقانون الدولي بتقسيم أبناء البلد علي أسس سياسية ، ويصرح رئيسها بأنه معني بتحقيق الوفاق بين المكونات السودانية ( ما عدا المؤتمر الوطني ) !! وكأن المؤتمر الوطني جالس في ظل مكتبه ينتظر صك البراءة* ‘ *بجانب التدخلات الواسعة في الشأن السوداني ، والتحريض على التظاهرات ، وتنصيبه نفسه مبعوثا* ( *للعناية الديمقراطية* ) *ومنقذا ومعلما لشعب السودان* ..
*إن التحدي الذي يبرز اليوم أمام القوي الوطنية بتياراتها المختلفة هو قيادة معركة إستعادة السيادة الوطنية من بين براثن البعثة الأممية المتجاوزة لأعراف العمل الديبلوماسي ، والتي إن إستمرت ستقود حتما لتمزيق الوطن وشعبه ، ولابد لهذه القوي الوطنية أن تدرك أن ترك الساحة السياسية لهذه البعثة لتقرر بشأنها لن يجني منه الوطن إلا الخراب ، فبعثة الأمم المتحدة لم تفعل لشعب جنوب السودان شيئا حين استغاث بها يوم إندلاع الحرب الأهلية في جوبا ، ولا تزال تطاردها الاتهامات في حرب الإبادة الجماعية في رواندا ، وستظل تقف حجر عثرة أمام أي مسعي وطني خالص يقرب الشقة بين أبناء الوطن وينهي أزمة عدم الإستقرار ، لأن ذلك يتقاطع مع مصلحتها وينهي مبررات وجودها*..
*ومع كل هذه الغيوم التي تظلل سماء الوطن ، فإن الثقة كبيرة في أن الشعب السوداني سيتجاوز هذه الصعوبات ، ولن يسمح بكرامته أن تكون بضاعة للمساومة والبيع ، وان بدا أن هناك من بينه من يؤيد التدخل في شؤونه الداخلية إلا أن التيار الغالب منحاز لوطنه ووطنيته متمسك بإستقلال إرادته ولن يفرط في ذلك ، فالشعب الذي دفع الأنفس دوما في سبيل الكرامة الوطنية لن يخون تاريخه ودماء شهدائه* …