عبد الماجد عبد الحميد يكتب: … إلي عثمان ميرغني وآخرين .. ولماذا لايعود الوطني ؟!!

• الأستاذ عثمان ميرغني أفضل صحفي سوداني يكتب علي طريقة السهل الممتنع .. وطريقته في كتابة العمود الصحفي (تُدرّس) كأفضل طريقة في الكتابة المباشرة (بدون لف أو تطويل للمقدمات) .. يدلف إلي موضوعه ويخرج منه أعجل ماتيسر وبالمختصر المفيد .
• ومع هذه الميزات التي تتوفر للأستاذ عثمان ميرغني ظل الرجل أسيراً لعادة ( النرجسية والأستاذية ) التي تتلبسنا نحن معشر الصحفيين والإعلاميين فننصب أنفسنا كثيراً وُعّاظاً ومرشدين نطلق الأحكام النهائية ونحاكم الجماعات والأفراد ونتجاوز التعريف المبسّط لمهنة الصحافة أنها مهنة طرح الحلول الوسط والأسئلة المفتوحة ..
• الأستاذ عثمان ميرغني من الصحفيين الذين تتوفر لهم معرفة نوعية أفقية ورأسية بكواليس وأسرار المشهد السياسي السوداني ومع هذا تجده حريصاً علي طرح الأسئلة المغلقة والأحكام المطلقة ولاينتبه إلي حقيقة أن الصحفي المؤثر في تناول قضايا الرأي العم وتنويره لايصلح أحياناً أن يكون رئيساً لحزب أو قائداً لتيار سياسي فلا يعني كونك صحفياً ناجحاً ومؤثراً أن تكون زعيماً سياسياً يدين لك بالولاء مليون قارئ يتابعونك بشغف ، يتفقون معك أو يختلفون ..
• والحال كذلك .. لايعني كونك صحفياً مؤثراً أن تمضي باتجاه محاكمة القوي والأحزاب السياسية بطرح أحكام مطلقة وأسئلة مغلقة تلغي تجربتها في الحكم وكسبها في محيطها المحلي بجرة قلم !!
• وهذا عين ماظل يفعله عثمان ميرغني في تعاطيه مع شأن وحال ومستقبل حزب المؤتمر الوطني قبل وأثناء وبعد سقوط الإنقاذ!!
• كتب الأستاذ عثمان ميرغني أول أمس عن ( عودة غندور أم عودة الوطني ) .. وفي مقاله هذا تحدث مادحاً بروف غندور بما يستحقه .. وهنا لابد من كلمة صادمة وهي أن عدداً كبيراً من الصحفيين وكبار كتاب أعمدة الرأي العام وأمثالهم من السياسيين الذين تعاطفوا مع غندور عقب صدور قرار براءته وسارعوا إلي منزله مهنئين ، جل هؤلاء لم يقولوا كلمة حق في وجه الظلم الذي تعرض له غندور وإخوانه .. ومما لا يستغربه المرء أن ذات الإعلاميين وكتاب الأعمدة كانوا سيجلدون غندور ورفاقه إن صدر بحقهم حكم إدانة ..
• ومايمكن قوله هنا أيضاً أن عدداً كبيراً من المنتسبين إلي الوسط الصحفي والإعلامي سجلوا موقفاً سالباً من قضايا المعتقلين السياسيين من رموز المؤتمر الوطني .. وصحيفة التيار التي يملكها ويقودها الأستاذ عثمان ميرغني ذبحت المهنية وأمانة الخبر والكلمة علي أعتاب عدم استلطافها للكيزان الذين كانت في عهدهم من صحف المقدمة الأكثر توزيعاً وتأثيراً !!
• في عموده المشار إليه وقع ميرغني في محظور ما لفتنا النظر إليه ومقدمة تفصيل ذلك أن صاحب حديث المدينة أقرّ بالفشل الذريع لتجربة الحرية والتغييرخلال الثلاث سنوات الماضية .. وحتي لا ننسي لابد من التذكير بأن عثمان ميرغني كان من الذين شاركوا بالحديث في ميدان اعتصام القيادة وكان مقرباً جداً من كابينة القيادة في عهد حمدوك .. لكن الهيجان الأرعن لمؤيدي الثورة المصنوعة أخرج عثمان ميرغني من دائرة الفعل الثوري لاحقاً .. والتهمة الجاهزة أنه كان أحد رموز الإعلام في العهد البائد !!
• أقرّ عثمان ميرغني بفشل بتجربة الحرية والتغيير .. لكنه في ذات الوقت أعاد للأذهان أحكامه المطلقة علي تجربة الإنقاذ التي وصفها بالفشل الذريع .. لكنه في ذات الوقت لن يستطيع الاعتراف بأن أسوأ نسخة للإنقاذ وهي تترنح قبل السقوط كانت أفضل بسنوات ضوئية من تجربة الحرية والتغيير وهي في قمة وهجها الثوري !!
• من الأحكام المطلقة التي أطلقها ميرغني في مقاله الصحفي قوله : ( صحيح أن الشعب مابات يثق في في قدرة الحرية والتغيير علي إدارة البلاد لكن الأصح أن ذلك لايعني أن البديل هو حزب حكم ثلاثين سنة دمّرالبلاد فيها تدميراً شاملاً) .
• دعنا نتفق مع ميرغني أن البديل بعد تجربة ال30 عاماً ليس المؤتمر الوطني وهو افتراض عام لأن قيادة وقواعد الوطني نفسها لاتخطط للعودة لأن تكون هي البديل المنفرد لمرحلة مابعد خراب وسقوط تجربة الحرية والتغيير ، سيعود المؤتمر الوطني في تحالف عريض سيكون نموذجاً مدهشاً للساحة السياسية السودانية وهذا أمر وتوقع سابق لأوانه لكنه من نتائج دروس التجربة التي عكف عليها الإسلاميون في السودان وهو ما لايعلمه ميرغني لأنه يتعامل مع حزب كما وصفه بأنه لايقرأ التاريخ !!
• قال عثمان ميرغني إن المؤتمر الوطني دمّر البلاد خلال فترة ال30 عاماً دماراً شاملاً .. والحقيقة الساطعة عكس ما يقول صاحب حديث المدينة .. بقراءة عجلي لما كان عليه السودان قبل ثورة الإنقاذ وحال السودان مابعد الإنقاذ ستميل كفة المقارنة لصالح الحزب الذي لايقرأ التاريخ كما وصفه رئيس تحرير صحيفة التيار !!
• أقوي دليل أن المؤتمر الوطني وحلفاءه قد تركوا دولة قوية خلال ثلاثين عاماً ما نعايشه اليوم وخلال 3سنوات مضت حيث ظلت وتيرة الحياة تمضي في غياب حكومة تخطط وتنفذ وتسوس أمر الناس في الخدمات وقضايا المجتمع كافة .. إن لم تكن الإنقاذ قد تركت دولة قوية ومؤسسات خدمية راسخة لأنهار السودان بعد سقوط المؤتمر الوطني .. وإن لم يكن المؤتمر الوطني قد ترك دولة قوية ومؤسسات راسخة لتشظي السودان طوبة طوبة بفعل هياج ثورة التخريب التي انتهت إلي رماد !!
• بعد ثلاث سنوات من ذهاب الإنقاذ ظهرت إلي السطح أسرار وخفايا كثيرة تؤكد أن الاحتجاجات التي انتهت بإسقاط البشير لم تكن كلها بسبب السخط الشعبي علي تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية .. سقطت الإنقاذ وسقط البشير نتيجة مؤامرة داخلية محكمة شاركت فيها قيادات بارزة من الإسلاميين كان أحد هذه القيادات يتحدث يوم أمس في لقاء صحفي مغلق داعياً إلي تجاوز تجربة المؤتمر الوطني !!
• قال عثمان ميرغني : ( حزب المؤتمر الوطني لم يسقط في إنتخابات بل بقرار من الشعب السوداني بالإجماع وقرار الشعب هومبدأ فوق الدستور نفسه ) ..
• أرأيت كيف يطلق عثمان ميرغني الأحكام المطلقة ؟ .. قال إن المؤتمر الوطني سقط بإجماع الشعب السوداني .. والسؤال : كيف توصّل صاحب التيار إلي هذه الحقيقة بظنه ؟ .. هل أجري استطلاعاً شاملاً وسط الشعب السوداني ليتأكد أنه قرر بالإجماع إسقاط حزب المؤتمر الوطني ؟!
• إن كان الأمر كذلك فأين سيضع جماهير حزب المؤتمر الوطني وقواعد التيار الإسلامي والوطني العريض الذي قام بمعارضة حكومة شتات الحرية والتغيير من أول يوم حتي أسقطها ورمي بها في سلة مهملات التاريخ ؟!
• أين سيضع ميرغني هذه الجماهير من فرضية حكمه المطلق بأن المؤتمر الوطني سقط بإجماع الشعب السوداني ؟!
• بعد ثلاث سنوات من ذهاب دولة الإنقاذ يحتاج المثقفون والمشتغلون بصناعة الرأي العام إلي تجديد آلياتهم في مخاطبة الجماهير وهي ذات النصيحة التي يطلقها عثمان ميرغني صباح مساء في وجه قادة القوي السياسية بالبلاد ..
• وبعد ثلاث سنوات من سقوط دولة الإنقاذ يمكن القول بلا تنطع إن تجربة حزب المؤتمر الوطني في الحكم تؤهله للعودة إلي حكم البلاد مرة أخري ولكن وفق رؤية جديدة تستلهم من التجربة التي مضت وتأخذ طاقة دفع من بؤس تجربة ثلاث سنوات عجاف أقنعت حتي عثمان ميرغني نفسه أن المؤتمر الوطني كان حزباً وطنياً أخلص لبلاده لكنه تآكل بفعل التناحر الداخلي وسقط بيد مؤامرة داخلية اكتشفت خطأ تقديراتها الكارثية بعد فوات الأوان !!

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...