سدالنهضة والأمر الواقع

عمارالعركى
** أستوقفني الخبر المتداول الذي يقول : “خبراء يتوقعون فشل الملء الثالث لسد النهضة.. ويحذرون من انهياره وغرق الخرطوم”، وعند الإطلاع على تفاصيل الخبر ، تجد ما يُقنع بشكل كامل بقوة هذا التوقع.
** عودة لفترة ما بعد الهدؤ والسكون ، التى أملتها تطورات الأوضاع داخل أثيوبيا ، بدأت اثيوبيا بتحريك الساكن بإعلانها بداية توليد وإنتاج الكهرباء. من السد ، ثم صب خرسانات الممر الأوسط، قبل أن ترشح اخبار عن مفاوضات سرية برعاية إمارتبة فى أبوظبي.
** حين أعلنت أثيوبيا عن توليد الكهرباء من السد ، ضج الإعلام المصري وانبرى الخبراء تتبعهم بعض الأصوات الاعلامية والخبراء السودانيين ، حيث كان الإكثار من حديث مخاطر السد بشكل إعلامى “مثير” ، أكثر من كونه “فنى” مقنع.
** الجانب المصرى ، لا زال يسترسل في التناقض والمبالغة وعدم التماسك فى التصريحات – السمة البارزة له خلال سنوات التفاوض العشر – مقابل إسترسال أثيوبيا فى تطبيق سياسة الأمر الواقع ، وإسترسال السودان فى اتخاذ مواقف متأرجحة ومترددة .
** وأضح أن التناقض والإلتباس سمة بارزة في كثير من تصريحات المسئولين المصريين ، حيث نجد الخبير الفني المائي ، يفتي في اسس وضوابط وقانونية الاتفاق الملزم ؟!، بينما نجد الخبير القانوني المصرى يفتي في مضار ومخاطر الملء والتشغيل؟! ، والدبلوماسي السياسي يفُتى فى الإتجاهين؟، بينما ظل السودان حائرا بين اتباع مصلحته السياسبة والإقتصادية !!! ؟
** على سبيل المثال، عندما سُئل فى- ذاك الحين – دكتور مصادرالمياه و عضو الفريق المصرى المفاوض والأستاذ الجامعى ( هشام بخيت ) ، بشأن بدء عملية انتاج الكهرباء من السد قال : “انها خطوة تندرج تحت اطار التصرفات الأحادية”، علماً بأن مسألة التوليد الكهربائي في اثيوبيا والاستفادة منها والاستثمار فيها سابق لازمة السد ، كما أن هذا الأمر يتعلق بالجانب “التنموي ” للسد والذي أقرته مصر في اتفاق المبادئ ، 2015م المشار اليه في المقال ، وبالفهم “البسيط” مسألة التوليد الكهريائي في اصلها “استخدام” وليس “استهلاك” !!؟
** وحول تأثير الخطوة على سقف المطالب المصرية مستقبلاً ، قال بأن المطالب المصرية “واحدة” مهما حدث على الأرض ، وهذا قول يتماشى مع الإتهام الاثيوبي لمصر بالتعنت وعدم المرونة ، وأن العملية التفاوضية تدخلها مصر “تسويفا و مخادعة” طالما أن “موقفها واحد و ثابت” وغير قابل للنقاش .
** وجاء الوزير المصري الأسبق محمد نصر علام ، بتصريح مناقض تماماً لحديث مواطنه وعضو التفاوض دكتور هشام ، وذلك بقوله ، ان الخطوة التي أقدمت عليها اثيوبيا ، سبق وان “باركتها” مصر حسب اتفاق المبادئ !!!؟
** وكالعادة،،، لابد أن يتم فى ختام اي تصريحات تُشير الى مخاطر السد، ذكر السودان مع مصر وترديد المطالبة المحفوظة والمستهلكة – دون العمل من اجلها بوعي وفهم وتخطيط – و”هي الاتفاق القانوني الملزم لقواعد الملء والتشغيل”
** لقد استرجعت هذه الواقع إستدلالاً ، باعتبارها كانت آخر جولات المواجهة في إطار الفعل الأثيوبي ورد الفعل المصرى السوداني ، والآن الساحة بصدد جولة جديدة، بحسب الخبر أعلاه.
** عموما، هذا يؤكد ويدلل على ما ظللنا نقول به ، بأن ازمة السد يدخلها السودان بمواقف “متأرجحة ومتنقلة” من تأييد لأثيوبيا ثم إلى حياد ووساطة بين الطرفين قبل الإنتقال الى تأييد مصر ، وفى كل المراحل لم يقدم السودان الطرح المنطقى و المقنع لهكذا تنقل وتأرجح.
** اما “مصر”، فدخلت الأزمة دون “استراتيجية واضحة” ولا زالت ، مما أفشل كل مساعيها ،السياسية و الدبلوماسية والإعلامية وصولا للتهديد بضرب السد ، وذلك فى ظل تأثير متعاظم “لأبعاد سياسية وإعلامية ، وإعتبارات داخلية “، ولم يفتح الله على الخبراء والمسؤلين “بمخرج آمن” من نفق “اتفاق المبادئ”، والذى يظل دوماً كرت أثيوبيا الرابح ، مهما إجتهد الجانب المصرى فى تفسيرات وتبريرات قانونية ، تباعد بين “المبادئ العامة” و” الخطوات الأحادية الأثيوبية”
** السودان وبموقفه المتأرجح والمتردد ، “لم ينال عنب مصر ولا بلح أثيوبيا ” ، والأخيرة حاولت جاهدة اكثر من مرة انتشال السودان من حضن مصر من خلال ابرام اتفاقات ثنائية تضمن للسودان درء مخاوفه حول التشغيل الآمن للسد ، وقد ظل السودان يتمترس خلف المطالب المصرية ، لاعتبارات مصلحة سياسية أكثر من كونها مصلحة إقتصادية.
** اعتقد أن اثيوبيا ستمضى فى استراتيجيتها المتبعة – سياسة الأمر الواقع- كما أخشي على السودان بان يتلقى “الرد المنتظر ” على مخاوفه “عملياً” بمرور الوقت، ومن خلال ” التشغيل والتصرفات الأحادية الأثيوبية ” بحسب استراتيجية الأمر الواقع الأثيوبية
** كذلك لا اتوقع رضوخ أثيوبيا لمطلب الاتفاق الملزم والمشاركة في التشغيل ، ليس بسبب ” المساس بالسيادة الأثيوبية ” ، كما تدعى أثيوبيا ،ولكن أعتقد بسبب أن أثيوبيا تعمل علي بناء سدود أخرى وتخشي من ان يكون الاتفاق الملزم والتشغيل سابقة يتم تطبيقها فى المستقبل على مشاريع السدود الأثيوبية القادمة .
** في كل الأحوال يظل السودان الحلقة الأضعف و الخاسر الأكبر – خسارة الفائدة والمكاسب التى تنصب فى تحقيق مصلحته “التنموية” ، لا “السياسبة”- فالأنسب للسودان اتخاذ موقفاٌ “منفردا” ، يرتكز على الراي “الفني المختص الحاسم ” وإن تتطابق مع موقف أى طرف آخر ، وذلك باعتبار أن اثيوبيا أكثر تشددا تجاه مصر والتى لوحت “بضرب السد” ردا على اصرار اثيوبيا على المضي قدم في عملية الملئ والتشغيل منفردة ، بينما تُبدى اثيوبيا بعض المرونة والتعاطى مع السودان – الذى لم يُبلغ مبلغ التهديد بضرب السد.
** الدعوة “لإنفراد السودان ” والتحلل من اي “ثنائية” ، انطلاقا من المصلحة الوطنية فى المقام الأولى ، والمشتركة فى المقام الثانى ، إضافة إلى أن الثنائية زادت من تعقيد الأزمة ، وأعتقد لو أن السودان كان مستمر فى “الإنفراد والحياد” الذى كان في البداية ، لكان الوضع مختلفا على ما هو عليه الآن ،
** بالضرورة توفر إرادة سودانية سياسية “حرة وواثقة” ، لإتخاذ موقفا سودانياً “منفردا” – إن تعذر إستصحاب مصر – من منطلق المصلحة والفائدة والجدوى ، بعد تحديدها والتوافق عليها من جانب الخبراء والفنيين والمختصين السودانيين دون “تأثير أو ضغوط”، ودون ذلك ستمر عشرة سنوات أخري دون الوصول لحل.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...