الجغرافيا والتوثيق وسحر المدن…..في غناء عبد الكريم الكابلي!

 

** شغف المغني الراحل بكل ذرة في تراب الوطن العزيز؛ شغفاً حمله على صناعة رو ائع غنائية لتمجيد بقاعه، وإبراز سحر المكان، فكانت غنائيات (مروي) و(كسلا) و (جبل مرة) و (امدرمان) ، في مراحل مختلفة من مشروعه الغنائي بوصفه الفنان صاحب القضية، فأعمل عبقرته اللحنية في قصائد من كلماته، وأخرى من ما جاد به شعراء البلاد، وظل الكابلي يوثق للمدن هائماً بحبها حتى وجد ضالته الكبرى في أوبريت الشريف الهندي ليتغنى موثقاً لكل مدن وقرى وأنهار وجبال وبحار السودان الحبيب.

مروي، وكل الجديد!
غنائية مروي التي جاءت على شكل (الأوبريت الغنائي) كانت تفاعلاً مع المنطقة الساحرة التي وجد المغني الشاعر نفسه فيها لظروف العمل فأنشده ، فكتب مقدمة تعبيرية رشيقة جسدت احتفاءه بالمكان، (فيك يامروي…شفتا كل جديد) مع لازمة التأكيد على رسالة المحبة والسلام (ومهما زاد وجدي ما بسيبو الريد…..لأني قلبي حنين بعشق التغريد…بي محاسن الكون)، ثم عدد جانباً من تلكم المحاسن الكونية على هيئة مجموعة من أغنيات التراث في المنطقة(ياحلة تنوري) و (القمر بوبا) ، ليصير اوبريت مروي ضارباً لعديد من الأمثال من خلال مفرداته ونشيداح
وطنياً للمدينة ، ومرشداً سياحياً لها عبر التاريخ.
كسلا في عشق الكابلي!

نهل الكابلي من معين
الشاعر توفيق صالح جبريل في قصيدته التي من ضمنها (كسلا أشرقت بها شمس وجدي….فهي في الحق جنة الإشراق) فدخل بقوة وتصور جديد حلبة التنافس مع المغنين الكثر في التغني بجمال هذه المدينة العجيبة ، وتفرد في تلحين هذا النص الكبير والغني بالصور والمشاهد في (نغم الساقيات) و (أنين السواقي) وكذلك في تمجيد المرأة وجمالها المعهود في كسلا منذ (تاجوج) مع إبراز النهر الأثير كأحد أهم معالم هذا الجمال…
وابنة القاش…..إن سرى الطيف وهناً…..
واعتلى هائماً…فكيف لحاقي….
والمنى بين خصرها ويديها
والسنى في ابتسامها البراق
غنائية جبل مرة !
مازال شاعرنا المغني مطوفاً بربوع البلاد مغنياً وموثقاً، حتى بلغ (جبل مرة) فأعلن عن فرحه العظيم بتلكم الزيارة صادحاً (مرسال الشوق….يا الكلك ذوق…طوف بالحبان في كل مكان……قول ليهم شفنا….جبل مرة) فكثيرون من زاروا الجبل بيد أن كابلينا وحده الذي قال (كزمردة….في صورة بانه) فلخيال الشاعر الحق في الجمع بين الزمرد، وهذا الجوهر الصغير، ليتطاول مع شجر البان في صورته، ولم يفت على الصوفي الكبير الكابلي أن يؤكد من داخل هذا النص البديع تأمل الفنان المستمر للجمال الإلهي وصدور الأمر بالإبداع من الله جل علاه للفنان بتصوير ذلكم الجمال ليحشد جمال الطبيعة في (بين غيمة تغازل كل زهرة….وخيال رمانه على المجرى) ويدعو ربه شعراً وموسيقى (ونقول ياربنا يا قادر….ياواهب كل الشؤ النادر…يا اللي الفنان أمرك صادر…..تجمعنا كمان مرة ومرة…..في وطنا الغالي جبل مرة)

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...