عثمان جلال يكتب/ سردية المحبوب نافلة للتيار الإسلامي وفريضة لقحت المجلس المركزي
(1)
في يوم 2019/4/14 كتبت مقالا جوهره أن ثمة حالة من الوعي الجمعي وسط التيار الإسلامي على ضرورة إنجاح مهام المرحلة الانتقالية، ووعي بضرورة تعزيز روح التوافق والشراكة الاستراتيجية مع كل القوى السياسية الوطنية لبناء المشروع الوطني الديمقراطي المستدام، بل وكنت على ثقة أن القوى السياسية ستنطلق بالشراكة حول قضايا البناء الوطني من حيث انتهى نظام حكم الإنقاذ الذي احتضن كل القوى السياسية باستثناء قلة من الروافض.
لكن للأسف ما إن سقط نظام الرئيس السابق البشير حتى اختزلت قحت الثورة وشعاراتها في مغانم ومحاصصات، وأرادتها استبدادية مدنية تمتد لخمسة عشر عاما في شكل نظام كومبرادوري تابعا للأنظمة الاقليمية الاقطاعية والرأسمالية العالمية ومتفاني مع اجندتهم الخبيثة النازعة لاستئصال شافة التيار الإسلامي الوطني، بل وبدأت في تقنين حظره من الممارسة السياسية وهو التيار الأكثر رسوخا في قاعدة المجتمع السوداني وزعم الفرزدق أن سيقتل مربعا،، فابشر بطول سلامة يامربع، وكما كان التيار الإسلامي العريض شريكا في صناعة انتفاضة ديسمبر 2018، اقتضت سنة التدافع أن يكونوا أيضا شركاء مع قوى الميثاق الوطني في انهاء احتكار قحت المجلس المركزي البائسة لمؤسسات الحكم الانتقالي.
(2)
ان انهاء احتكار قحت المجلس المركزي لمؤسسات الحكم الانتقالي منع تدحرج السودان في اتون الفوضى والتشظي، وعزز الوعي وسط المكون العسكري والقوى السياسية والمجتمعية، والحركات المسلحة بضرورة أن تسع المرحلة الانتقالية الجميع وضرورة ان تقف مؤسسات الحكم الانتقالي على مسافة متساوية من الجميع.
إن مشاركة التيار الإسلامي في ازاحة قحت المجلس المركزي من السلطة اعاد الحيوية والحركية وسط الإسلاميين، وجسر الثقة بينهم والقوى السياسية الوطنية، واستعاد التلاحم بين الإسلاميين والمجتمع وتحرك الإسلاميون من حالة الخندقة والدفاع إلى تسنم زمام المبادرة والحوار المثمر حول قضايا البناء الوطني الديمقراطي.
ان هذا التدافع السياسي لا يعني بالطبع الالتفاف على مشروع الثورة السودانية وإعادة النظام القديم أو الشروع في إنتاج نظام استبدادي جديد قوام مشروعيته قاعدة الإسلاميين، إن قاعدة التيار الإسلامي الواعية غدت عصية علي القابلية للاستحمار والتوظيف،وهناك شبه حالة تماثل بين القيادة والقاعدة حول المشروع الديمقراطي التوافقي،كما ان هناك قناعة ترسخت وسط منظومة المؤسسة العسكرية وجوهرها ان النظام الديمقراطي المستدام المخرج من أزماتنا الوطنية المتراكمة.
ان اي انحراف عن المشروع الوطني الديمقراطي تقوده مجموعة من البرجوازية الصغيرة تعني سباحة عكس حركة التاريخ وسيتصدى لوأدها كل المجتمع السوداني. فالديمقراطية عائدة وراجحة كما ذكر الإمام الصادق المهدي عليه شآبيب الرحمة.
(3)
ان توافق التيار الإسلامي والمؤسسة العسكرية الوطنية،وقوى الميثاق الوطني، ومجموعة من القوى الثورية والمجتمعية على الخيار الديمقراطي يشكل البداية الواثقة والنواة الصلبة لبناء الكتلة التاريخية الحرجة لإدارة حوار استراتيجي ومثمر مع باقي القوى السياسية المدنية والمسلحة حول قضايا البناء الوطني والديمقراطي، لإنهاء الدورة الشريرة التي مازت تجربة الحكم في السودان ولذلك إن كانت وحدة الإسلاميين من قبل واجب فإن تحديات اللحظة التاريخية تجعلها فريضة ولابد من صنعاء وان طال السفر
(4)
بالمقابل وبعد تجريد قحت المجلس المركزي من السلطة وطارت السكرة وحضرت الفكرة فما هو سلوك قحت السياسي في تعزيز شعارات الثورة وسط المجتمع؟ وماهي وصفتها المتجددة لانجاح المرحلة الانتقالية؟ هل قدمت رؤية متماسكة حول المشروع الوطني الديمقراطي المستدام ؟
هل شرعت في تنظيم مؤتمراتها الحزبية على مستوى الأحياء والمحليات والولايات والمركز؟؟
هل جددت قياداتها التقليدية المتهافتة على السلطة؟؟
هل قدمت رؤية فكرية وسياسية جاذبة للتيارات الشبابية الجديدة؟؟
هل قدمت رؤية سياسية واعلامية خلاقة تساهم في خفض حالة الاستقطاب الحاد في الشارع حتى تعبر المرحلة الانتقالية بسلاسة وصولا إلى الانتخابات؟؟
والاستدراك الأخير هل قدمت قحت نقدا بناء لتجربتها الفاشلة في إدارة المرحلة الانتقالية وأثمر عن رؤية جديدة؟؟
(5)
المؤسف ان قحت المجلس المركزي لم تبارح السلوك الانتهازي من متردم فهي تنزع عبر الاستقواء بالمحور الإقليمي الاقطاعي المناهض جهارا للديمقراطية ، وعبر الوساطة الإقليمية والدولية، وتتودد سرا للمكون العسكري، بينما تسعى منافقة لإرضاء الشارع الثوري الذي اعتزلها وقذفها خارج الميدان الثوري.
ان قحت المجلس المركزي تنسج منوال كل هذه المتناقضات بغية تحقيق هدف الصعود للسلطة من جديد وشعارها يافيها يانطفيها، انه سلوك البرجوازية الصغيرة المتلونة فبئست صفقة البادي.
صفوة القول ان سردية الأخ المحبوب عن أخلاقيات الثورة والتغيير والالتزام الديمقراطي فريضة غائبة عن قحت المجلس المركزي ومثابة نافلة للتيار الإسلامي الذي تشرب بهذه القيم ويتصدى لمهام مأسستها في أبنية الحكم، وغرسها في ثقافة المجتمع.