«الترتيبات الأمنية» امتحان السلطات الأصعب ! الحكومة: بدء استيعاب ضباط وجنود من الحركات

خبير أزمات: تكلفة التنفيذ المعضلة الأهم
محامو دارفور: محاصصات وصراع بين مراكز القوى
الحركة الشعبية: البحث عن شركاء وضامنين
مركز دراسات: الدعم السريع حركة أم قوة رابعة؟
الخرطوم: إبراهيم عبد الرازق
تصريحات للجيش والحركة الشعبية هذا الأسبوع فتحت ملف الترتيبات بقوة، بينما تعالت الأصوات بتحميل السلطات مسؤولية السيولة الأمنية لا سيما بعد أحداث دارفور الأخيرة، والتي يُرجح أن تأخير بروتكول الترتيبات الأمنية أحد أسباب الصراع القديم المتجدد، وبينما اتهم مراقبون عناصر من الحركات الموقعة بالمشاركة في أحداث العنف في دارفور، وقطعوا بخطورة دخول القوات للعاصمة المدن، فقد كشفت الحكومة عن إجراءات استيعاب شملت 2000 جندي وضابط صف من الموقعين، أما الحركة الشعبية التي أكدت بدء التوفيق الأمني لقواتها عقب عطلة العيد، فأرجعت تأخير هذه الترتيبات لاضطراب المشهد السياسي، وتوقف الدعم من الضامنين والمشاركين في الاتفاقية.

صراع سياسي!
ورأى نائب حاكم جنوب كردفان رئيس الحركة بالإقليم الرشيد عطية جبلين، تأخير الترتيبات الأمنية سببه الوضع السياسي العام في السودان، وأضاف لـ(اليوم التالي) أن العملية تحتاج لشركاء ضامنين للإجراءات الخاصة بعملية السلام، وذلك لمساعدة الحكومة في تنفيذ الترتيبات، في الفترة الأخيرة توقف الدعم بسبب الصراعات السياسية؛ ولم تستطع الحكومة الإيفاء بالتزاماتها، لكن رغم ذلك بدأت الترتيبات الأمنية منذ شهر تقريباً لقوات الحركة في حنوب كردفان في معسكر (رويكيببة) جنوب شرقي (الدلنج) وستنطلق بعد أسبوع من عطلة عيد الفطر
في معسكر (جبل كردفان) بالأبيض.
ومضى جبلين: قواتنا دخلت بالفعل في الترتيبات الأمنية، وباكتمال هذه الترتيبات لن يكون لدى الحركة الشعبية قوات، وسنتحول تلقائياً إلى حزب سياسي.
على أرض الواقع!
رسمياً كشف المتحدث باسم الجيش العميد الركن نبيل عبد الله عن اكتمال إجراءات استيعاب 80 ضابطاً من حركات مسار دارفور الموقعة على اتفاق جوبا ضمن الترتيبات الأمنية.
وقال عبد الله في تصريحات صحفية إنه سيتم نقل ضباط الحركات إلى مدينة جبيت شرق السودان لتلقي التدريب.
ولكن هذا العدد لا يمثل شيئاً بالنسبة لاتفاق جوبا للسلام في أكتوبر 2020م، والحركات السبع التي وقعت في مسار دارفور بالإضافة للحركة الشعبية – قيادة مالك عقار.
وتعرض ملف الترتيبات الأمنية لعثرات وتتبادل الأطراف الموقعة على اتفاق جوبا والجيش الاتهامات.
من جهته قال نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو خلال خطاب معايدة إن الطرفين لا يثقان في بعضهما.
وأوضح المتحدث الرسمي أن حوالي 2000 جندي وضابط صف من خمس حركات في مسار دارفور وصلوا المراحل النهائية في التدريب الذي يستغرق 90 يوماً وينتهي بنهاية شهر مايو الجاري، حيث أن الترتيبات تتعلق مهام للجان متعددة بخصوص الحركات الموقعة على اتفاق السلام في جوبا، واللجان معنية بحصر وتصنيف هذه القوات، من اللائقين وغير اللائقين، بحيث يتم توفيق أوضاعهم بين الإخضاع للدمج في القوات المسلحة وتسريح غير اللائقين (كبار السن والمصابين) مع ضمان مستحقاتهم، وإيجاد مشاريع بديلة لهم، وهذا يحتاج لحزمة من الإجراءات.
الرغبة والتمويل!
خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز الدراسات القومية اللواء د. أمين إسماعيل مجذوب حدد عوامل ساهمت في نجاح البروتكول في منطقة جنوب النيل الأزرق، تتعلق برغبة الحركات في المنطقة بتنفيذ الترتيبات، وقلة عدد جنود الحركات في تلك المنطقة، لكنه كشف عن صعوبة مقدرة السلطات الحالية أو المرتقبة على تنفيذ البروتكول، وتابع في حديثة لـ(اليوم التالي) إن السلطات تعهدت بما لا تملك في اتفاقية جوبا من حيث عجزها عن توفير مبالغ مالية، بجانب إقرارها للمسارات المختلفة التي عقدت الأمور، لأن 4 مليار دولار تم رصدها في اتفاقية سلام جوبا لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في إدخال الحركات الموقعة في القوات المسلحة والشرطة والمخابرات والدعم السريع، وهذا تعثر بالطبع لأسباب منها المادي واللوجستي، مثل عدم وجود ترتيبات لتجميع هذه الحركات في مواقع محددة، كذلك حصر الأعداد، هذا الوضع تسبب في حالة عدم ثقة بين الحركات والسلطة، الأسوأ من ذلك أدى لدخول غير مقنن لهذه القوات في العاصمة والمدن المختلفة، ما تسبب في حالة السيولة الأمنية المعيشة الآن، والتي لهذه الحركات دور كبير فيها، هذا بجانب مشاركتها في الصراعات القبلية الأخيرة في دارفور، لشعورها بعدم الإنصاف.
ومضى مجذوب: الآن الحركة الشعبية شمال مجموعة كردفان، بدأت في استقطاب قواتها في مواقع محددة بواسطة اللجنة العليا للترتيبات الأمنية، كخطوة للترتيبات، وإنفاذ (قوة حماية المدنيين) المتفق عليها بواقع 12 ألف جندي، 6 آلاف من الحركات الموقعة، و6 آلاف من القوات النظامية في محاولة لتجميع هذه القوات، حيث تم تجميع جنود المقدمة في (الجديدة السيل) بالقرب من مدينة الفاشر، وتتم الآن مناداة واسعة بتوحيد الجهود لتجميع هذه القوات.
ولفت مجذوب إلى أن الاختلال الذي حدث في معادلة البروتكول هو: هل ستدخل قوات الدعم السريع في هذه الدعوة، أم ستظل قوة رابعة، وأردف: “ذلك هو السؤال المهم في المشهد الأمني بالبلاد”.
أكبر من الآلية!
وحول حوار الآلية الثلاثية ومساهمته في إنجاز الملف قال مجذوب: الخط الذي تتبعه الآلية الثلاثية لتوحيد وجهات النظر في السودان، هو خط تجميع، وليس إشرافاً، وهذا في علم التفاوض يفضي لصياغة ورقة لعرضها على المجتمعين، وفي تقديري أن ثلاثة أيام فقط فترة غير كافية للملمة القضايا الشائكة في ملف الترتيبات الأمنية الشائك. لأن (فولكر) أجرى جلسات طويلة مع أطراف الأزمة (حكومة، حركات، أحزاب)، لكن تبقى المعضلة في توفير 4 مليار دولار المتعلقة فقط بالمرتبات، هذا بجانب 750 مليون دولار يجب أن توفر سنوياً لمدة عشر سنوات، منصوص عليها في قسمة الثروة لإيجاد الأمن والاستقرار في إقليم دارفور.
اتفاق معزول!
عضو هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن، رأى ـن “الترتيبات الأمنية بشكلها الحالي عبارة عن قسمة محاصصات بين حملة السلاح للحصول على المناصب العسكرية والرتب والمزايا والمكاسب الذاتية الأخرى، وفي واقع الحال، أن اتفاق جوبا أصبح معزولاً داخلياً وخارجياً، إذ لم يعد له أدنى تأثير في الحياة العامة، بل صار من أدوات الاستقطاب في مناطق دارفور التي تشهد صراعات محلية عديدة بعضها بسبب الاستيلاء على الأرض من أصحابها وتهجير سكانها، كذلك نجد أن المواطن العادي فقد ثقته في قيادة الحركات الحالية التي تتصدر المشهد السياسي وأظهرت ضعف قدراتها وعدم امتلاكها خطط أو برامج استراتيجية تخاطب المشكلات المحلية وقضايا المجتمع، كما صدم مجتمع دارفور من ممارسات الحركات التي كان يتوقع منها بسط الأمن وحماية المواطن، وذلك بقيامها بنهب مقار بعثة اليوناميد ومخازن برنامج الغذاء العالمي، وهذه الممارسات وحدها كافية للتقرير بشأن مستقبلها لدى المواطن العادي”.
مراكز قوى!
ويقول عضو هيئة محامي دارفور الصادق علي إن “ما يحدث من ترتيبات عبارة عن تقاسم مراكز قوى، وأن الطرف الأضعف فيها هو الحركات المسلحة التي ستدمج جيوشها لدى الجيش وتصبح قياداتها تحت إمرته المباشرة، وسيكون التنافس بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لكن في نهاية المطاف سيقدمون الشواهد التي تعزلهم داخلياً وخارجياً، وبالتالي لن تكون لهذه المحاصصات وقسمة الثروة وترتيبات السلطة الأمنية أي تأثيرات على الأرض، بل ستزيد من حدة الاستقطابات والصراعات المجتمعية المحلية بما يعجل من خطى الفوضى المتوقعة في البلاد”، واستبعد بسط الأمن في إقليم دارفور وإعادة هيبة السلطة له وفق الآليات التي يجرب التخطيط لها حالياً، لأن الآليات المستخدمة نفسها ستنتج أسباب الفوضى والتشظي المجتمعي ببروز التنافس على المواقع والمناصب العسكرية باستخدام رمزية القبيلة، وستفقد المؤسسات النظامية رويداً رويداً مقوماتها القومية وتصاب بالضعف، وفي المقابل، تتوزع المراكز للقوى المحلية ومكوناتها المختلفة، حيث تسود ثقافة القوة التي أصبحت ظاهرة في المناطق الطرفية للمدن الكبيرة في دارفور.
ولفت الصادق إلى أنه حتى الآن لم تتم مخاطبة قضايا دارفور ومطالبها في التنمية والمشاركة العادلة، في وقت أن المواطن العادي تجاوز هذه المطالب وأصبح يحلم فقط بالحصول على الأمن، لأن السلام بات في نظر الجميع بأنه ثقافة للحصول على المكاسب الذاتية، وبسيادة هذه الثقافة قد يتعذر إيجاد المعالجات والحلول للمشاكل المتراكمة، لكن المدخل الأساسي للحلول هو تصحيح المفاهيم من خلال مراجعة ثقافة البندقية واستخدامها للحصول على المزايا بادعاء تمثيل الجهات والمكونات الاجتماعية، والتأسيس لبناء دولة مدنية حقيقية يتم التنافس فيها وفق أسس مدنية عامة ومجردة.
الطرف الثالث!
وحول ما يقال إن هناك طرفاً ثالثاً يلعب دور زعزعة الأمن، أجاب الصادق قائلاً: “هذا الطرف الثالث إذا وجد تنتجه الأطراف المتصارعة على القيادة، وبالتالي هو منها وإليها، كما يستخدم هذا المصطلح لتمرير الأجندات خاصة الأمنية منها ولطمس الحقائق”، وأشار الصادق حسن إلى أن اتساع الحدود والشراكة مع دول الجوار التي لديها مشاكل مماثلة وتعاني من الصراعات المحلية مثل تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، قد ساعد في عبور البندقية وانتقالها عبر المعابر ومشاركتها في القتال وتصدير واستيراد المقاتلين إلى دارفور، لكن في الحقيقة لم يعد القتال بالضرورة كفاحاً من أجل قضايا وطنية، كما يحدث مثلاً في ليبيا التي تعاني من وجود مئات الجنود من جنسيات عدة يقاتلون كمرتزقة، لذلك ما لم توجد خطط استراتيجية لمعالجة هذا الوضع، ستتحول المنطقة بأسرها لبؤرة صراعات من خلال تدفقات السلاح، فضلاً عن بروز كوارث إضافية تعيق الجهود الدولية في تحقيق السلام، ما تشكل خطورة محتملة على الأمن والسلم الدوليين.
وبين الصادق حسن أن المدخل لاستقرار دارفور يكون بإنهاء ثقافة الارتزاق السياسي من خلال استغلال الرمزية الاجتماعية والجهوية، والتأسيس لنظام مدني حقيقي ينقل المجتمع من أطر القبلية والجهوية المتفشية بصورة لافتة.

          
قد يعجبك ايضا
تعليقات
Loading...