هل هي سياسة العصا والجزرة أم دعم الانتقال؟ واشنطن تجدد ربط المساعدات بإعادة المسار الديموقراطي
جددت الولايات المتحدة الأميركية ربطها فك مساعداتها للسودان المعلقة منذ نهاية أكتوبر الماضي بعودة المسار الانتقالي الذي تأثر بالإجراءات التي اتخذها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 والتي أنهت الشراكة التي كانت قائمة بين المدنيين والعسكريين منذ إسقاط نظام المخلوع عمر البشير في أبريل 2019.
وأكدت مولي في مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإفريقية في اتصال هاتفي مع البرهان الأحد دعم الولايات المتحدة الأميركية لعملية الحوار والوفاق بين القوى السياسية والأطراف السودانية والذي ترعاه الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومجموعة “إيغاد”.
وأشارت مولي إلى استعداد واشنطن لتسهيل كافة العقبات وتهيئة المناخ لانطلاق الحوار بصورة شفافة. ووفقاً لبيان صادر عن مجلس السيادة السوداني فقد تعهد البرهان باستكمال المرحلة الانتقالية وصولاً لمرحلة التحول الديمقراطي وجدد الالتزام بدعم جهود الآلية الثلاثية بجانب الجهود الأخرى المبذولة من قبل السودانيين لتحقيق التوافق الوطني.
وفي وقت سابق أكدت الولايات المتحدة الأميركية و28 دولة أوروبية بينها المملكة المتحدة ودول للاتحاد الأوروبي؛ أن عودة التمويل الدولي – المعلق منذ أكتوبر- لن تتم إلا بعد إنشاء حكومة مدنية ذات مصداقية، وحذرت البلدان الـ29 من أي اتفاق أو حكومة تنتج عن إجراءات غير شاملة تفتقر إلى المصداقية لدى الشعب السوداني والمجتمع الدولي.
محمد عجيب: تحالف أمريكا مع اليسار ليس استراتيجياً
وبحسب الخبير والمحلل السياسي اللوء محمد د. عجيب لـ(اليوم التالي) فإن الموقف الأمريكي من السودان وخاصة في الفترة الانتقالية لم يتغير مضيفاً أن السياسة الأمريكية ذاهبة، كما كان في تغيير نظام حكم الإنقاذ، وتابع: “يقال إن أمريكا كان لها ضلع كبير ومباشر عبر سفارتها في السودان أو غير مباشر عن طريق حلفائها الإقليميين في مصر أو دول الخليج أسهمت في إحداث التغيير” وأضاف: أحسب أن النتائج التي تريدها أمريكا بإحداث التغيير لم تتحقق حتى الآن بالإضافة الى المخاوف من عودة الإسلاميين للواجهة مرة أخرى بشكل أو بآخر سواء العودة عن طريق نوافذ الانتخابات أو بقراءات الواقع السياسي الموجود الآن وأردف: لهذا الولايات المتحدة تسعى أن تثبت التغيير التي أحدثته، وفي الوقت نفسه عجيب: أمريكا الآن تقع في تناقضات كبيرة خاصة في التغيير الذي حصل في نفس الوقت تقوده تيارات يسارية، وزاد أن التحالفات الأمريكية تحالفات غير استراتيجية وهي تحالفات مؤقتة الى مدى معين لفترة زمنية معروفة.
وأشار الى أن حسابات أمريكا بأن الفترة الانتقالية لازم تمر بإسقاطات تتحدث عنها قوى اليسار وهذه الإسقاطات المطلوب منها إطالة الفترة الانتقالية تحاشياً للانتخابات التي يمكن لها أن تعود بالإسلاميين الى السلطة مرة أخرى، وهذا الموضوع محوري في المخطط التكتيكي لأمريكا بأن تعبر الفترة الانتقالية بأي شكل من الأشكال بدون إجراء أي انتخابات في الوقت الحالي وتابع: لذا أمريكا تضع بعض الاشتراطات والعقبات في الطريق ولفت الى أنها الآن ترسم طريقاً محدداً للتحول الديمقراطي يتفق مع الأهداف الأمريكية وتسعى أيضاً الى إطالة أمد الفترة الانتقالية على أساس من المحتمل في هذه الفترة يمكن أن تحدث تطورات بحيث لا تضع اليسار في السلطة، لكن تبعد الإسلاميين عن العودة الى السلطة، وبالتالي يكون الخيار الأمريكي خياراً عسكرياً بجنرال عسكري من الدرجة الأولى لذلك أمريكا تضع هذه الاشتراطات والتحوطات.
محمد خليل: سياسة العصا والجزرة
فيما يقول أستاذ العلوم السياسية بالدراسات الاستراتيجية بالجامعات السودانية د. محمد خليل لـ(اليوم التالي) إن السودان الآن في مفترق طرق يكون أو لا يكون، والآن العالم بأسره ينظر إلى السودان بعد انقلاب 25 أكتوبر بأنه لا ينشد التحول الديمقراطي وتابع: هذا ما أوقف كل المساعدات خاصة وأنها مرتبطة باستحقاقات السلام والتحول الديمقراطي نفسه وزاد: أن المجتمع الدولي في مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية تتبع سياسة العصا والجزرة وأضاف قائلاً: أمريكا لا تعمل من أجل السودان ولا لإرساء دعائم الديمقراطية به وإنما تسعى الى تحقيق مصالحها، مضيفاً: في سبيل ذلك أمريكا يمكن أن تدعم حكماً دكتاتورياً طالما يحقق مصالحها هذا هو تعامل المجتمع الدولي الذي يتعامل بازدواجية مع الدول الفقيرة وزاد: أمريكا تريد كل الدول تحت قراراتها وطوعها خاصة وأنها الآن تفقد مساحات كبيرة من دول العالم وهي الآن في حالة اللا توازن، وبالذات خلال الحرب الروسية الأوكرانية الآن أمريكا تهتز لا تستطيع فعل شيء مضيفاً أن أمريكا على مدى التاريخ عند الدخول الى أي دولة لا تكسب هذه الدول من التدخل الأمريكي سواء عسكرياً أو في شؤون الدول السياسية وتابع: يجب على السودانيين أن لا يعتمدوا على العالم أو الإقليم عربي أو أفريقي ويبقى ذلك في حدود العلاقات المتوازنة ويجب أن لا نعول على ذلك كثيراً أو بإصلاح الحال من خلال أمريكا ويحب أن تكون لدى السودانيين إرادة سياسية قوية ونبذ القبلية والجهوية ما لم تتوفر كل هذه المعطيات يظل السودان في أزمة وجود يبقى ثم يزول.
يوسف علي: التركيع مقابل الدعم
في ذات السياق يقول المحلل السياسي يوسف علي آدم في حديثه لـ(اليوم التالي) إنه بعد الإجراءات التي قام بها الجيش تفاقمت الأزمة الاقتصادية السودانية لافتاً إلى أن الولايات المتحده الأمريكية والمؤسسات الدولية تستخدم هذه الكروت لكافة دول العالم مشيراً إلى أن مثل هذه الكروت تتيح للدول التدخل في الشؤون الداخلية للدول أو تركيعها مقابل الدعم وزاد: السودان الآن يمر بصائقة اقتصادية خانقة وبعض التقارير تشير إلى أن في مقبل الأشهر القادمة السودان سيعاني من فجوة غذائية تضر بالمواطنين وأضاف: تجديد الولايات المتحدة بالاستمرار في عدم دعم السودان يجب أن لا يكون القصد منه الضغط على طرف دون الآخر معنى الضغط على العسكريين أكثر من المدنيين، لكن يجب أن يكون القصد منه الضغط على جميع الأطراف أن يجلسوا في مائدة حوار شامل يضم كل السودانيين دون استثناء للخروج بالفترة الانتقالية إلى بر الأمان والذهاب الى الانتخابات الحرة والنزيهة.
محمد عمر: هذه رسالة للبرهان مفادها الانفراج الاقتصادي
كما أكد الباحث والمحلل السياسي محمد عمر فيصل خلال حديثه لـ(اليوم التالي) أن إعلان الإدارة الأمريكية عبر اتصال هاتفي من مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية السيدة مولي أن حكومتها تؤكد أن دعمها للحكومة السودانية الانتقالية سيتواصل بقوة بشرط إنهاء حالة الانسداد السياسي الحالي وتكوين حكومة توافق سياسي سوداني بقيادة مدنية للحكومة التنفيذية وهو ذات الموقف الأمريكي السابق وبذلك تكون الحكومة الأمريكية قد أوصلت رسالة قوية للفريق أول عبد الفتاح البرهان مفادها أن الانفراج الاقتصادي مرهون تماماً بتكوين حكومة توافق سياسي لأن الدعم المالي الدولي يشترط ذلك وهذا يعني أن على البرهان تقديم تنازلات للوصول لحكومة توافق سياسي أو المضي قدماً من دون انتظار الدعم المالي الدولي.
أحمد عابدين: ما هي المساعدات التي يجب لأجلها الرجوع إلى المسار الانتقالي؟
ويقول الباحث في العلوم السياسية أحمد عابدين في حديثه لـ(اليوم التالي): أمريكا لا تمنح عطايا ببلاش، فالخطاب الرسمي الأمريكي يهمه تحقيق المصالح الأمريكية العليا وعلى كل دولة أن تنفذ رغبتها تحت العصا وبقليل من الجزرة.
وتابع عابدين متسائلاً: عن ما هي المساعدات التي يجب لأجلها الرجوع للمسار الانتقالي وما هو المسار الانتقالي الذي تريد أمريكا الرجوع إليه وليس المسار الانتقالي السوداني الحر؟
وزاد قائلاً: للإجابة عن ذلك أرجو أن نعود لبداية الفترة الانتقالية حيث كان حضور تلاميذ المخابرات الأمريكية والأوروبية من السودانيين بارزاً وقوياً، وأعلن عن نفسه بصلف وعنجهية واستعلاء على الركائز الوطنية ويكاد في تلك الفترة أن نحس أننا ولاية أمريكية في أفريقيا.
مشيراً الى أن لدى أمريكا مطامع كانت على ظهر المسار الانتقالي، مضيفاً: العودة لبيت الطاعة الأمريكي لن يتم إلا بمعايير تتوفر في أولاد أمريكا من السودانيين وبعض المراهنين على دعم الغرب.
وتابع: يجب أن تستوعب الإدارة الأمريكية أن الضغط ومزيد من الضغط سيطيح حتى ببعض المترددين من العسكر ويخلو وجه السودان للدب الروسي بالمرة، فعلى الأقل روسيا لا تتدخل في صناعة الحكومات إلا باليسير فما يهمها بناء قطب ند لأمريكا ولا تهتم كثيراً بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات وكثيراً من أكاذيب الغرب بمعنى أنها واقعية.
وأكد أن منع المساعدات يفهم منه أنه ابتزاز أمريكي للعسكر ليس فقط لأجل عودة حلفائها ولكن كي يعدل العسكر من موقفهم من أزمة أوكرانيا وتوجههم شرقاً.
وأشار عابدين إلى أن المسؤولين الأمريكان يستقبلون وصفات حلفائها السابقين والتي تحمل ضغوطاً للإدارة الأمريكية بأن عودة التيار الإسلامي يعني عودة السودان لاحتضان الإرهاب مرة أخرى وأن استمرار نهج العسكر الحالي يتسبب في إعدام أي أمل لهم في السلطة على أساس أنهم من يحقق مصالح أمريكا بالباب.
وأضاف: يظل السؤال قائماً ما هي المساعدات؟ فمثلها قيلت للبشير فتسامح في انفصال الجنوب ولم تصل مساعدات وسقط هو واستقر بكوبر، واستطرد بالقول: “إذاً مساعدات أمريكا لا تسمن ولا تغني من جوع وسم قاتل ينهي الحياة بسرعة فائقة”.
وتمنى عابدين أن تناقش الحكومة الحالية بكل شجاعة أمريكا بناءً على مصالح حقيقية واضحة دون الدخول في الشأن الداخلي.