خلافات المؤتمر الشعبي.. إعادة جدل المؤسسية!!
عضو بأمانة الشباب: لا أحد يتوقع سقف النتائج إذا واصلت الأمانة في قيادة الحزب نحو الاصطفاف
عضو بالشعبي: تنظيمات وقوى إقليمية ودولية ترغب في تفكيك الشعبي
السجاد: علي الحاج أصبح فاقداً للشرعية
الخرطوم: فاطمة مبارك
منذ رحيل عراب حزب المؤتمر الشعبي دكتور حسن الترابي الأمين العام السابق في مارس 2016، توقع المراقبون للساحة أن تحدث خلافات في (الشعبي) الذي تأسس عقب مفاصلة الإسلاميين في العام 1999م، على ضوء القبول الذي كان يحظى به الترابي من قبل القواعد والقيادات، كما أنه كان شخصية متفق حولها، الا أن الشعبي تخطى هذه المرحلة بتوافق غير متوقع دون أن تبرز أصوات مخالفة لمسار الحزب، على الأقل هذا ما ظهر للساحة السياسية آنذاك وتم اختيار إبراهيم السنوسي أميناً عاماً مكلفاً الى حين قيام المؤتمر العام وعقد المؤتمر بعد عام تقريباً واختير دكتور علي الحاج، أميناً عاماً للمؤتمر الشعبي واستمر الحزب قرابة الستة أعوام بذات التركيبة القيادية دون أن يغادرها أحد، إلا أن مؤخراً طفت على السطح بوادر خلافات داخلية كشفت عن شبح انشقاق يُهدد الحزب.
الخلافات قديمة:
لكن يبدو أن أوضاع الحزب الداخلية لم تكن على ما يرام حيث كشفت بعض قياداته بعد فترة من تجاوز هذه المرحلة، عن بروز خلافات منذ وفاة الترابي في حزب المؤتمر الشعبي وساد تلك الفترة حالة من السيولة وعدم اليقين في الحزب نتيجة لفقدانه فجأة مفكره وأمينه العام وعدم الاتفاق على خليفته، كما قالت إن الحزب كان أشبه بالمحلول على ضوء أن الترابي كان قد وضع ترتيبات الانتقال ورؤية وتصورات لتبني حركة إسلامية جديدة تشمل المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، إضافة لاستقطاب وجوه مجتمعية جديدة من خارج صفوف التيار الإسلامي وحينها تحدث البعض عن اتصالات شملت دكتور الشفيع خضر وكامل إدريس، للمشاركة في المنظومة الخالفة، ووفقاً لإفادات بعض القيادات أن حالة الارتباك وعدم اليقين استمرت في الحزب حتى بعد تكليف إبراهيم السنوسي بالأمانة نتيجة للتباين الذي ظهر حول شخصية السنوسي نفسه، فهناك من رأى عدم أحقيته بالتكليف على خلفية قربه من الرئيس المخلوع عمر البشير وعمله معه بعد ذلك، فيما دعم اختياره آخرون وأضافت أن الأصوات المعارضة للسنوسي زادت بعد ظهوره مع الرئيس البشير في آخر أيامه في الساحة الخضراء سابقاً، ساحة الحرية حالياً وهو يشغل منصب الأمين العام للمؤتمر الشعبي ومناصرته لنظام البشير، ونتيجة لذلك تواصلت القيادات الرافضة إلى التقارب مع المؤتمر الوطني مع دكتور علي الحاج الذي كان يقيم بالعاصمة الألمانية بون لتجديد خط الحزب وإبعاده من السلطة ووجد هذا الطلب القبول من دكتور علي، وبعد مجيئه السودان دعمته المجموعة الرافضة للسنوسي والتقارب مع السلطة والمشاركة فيها وفي النهاية قيل إنهم وصلوا لتسوية أقنعوا خلالها السنوسي بالتنازل وأتوا بالسنوسي رئيساً للشورى ووفقاً لحديث بعض منسوبي الحزب، أن المؤتمر الشعبي كان على وشك الانشقاق لولا هذه التسوية.
المشاركة في السلطة وثورة ديسمبر
بعد قيادة علي الحاج للحزب نشب خلاف حول المشاركة في السلطة حيث أيده الحزب ودفع بمنسوبيه إلى مواقع وزارية، فيما أبدت بعض القيادات والقواعد امتعاضها من المشاركة في السلطة، باعتبار أن المؤتمر الوطني فاصلهم وانقلب عليهم قبل ذلك، الا أن الأصوات المطالبة بالمشاركة كان صوتها عالياً وحسمت المسألة بالمشاركة، ولم يمضِ وقتٌ على مشاركة الشعبي في السلطة حتى اندلعت ثورة ديسمبر وظهر خلاف بين قيادات الحزب وشبابه حول مشاركة الحزب في التظاهرات وفي النهاية انخرط الشباب في المواكب التي خلفت شهداء أبرزهم أستاذ أحمد الخير وجرحى أبرزهم كان هشام الشواني. إلى أن سقط نظام البشير.
جدل حول خط الحزب
لآن وتزامناً مع الحالة العامة التي اعترت البلاد، تفجرت خلافات بين قيادات الحزب حول قضايا أساسية أبرزها انقلاب 25 أكتوبر وانضمام الحزب للتيار الإسلامي العريض وعلى غير عادة المؤتمر الشعبي، كان مسرح هذا الخلاف المواجهة عبر وسائط الإعلام المختلفة، حيث خرج من أضابير المكاتب الحزبية إلى فضاءات العامة، بعدما استعصى على أجهزة الحزب حسمه، وكان لافتاً أن القضايا محل الخلاف ألقت بظلالها على قضايا الحزب الأساسية، مثل شرعية الأمين العام دكتور علي الحاج، ونتيجة لذلك برزت مجموعتان إحداهما انحازت لدكتور علي الحاج وتمسكت بشرعيته كامين عام وأشارت إلى أن تمسكها يتوافق مع نظام الحزب الأساسي وجزمت أن لا أحد يستطع إبعاده الا المؤتمر العام، كما اتهمت هذه المجموعة مجموعة المطالبة بالشورى بمساندتها لانقلاب 25 أكتوبر ومحاولتها عقد الشورى حتى يتسنى لها إبعاد الأمين العام علي الحاج وانتخاب أمين جديد يجعل الحزب يتخذ قراراً مؤيداً لما حدث في 25 أكتوبر والى جانب إعلانه الانضمام للتيار الإسلامي العريض
جدل قانوني:
دار جدل قانوني بين المجموعتين حول شرعية الأمانة وأمينها العام وانعقاد الشورى، من جانبها شككت مجموعة المؤتمر العام المساندة للأمين العام في دواعي الانعقاد الطارئ للشورى، ووصفته بعدم الوضوح، وأشارت إلى أن بعضهم قال إن الأمر متعلق بتحالفات الحزب في المرحلة القادمة وموقف الحزب من الأوضاع السياسية في البلاد بعد انقلاب 25 أكتوبر، آخرون أشاروا الى أن انعقاد هيئة الشورى يهدف إلى إقالة الأمين العام والأمانة العامة.
وأقرت هذه المجموعة بوجود نص واضح في نظام الحزب الأساسي يتعلق بانعقاد الشورى ولا خلاف عليه وأوضحت أن المادة الثامنة تقول: (تنعقد هيئة الشورى لدورة كل ستة أشهر أو بدعوة طارئة من ثلث أعضائها أو بقرار من القيادة)، ولفتت الى أن توقيع أكثر من ثلث الأعضاء يكفي لقيامها، لكن هذا يتطلب استلام الأمانة العامة للتوقيعات والتأكد من صحتها من الأمانة المتخصصة، وإذا تم ذلك عليها الشروع في الإجراءات لانعقاد الاجتماع الطارئ.
الا أن هذه المجموعة رأت أن الأمانة العامة حسمت هذا الجدل بشروعها في تشكيل لجنة للمؤتمر العام وهيئة الشورى والقيادة ستنعقد بين يدي المؤتمر المؤتمر العام.
كما فندت الحديث المتداول حول عدم شرعية الأمانة، مبينة أن المادة السابعة من مهام الشورى أوضحت أن هيئة الشورى مختصة (بالقرار في عدد الأمانات واختصاصها واعتماد الأمناء المختصين وغير المختصين الذين يرشحهم الأمين العام ونوابه) والأمناء بعد ترشيحهم من الأمين العام يتولون مباشرة أعبائهم الى أن تنظر هيئة الشورى في اعتمادهم وإجازتهم هذا ما جرى عليه العمل منذ تأسيس المؤتمر الشعبي، ولا يمكن أن تظل الأمانة العامة معطلة وهي الجهاز التنفيذي للحزب، انتظاراً لانعقاد هيئة الشورى
سقوط شرعية
توقع القيادي بالمؤتمر الشعبي عمار السجاد انشقاق المؤتمر الشعبي اذا لم تأتِ المؤسسات وقال لـ(اليوم التالي): إذا جاءت المؤسسات، المؤتمر الشعبي لن ينشق لكن إذا لم تأتِ واستمر، الأمين العام في تعنته سيصبح الانشقاق وارداً.
وأكد السجاد أن علي الحاج أصبح غير شرعي بعد انتهاء دورته، وتابع: “إن الأمين العام سبق أن خاطب الحزب بعدم رغبته في التجديد وقدم استقالته”.
وطالب عمار الحاج بإطلاق سراح الحزب وترك أعضائه ليقيموا مؤسساته، واتهمه بتغييبه للمؤسسية وعدم ثقته في الأمانة والقواعد وأقر بوجود الخلاف في مؤتمر الشعبي منذ استلام إبراهيم السنوسي للأمانة بسبب الملاحظات التي أبدتها العضوية عليه وتمثلت في أنه استغل بصورة شخصية مع الرئيس المعزول عمر البشير.
وكشف عن ضغوط يمارسها أعضاء الشعبي حالياً على هيئة الشورى حتى يستجيبوا للنظام الأساسي.
وأشار السجاد إلى أن نسبة التوقيعات التي جمعت لانعقاد شورى الحزب وصلت 45%، وزاد: “الشورى ستعقد وليس من حق الأمين العام أو غيره من القيادات منعها”.
مخالفة التعديل:
فيما مضت المجموعة الأخرى في جمع التوقيعات لعقد الشورى وأوضحت أن الأمين العام حسب نظام الحزب الأساسي أصبح فاقداً الشرعية، مؤكدة صواب خطوتها، ونوهت الى أن الفقرة الثانية (أ) في القرار سحبت من الدكتور علي الحاج حق إجراء أي تعديل في الهياكل التنظيمية، بنصها على استمرار شاغلي المواقع التنظيمية في مواقعهم حتى نهاية الفترة المحددة بعام، بالتالي اعتبرت إجراءات تعديل الهياكل التي قام بها الدكتور علي الحاج مخالفة لقرارات القيادة التي ظل هو في موقع الأمين العام بتمديدها له.
وأضافت أن التعديلات التي قام بها الدكتور علي الحاج في الأمانة هي تعديلات في عدد الأمانات المختصة والأمناء غير المختصين، ولفتت إلى أن هذه التعديلات لا تسري دون أن تتم إجازتها من هيئة الشورى حسب الفقرة (٧) من مهام الشورى التي نص عليها النظام الأساسي.
ورأت أن الأمانة التي جاء بها الأمين العام ولم تجزها الشورى فاقدة الشرعية، وتريد أن تمنع انعقاد جسم منتخب من المؤتمر العام هو الجسم الوحيد الذي له مشروعية محاسبة الأمين العام وتقويمه.
وأشارت مجموعة الشورى الى أن من مهام هيئة الشورى، حسب الفقرة (٢) الواردة في النظام الأساسي في مادة إقرار العلاقات السياسية والمنهجية الاستراتيجية للمؤتمر الشعبي مع القوى الأخرى، لكن الأمانة الحالية تريد أن تصنع خطاً سياسياً لم تجزه المؤسسات ولم توافق عليه.
كما أن مجلس الشورى انتخب ٩٠٪ من الأعضاء به من المؤتمر العام للمؤتمر الشعبي بالتالي هم في شرعيتهم ومشروعيتهم مثلهم مثل الدكتور علي الحاج.
القواعد تبتعد:
أاما القواعد فقد فضل أغلبها الابتعاد عن المجموعتين، بينما دخل البعض في هذا الاصطفاف، حيث أيد عضو مجلس أمانة الشباب صديق محمد أحمد، دعوى الشورى للانعقاد.
قال صديق لـ(اليوم التالي) حسب النظام الأساسي للشعبي، انعقاد مجلس الشورى بشكل طارئ له علاقة بتقديرات الأعضاء في حال تمت الدعوى من الثلث.
واستنكر تشكيك مجموعة المؤتمر العام في نسبة جمع التوقيعات، وطالب بتوجيه السؤال عن صحتها لرئيس الشورى، وأكد صديق حرصهم على عدم انشقاق الحزب، لكن قال: “إذا واصلت الأمانة في قيادة الحزب نحو الخلاف والاصطفاف لا أحد يتوقع سقف النتائج، وأبان أن هدف مجموعته من الانضمام للتيار الإسلامي العريض هو حرصهم على عدم التعامل مع الأجندة الدولية والتواصل مع اليسار، وهذا خط الأمانة الجديدة حسب ما ذكر، إضافة لرغبتها في الجلوس مع فولكر والرضا بالعطية، والقواعد الإسلامية حريصة على البلد ومشروعها الإسلامي.
الا أن العضو بالمؤتمر الشعبي وليد تقل وصف ما يدور داخل حزبه بالطبيعي، الذي يحصل في أي مجموعة انتظمت في عمل جماعي، وأكد أن رأي الأغلبية الذي يصدر من خلال مؤسسات الحزب هو الحاكم، وعن شرعية الأمين العام أوضح أن علي الحاج خاطب الأمانة رسمياً وأحاطهم بانتهاء مدته، لكن المسألة مربوطة بالأمن العام وظروف البلد، والخطاب تم نقله لهيئة القيادة وأصدرت قراراً للمؤسسة ونتيجة لذلك شرعوا في بناء المؤتمرات.
واعتبر وليد الدعوة للشورى حق، الا أنه مربوط بإجراءات وتقديرات والوضع الأمني والاقتصادي لا يسمح بذلك، وكشف عن أن المؤتمرات القاعدية أوشكت على الانتهاء، وأضاف بقوله: التنظيم متماسك وماضٍ في أنشطته السياسية والفكرية، القواعد على تواصل ومدركة لخط الحزب، لكن البعض يريد تخريب أي حاجة لا تتفق مع أهوائه.
ويرى أن التعديلات في الأمانات تمت لأسباب موضوعية واتخذها الأمين العام بناءً على سلطته لمزيد من الفعالية والأداء الأفضل.
واتهم وليد تنظيمات منافسة وقوى إقليمية ودولية برغبتها في تفكيك الشعبي، واستبعد وليد الانشقاق، لكن قال إذا حصل ستخرج مجموعة لا تتعدى 5%، وشكك في نسبة توقيعات الشورى وعدم سلامتها، وأكد أن من وقعوا اكتشفوا أن هناك منشورات بها أجندة لإعفاء الأمين العام.
صراع قيادات:
بدا واضحاً أن هذا الصراع يدور في مستويات الحزب العليا وبين قياداته، وتسود الحزب حالة استقطاب حادة وتسابق بين المجموعتين كل يسعى لترجيح كفته.
ما يدور في المؤتمر الشعبي قد يفضي إلى متغيرات تطال الأمين العام وخط الحزب، وبدا واضحاً أن أي مجموعة تحاول المضي بالحزب حسب ما تراه من قناعات وهناك حالة استقطاب للقواعد، وحتى الآن لا يبدو أن هناك مساحة للتراجع والتوافق بعد التراشق الإعلامي الذي وصل مرحلة الإساءات هذا الوضع جعل المراقبون يقولون إن هذا الحزب في طريقة للانشقاق، الا ان بعض قياداته اعتبرت أن ما أصاب المؤتمر الشعبي ليس بعيداً عن الجو السياسي العام الذي يسود البلاد منذ انقلاب 25 أكتوبر، وأنها حريصة على تهدئة الخطاب الإعلامي. بينما لم يستبعد آخرون الانشقاق، لكنهم قالوا سيغادر أصحاب الآراء المخالفة وهم قلة، ويبقى الحزب وللمجموعة الأخرى رأي آخر.. الأيام القادمة ستفصح عن مصير حزب المؤتمر الشعبي، فهل ستصدق توقعات المراقبين أم ستتنزل الحلول على قيادته.